انتهازية إخوان الأردن ولعبة الكراسي الموسيقية

انتهازية إخوان الأردن ولعبة الكراسي الموسيقية

انتهازية إخوان الأردن ولعبة الكراسي الموسيقية


23/04/2024

يشهد الأردن منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي احتجاجات متصلة، تتصدرها جماعة الإخوان المسلمين في الداخل، بزعم نصرة غزة ومناهضة الحرب الإسرائيلية عليها، وقد شهدت الأسابيع الأخيرة تداعيات ومؤشرات حول أهداف أخرى للتنظيم، خاصة بعد وقائع الاشتباك بين قوات الأمن والمتظاهرين قرب السفارة الإسرائيلية بعمّان. 

وفندت دراسة حديثة صادرة عن (المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية)، تحت عنوان: "مقامرة محسوبة: احتجاجات إخوان الأردن بين البراغماتية السياسية والديناميات الداخلية"، للباحث أحمد سلطان، فندت أهداف وتداعيات مشاركة إخوان الأردن بالتظاهرات، وعلاقة ذلك بالديناميات الداخلية والتحولات داخل التنظيم. 

تصدر المشهد

تصدرت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وفق الدراسة، واجهة الأحداث لاعتبارات عديدة؛ فبالإضافة إلى دورها في قيادة وتنسيق الحراك، أبدت الجماعة استجابةً لدعوات حركة حماس بتصعيد الحراك الاحتجاجي التي أطلقها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج خالد مشعل في كلمة مسجلة له بُثت في فاعلية نسائية بالعاصمة عمّان أواخر آذار (مارس) الماضي، والناطق العسكري باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس أبو عبيدة، الذي أعاد نشر مقتطف من خطاب القائد العام للقسام دعا فيه إلى الزحف نحو الحدود مع الأراضي المحتلة والمشاركة في معركة "طوفان الأقصى".

وقد شكل التصعيد الأخير خروجاً عن التفاهمات الضمنية غير المعلنة بين جماعة الإخوان الأردنية وحركة حماس الفلسطينية من جهة، والحكومة الأردنية من جهة أخرى، وهو ما أزعج الحكومة التي لا تُريد أن يتم توظيف حراك الدعم للقضية الفلسطينية في تحقيق مكاسب سياسية على حساب المصالح الوطنية أو فرض أجندة سياسية محددة على المملكة، لا سيّما أنّ لها وضعاً خاصاً ينبع من موقعها الجغرافي القَلِق وطبيعتها الديموغرافية، بما في ذلك تكوين الشعب الأردني، والنسيج الاجتماعي الذي يُشكل ذوو الأصول الفلسطينية فيه أكثر من نصف عدد السكان.

التطورات التي شهدها الأردن في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، منّت تيار الصقور المتحالف مع مؤيدي حماس أو ما عُرف بـ "تنظيم الظل" بإمكانية تحصيل المزيد من المكاسب التنظيمية. 

بحسب الدراسة، يلعب العامل الديموغرافي، بجانب عوامل تنظيمية وإيديولوجية أخرى، دوراً حاسماً في طبيعة انخراط جماعة الإخوان الأردنية في الحراك الاحتجاجي والعمل السياسي في البلاد، فقرار الجماعة ذات التاريخ الطويل من الانشقاقات والانقسامات يتأثر بشكل مباشر بعملية التدافع الداخلي بين تياراتها الـ (4)؛ وهي: (تيار الصقور التنظيميين، والتيار القطبي، وتيار الحمائم، والتيار الإصلاحي الذي عُرف من ذي قبل بتيار الوسط، وتيار أو تنظيم الظل المقرب من حركة حماس الفلسطينية، الذي عُرف أيضاً بتنظيم حماس داخل إخوان الأردن).

حراك داخلي 

يشير الباحث إلى أنّ هذا التدافع بين تيارات إخوان الأردن لا ينفصل بأيّ حال من الأحوال عن الموقف من القضية الفلسطينية والعلاقة مع حركة حماس، وهي القضايا الخلافية البارزة التي شغلت حيزاً معتبراً من الجدال والصراع التنظيمي قبل أعوام، وتحديداً قبل انفصال تنظيم حركة حماس الفلسطينية عن تنظيم جماعة الإخوان الأردنية عام 2010، بناءً على قرار أصدره المرشد العام لجماعة الإخوان في العالم محمد بديع، وأقره مجلس شورى الجماعة في الأردن.

وفي هذا السياق تشير الدراسة إلى أنّ حركة حماس الفلسطينية نفسها نشأت كجزء من تنظيم الإخوان المسلمين في بلاد الشام، الذي أسس عام 1978 وقاده المراقب العام للإخوان في الأردن، قبل أن يقرر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، المعروف إعلامياً بالتنظيم الدولي، إنشاء جهاز فلسطين عام 1986، ضمن عملية التحول النوعي من العمل الخيري والدعوي والتربوي إلى العمل العسكري والجهادي، والتي تمخض عنها في نهاية المطاف تأسيس (حماس) عام 1987.

العلاقة مع حماس

وفق الدراسة اتخذت الحركة الفلسطينية من المركز العام لجماعة الإخوان في الأردن مقراً لمكتبها السياسي ومجلس شوراها، الذي تشكل فيما بعد، وزاد نفوذ (حماس) داخل إخوان الأردن عقب عودة مجموعة من كبار قادة حماس، في مقدمتهم خالد مشعل، من الكويت إلى الأردن بالتزامن مع حرب الخليج الثانية عام 1991، وبسبب الوافدين الجدد إلى التنظيم، آنذاك، حدثت عملية انزياح ديموغرافي في الجماعة لصالح ذوي الأصول الفلسطينية على حساب شرق الأردنيين. 

وبدورها، عملت حماس، في فترة وجود المكتب السياسي لحماس في الأردن (1991ـ 1999) على تجنيد كوادر جماعة الإخوان الأردنية لصالحها؛ مستغلةً تفاهماً واتفاقاً غير مكتوب مع السلطات الأردنية، على العمل السياسي والإعلامي داخل المملكة، وهو ما أدى إلى تراجع حضور الجماعة داخل المجتمع شرق الأردني، وحدوث خلافات داخلية في إخوان الأردن بين تيار الوسط الذي عُرف أيضاً بتيار "الأردنة"، وتنظيم الظل أو تنظيم حماس في إخوان الأردن. 

جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تبدو كأنّها تنخرط في مقامرة محسوبة المخاطر إلى حد كبير، فالجماعة تريد توظيف الزخم الذي حققته عملية "طوفان الأقصى" لتحقيق مكاسب سياسية والوصول إلى تفاهمات جديدة توسع الهامش الممنوح لها من قبل الحكومة الأردنية. 

ثم جاء قرار الحكومة الأردنية بإخراج الحركة الفلسطينية من البلاد عام 1999، ليثير موجة انقسامات ثانية في الجماعة على أساس الموقف من حركة حماس، وأسفرت تلك الموجة عن إعادة تشكيل التيارات الداخلية للجماعة، فقد تحالف الإصلاحيون والحمائم ليشكلوا معاً ما يُعرف بتيار البراغماتية الموصوف بـ "المعتدل"، وآثر الصقور القطبيون التحالف مع مؤيدي حماس أو تيار الظل.

وفي الأعوام التالية حدثت صراعات تنظيمية بين التيارين حول ترتيب أولويات العمل السياسي، فتيار الحمائم والوسط "الإصلاحيون" رأى ضرورة التركيز على القضايا الوطنية الأردنية والتهدئة مع الحكومة وعدم الانجرار في صراعات معها، فيما رأى تيار الصقور وحليفه تيار الظل التركيز على القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للجماعة والتصعيد مع الحكومة الأردنية، وبفعل هذه التدافعات الداخلية التي جاءت في خضم لعبة قط وفأر سياسية بين الحكومة الأردنية والإخوان.

يشهد الأردن منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي احتجاجات متصلة، تتصدرها جماعة الإخوان المسلمين في الداخل

بدورها، عملت حركة حماس سراً على اختراق جماعة الإخوان الأردنية وتجنيد كوادرها الفاعلة من مؤيدي فكرة التماهي مع الحركة الفلسطينية، وضخت في سبيل ذلك أموالاً طائلة، بحسب ما ذكره عضو مجلس الشورى وعضو المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان سابقاً نائل المصالحة "تيار الحمائم" الذي انشق عن الجماعة عام 2015، وكان من بين معلني المبادرة الأردنية للإصلاح "زمزم" التي عُدت بمثابة انشقاق هيكلي عن الجماعة.

"طوفان الأقصى" ومحاولة اقتناص الفرص 

تقول الدراسة: إنّ التطورات التي شهدها الأردن في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، منّت تيار الصقور المتحالف مع مؤيدي حماس أو ما عُرف بـ "تنظيم الظل" بإمكانية تحصيل المزيد من المكاسب التنظيمية؛ وبالتالي زيادة سيطرته على الجماعة وذراعها السياسية، ولذا راج مؤخراً الحديث عن إجراء انتخابات داخلية لاختيار أعضاء مؤسسات الجماعة القيادية، بما في ذلك المكتب التنفيذي ومجلس الشورى والمراقب العام للجماعة في الأردن، قبيل الانتخابات النيابية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل في المملكة.

ومن المؤكد أنّ السعي لعقد الانتخابات في هذا التوقيت مرتبط بإدراك مؤيدي حماس داخل إخوان الأردن أنّهم سيجنون مكاسب من المواقف التي اتخذوها منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، لكنّ هذه المكاسب ستكون على حساب تيار الوسطية، أو ما يُسمّى بالتيار المعتدل الذي سيتراجع، على الأرجح، في حال أجريت الانتخابات الداخلية. 

ولعل هذه التطورات تلفت النظر إلى أنّ تصاعد الحراك الاحتجاجي، في الأسابيع الأخيرة، قد يكون نوعاً من اللجوء لتكتيك تقليدي في الجماعة، وهو إشغال القواعد التنظيمية بالفاعليات والمهمات الحركية، حتى ينصرفوا عن الخلافات الداخلية أو الصراعات ضد القيادة، على حدّ تقدير الباحث. 

حدود التصعيد مع الحكومة الأردنية

من ناحية أخرى، لا ينفصل التصعيد الأخير عن لعبة القط والفأر السياسية التي تتم بين الحكومة الأردنية والإخوان من آنٍ إلى آخر، والتي تأتي بدافع وجود أزمة ثقة بين الطرفين، وسعي كل منهما لجعل الكفة الأثقل من موازين القوى في صالحه، فالاحتجاجات فرصة مواتية من وجهة نظر البراغماتيين داخل الإخوان في الأردن من أجل إعادة صياغة العلاقة المتوترة مع الحكومة والحصول على مكاسب أكبر، خاصةً مع اقتراب الموعد المقرر للانتخابات البرلمانية في المملكة، وفق الدراسة.

ويبدو أنّ تلويح جماعة الإخوان، وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي، بمقاطعة الانتخابات، واعتبارها أنّ الانشغال بالحرب في غزة من أولى أولويات الشأن الداخلي للمملكة بحسب تعبير الأمين العام للحزب مراد العضايلة، المحسوب على التيار المؤيد لحماس داخل إخوان الأردن، هدفه إرسال رسائل سياسية للحكومة تمهد لإبرام تفاهمات واتفاقات من أجل توسيع الهامش الممنوح للإخوان ومنحهم ضمانات كافية بشأن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة التي تراها الجماعة فرصة مواتية لإحراز نصر سياسي بعد أعوام من التراجع والانزواء.

مراد العضايلة، المحسوب على التيار المؤيد لحماس داخل إخوان الأردن، هدفه إرسال رسائل سياسية للحكومة تمهد لإبرام تفاهمات واتفاقات من أجل توسيع الهامش الممنوح للإخوان ومنحهم ضمانات كافية بشأن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة

في المقابل يمكن فهم الرسائل الصادرة عن الدوائر المقربة من الحكومة الأردنية بأنّها توطئة أو تمهيد يمكن البناء عليه للتفاهم بشأن الترتيبات المستقبلية بين الحكومة وجماعة الإخوان، بيد أنّه لا يمكن الجزم بأنّ تلك التفاهمات ستكون موافقة لتطلعات جماعة الإخوان، خصوصاً أنّ الفترة الأخيرة شهدت نقضاً لبعض التفاهمات بين الطرفين، وآخرها التعديل المفاجئ الذي أُدخل على قانون الانتخابات بشأن القوائم الانتخابية التي تحصل على أصوات تتجاوز نسبة الحسم، والذي اعتبرته الجماعة يستهدف تحجيم ذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي، كما أسلفنا.

وتخلص الدراسة إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تبدو كأنّها تنخرط في مقامرة محسوبة المخاطر إلى حد كبير، فالجماعة تريد توظيف الزخم الذي حققته عملية "طوفان الأقصى" لتحقيق مكاسب سياسية، والوصول إلى تفاهمات جديدة توسع الهامش الممنوح لها من قبل الحكومة الأردنية، غير أنّ هذا الانخراط الإخواني يُخفي في طياته استمرار التنافس والتدافع بين تيارات الجماعة وغلبة تيار الصقور والتيار المؤيد لحركة حماس، والذي عُرف من قبل بـ "تيار الظل"، على مقاليد الأمور داخل الإخوان في الأردن، وهو الأمر الذي يُخلّ بالتكوين التنظيمي للجماعة من ناحية، فضلاً عن ذلك يزيد من التوجس الرسمي تجاهها من ناحية أخرى، باعتبار أنّ هذا التيار المسيطر والمنحاز لحماس الفلسطينية له أجندة غير وطنية، قد تتناقض مع الثوابت الوطنية الأردنية، وهو ما يعني أنّ مسار العلاقة بين الحكومة والجماعة قد يشهد منحنيات صاعدة وهابطة تُحددها الأحداث والتطورات على الساحتين المحلية والإقليمية في المستقبل القريب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية