بعد "طوفان الأقصى".. الإخوان يستدعون سيد قطب

بعد "طوفان الأقصى".. الإخوان يستدعون سيد قطب

بعد "طوفان الأقصى".. الإخوان يستدعون سيد قطب


15/11/2023

 استدعت كل تيارات الإسلام السياسي سيد قطب مع اليوم الأول لبدء عمليات (طوفان الأقصى)، وظهر على الفور هيئات ومؤسسات إفتائية إخوانية تطلق فتاوى بالقواعد الفقهية نفسها، تستغل القضية الفلسطينية، وتعتبر أنّ المعادلة الحقيقية لتحرير الأرض هي تشكيل جيوش إسلامية جديدة، وأنّ تكفير حكّام العرب هو انتصار للدين ذاته.

 التأصيل الفقهي الإخواني في الصدارة

حينما أطلقت عملية "طوفان الأقصى" صدر بيان لمجموعة ممّن يطلق عليهم علماء الإخوان، وعلى رأسهم رموز معروفة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكانت فتاوى جلّها مستندة لأفكار سيد قطب نفسها، وكلها تدور حول حكم الأسرى من المحتلين، نساء ورجالاً وأطفالاً، ثم حكم قتل المستأمنين.

 أثارت الفتاوى آخرين من الجماعة، ومنهم الشيخ الأزهري عصام تليمة، الذي كتب مقالاً يستنكر فيه الاستعجال الفقهي قائلاً: الحقيقة أنّ جلّ من أدلوا بدلوهم في هذه القضايا، لم يطلب أحد رأيهم، ولا يمثل رأيهم أهمية وقيمة سواء للموافقين على ما تم، أو الرافضين، ولا يمثلون مرجعية لمن قاموا بهذه الأعمال سواء في الأراضي المحتلة، أو في مصر، لكنّها للأسف موضة: نحن هنا، لنا رأي، اسمعوا رأينا، إننا أهل اطلاع وفقه وعلم، بينما أهل العلم الذين طلب منهم الرأي، الكثيرون منهم لاذوا بالصمت، ليس هروباً من الجواب، بل هروباً من حرف السياق والكلام عن موضعه إلى موضع آخر يراد لنا أن ننصرف به عنه.

في العدد الأخير من صحيفة (النبأ) استدعى التنظيم سيد قطب، ونفى الإسلام عن الشعوب والحكام طالما هم لا يجاهدون

 لقد استدعوا في الأيام التالية سيد قطب في مجموعة كثيرة من الفتاوى، كان أبرزها تلك التي صدرت يوم 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 في بيان أطلقوا عليه عنوان "نداء الأقصى وغزة"، وتم توقيعه من قبل (63) عالماً، وفق ما ورد في نهاية البيان، وكان على رأسهم الشيخ محمد الحسن ولد الددو، د. جمال عبد الستار، د. مروان أبو راس، د. نور الدين الخادمي، د. وصفي عاشور أبو زيد، د. حاتم عبد العظيم، د. عامر القرعان، أحمد العمري، د. سلمان السعودي، محمد سعيد باه، الشيخ إبراهيم سيك السنغالي، د. عبد الله بن عبد المجيد الزنداني.

 كان البيان الفقهي السابق من الخطورة بمكان، إذ إنّه انطلق من رؤية تأييد حماس والجهاد، واعتبار أنّ من يواليهما من المؤمنين، ومن يعارضهما هو من الموالين لليهود والنصارى!، وأنّ التقاعس عن نصرة غزة فرار من الزحف، وجهاد المحتلين دفع متعين على المسلمين، وأنّ على دول الطوق أن تفتح حدودها لعبور النفير العام، ودخول المجاهدين، ووجوب اتساع رقعة المعركة في العالم.

 الأهم في الفتوى هو أنّها لا تجتمع صفة المحتل والمدني في شخص واحد، ووجوب مقاطعة منتجات وبضائع الكيان الإسرائيلي، وكل الشركات والمصانع والدول الداعمة له، وحرمة الشراء منهم أو التعامل معهم، كصورة من صور الجهاد الاقتصادي، وأنّ كل اتفاقيات السلام والتطبيع التي عقدت مع الكيان قبل هذا الاعتداء على غزة، بما في ذلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، باطلة شرعاً ولا اعتبار لها.

 إصدارات على نهج الإخوان

على نهج فقهاء الجماعة، أصدر حزب التحرير الإسلامي بياناً من أرض فلسطين وجّهه لمصر، وجماهيرها، وعلماء الأزهر، داعياً لـ"إسقاط الأنظمة العربية"، وقال: إنّ الأمّة الإسلامية اليوم بحاجة إلى خطاب منكم يثبتها ويقوي عزيمتها، خطاب يتجلى فيه قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا ‌حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.

 وتابع: ألا تعون أنّ تصريحات الحكام ومناشدتهم لتطبيق حلّ الدولتين أو تطبيق الشرعية الدولية، هي خيانة لله؟ إنّ أهل غزة لا ينتظرون من الأمّة الإسلامية دواء أو طعاماً. إنّ أهل الأرض المباركة لا ينادون بحلّ الدولتين وتطبيق الشرعية الدولية، وإنّما يتوقون إلى زحف جيوش المسلمين إلى المسجد الأقصى.

ومع اليوم الأول لعملية الطوفان أطلق تنظيم (داعش) إصداراً مرئياً، من إنتاج مؤسسة (البتار) الإعلامية، بعنوان "يا أهل فِلِسطين، هذا الحَلُّ الوَحِيْد"، اعتبروا فيه أنّ الجهاد هو الطريق الأوحد لتحرير فلسطين، وأنّ هذا الجهاد لا يجوز شرعاً خلف فصائل مرتدة!

 وفي اليوم الثالث لعملية "طوفان الأقصى"، أعاد تنظيم (داعش) رفع إصدار بعنوان: صنم القضية الفلسطينية، تحدث فيه عن "حكّام إيران، وتركيا، ودول الخليج، ومصر، وقال: إن أطعتموهم، فإنكم لمشركون، وإنّ القضية الفلسطينية أصبحت مثل صنم يُعبد من دون الله، وإنّ على الشعوب ألّا تتبع حكامها، لأنّهم خوارج مارقون، وفق التنظيم".

عصام تليمة كتب مقالاً يستنكر فيه الاستعجال الفقهي لعلماء الجماعة

 تنظيم (داعش) في إصداره يعتبر أنّ كلّاً من داعش والقاعدة يتفقان في أنّ القضية المركزية لهم هي حرب أمريكا وحكام العرب، وأنّ قتال الحكام هو الأولى لتحرير القدس، وهو الطريق الأمثل لذلك.

 وفي العدد الأخير من صحيفة (النبأ)، استدعى التنظيم سيد قطب، ونفى الإسلام عن الشعوب والحكام طالما هم لا يجاهدون، وقال: إنّ نظرة سريعة في مواقف من ينسبون أنفسهم إلى الإسلام ممّا يجري من حروب ضدهم، تبيّن حجم الاضطراب في فهمهم لدوافع هذه الحروب والبطش الذي يمارسه عدوهم ضدهم كلما وجد فرصة مواتية، وهذا الاضطراب في الفهم هو نتيجة طبيعية لاضطراب الأصول التي يبنون عليها، والتي شارك في بنائها عندهم علماء السوء المضلّون، والإعلام المسموم الذي يبث على مدار الساعة، والغزو الفكري والميداني في مختلف مجالات الحياة، والذي يجري بشكل ممنهج على ما يريد الطواغيت الذين يحكمون بلدان المسلمين، والذين يمشون بدورهم على ما يريد طواغيت اليهود والنصارى وغيرهم من أعداء الملة، فهي إذن سلسلة خبيثة، تبدأ بدعاة السوء، من "شيوخ" و "مفكّرين" وإعلاميين وأشباههم، وتنتهي عند أكابر الطواغيت المجرمين.

 في السياق ذاته، أطلق أحد منظّري تنظيم القاعدة أبو بصير الطرطوسي فتوى استند فيها أيضاً إلى فكر سيد قطب، معتبراً أنّ جميع دول الطوق تتواطأ مع العدو الصهيوني، وأنّهم موالون للصهاينة.

وأطلق معهد ابن المبارك، التابع للسلفية الجهادية الليبية، بياناً هاجم فيه المتخلف عن القتال ضد إسرائيل قائلاً: إذا كان الشرع قد أمر بمقاطعة (3) من المسلمين تخلفوا عن الجهاد، ولم يلبوا داعي النفير، تَخلّفوا فَخُلِّفوا، أي لم يلتحقوا بغزوة تبوك دون عذر، فأُخِّرَت توبتهم، فمن باب أولى هجر ومقاطعة مَن يثبط ويخذّل ويطعن بالمسلمين الذين يريدون قتال اليهود.

 ودعا عضو الجبهة السلفية المصرية، المقيم في تركيا، محمد إلهامي، إلى عدم التركيز على الحكام فقط، بل على الشعوب أيضاً، قائلاً: إنّ التركيز على الحكام والأنظمة ليس محاولة لتبرئة النفس ولا لرفع العبء عن الشعوب، ولا إيجاد شماعات نعلّق عليها العجز والفشل...، بل هو في الحقيقة والواقع وضع العبء الأكبر على النفس وعلى الشعوب لبذل جهودها في حلول حقيقية ومؤثرة وناجزة، وليس تسكيناً لها بمخدرات ومُسكِّنات: التبرع والمقاطعة وخوض المعركة الإعلامية.

 بدا من كل تلك الفتاوى في النهاية أنّها متشابهة إلى حدٍّ كبير في استنادها إلى جاهلية الشعوب، وكفر الحكام، وعدم العذر بالجهل والتأويل، وغيرها من الإيديولوجيات القطبية، كما بدا أنّها كلها لا تستند إلى الوعي السياسي مطلقاً، بل هي تريد أن تستفيد من العاطفة الجياشة من الشعوب لاستقطابها للخروج على السلطات القائمة.

مواضيع ذات صلة:

السلفّية التجريبية.. الصراع بين واقعية ابن تيمية ومثالّية سيد قطب

سيد قطب مُلهم الإخوان ومرجع الحركات الجهادية

وقفات نقدية مع الاحتفاء الإخواني بسيد قطب

الصفحة الرئيسية