صراع الأجنحة داخل الجيش : ما بين السلام والعدالة ونفوذ الإخوان

صراع الأجنحة داخل الجيش : ما بين السلام والعدالة ونفوذ الإخوان

صراع الأجنحة داخل الجيش : ما بين السلام والعدالة ونفوذ الإخوان


31/03/2024

إسماعيل هجانة

لكل من يتابع الوضع الصعب الذي يمر به الجيش السوداني، الذي بات يُنظر إليه ليس كمؤسسة قومية ، بل كذراع عسكري لما يُعرف بدولة البحر والنهر، يُلاحظ العارفون ببواطن الأمور الخلل الجذري الذي يعتري هذه المؤسسة. هذا الخلل ، الذي تم توارثه عبر الأجيال من قبل نخب سيطرت عليه واستغله كأداة للقمع والاستبداد ، ساهم في استمرار حكمها للسودان عبر إما واجهات ديمقراطية أو انقلابات عسكرية. لذا، لم يكن مفاجئًا أن تبرز الخلافات إلى العلن بشكل غير مسبوق ، خاصة بعد أن بدأت قوات الدعم السريع في التحرر من هيمنة هذه النخب.

يتحتم على أبناء الأقاليم المهمشة داخل الجيش اتخاذ مواقف أخلاقية والاستجابة لنداءات السلام ، خصوصًا أن 80٪ من جنود هذا الجيش يأتون من هذه الأقاليم المضطهدة ، بينما 80٪ من الضباط ينحدرون من أبناء دولة البحر والنهر وامتداداتها في تلك الأقاليم ، في عملية تضليل ممنهجة عبر التاريخ. هذا الصراع الداخلي الطاحن داخل المؤسسة ، الذي سُخّرت لأجله مصالح نخب معينة على حساب الشعب، يؤشر إلى مدى الظلم الذي طال السودانيين في سعيهم لاستعادة حقوقهم المهضومة.

في التحليل الذي قدمته في مقالات سابقًا ، أسلط الضوء على الصراع والانقسام الباطني داخل المؤسسة العسكرية ، مشيرًا إلى حالة الانشقاق الداخلي التي تظهر كمياه الزيت المتفشية ، مما يحتمل أن يؤدي إلى تغييرات جذرية واسعة النطاق.

الكباشي ، من خلال خطابه بالقضارف ، لم يفعل إلا أن حرك المياه الساكنة ، محاولاً إلقاء الضوء على نقاط جوهرية: أولاً ، إمكانية تحول المقاومة الشعبية إلى تهديد مستقبلي.

ثانياً،  في معسكرات الجيش يجب منع التصوير والتدخل السياسي في محاولة منه لتقليل نفوذ الإخوان المسلمين الذين بدأوا بصورة واضحة اختطاف قرار الجيش.

ثالثاً، السلام هو جوهر الحياة والتفاوض أمر حتمي، رغم استمرار الصراع.

تصريحات الكباشي تكمل ما أعلنه غندور حول أهمية السلام وضرورة إنهاء القتال وبدء المفاوضات ، مع رفضه الواضح لان تكون الحلول فقط عبر البندقية. أعتقد أن هذا يمثل توجها داخليا تقليدياً وتيارا متنامي للجيش الذي يرغب في الوصول إلى السلام ، وقف الحرب ، وتخفيف معاناة المدنيين. لكن، للأسف، الجناح السياسي لدولة “البحر والنهر”، تيار علي كرتي من الإخوان المسلمين ، يسعى دوماً لإفشال أية فرصة للسلام والتوافق وإنهاء الحرب؛ إذ يطمحون لاستمرار الهيمنة على الدولة ومرافقها عبر استمرار النزاع. هذه الممارسات نحن ، كشعب متطلع للسلام ، نعارضها جملة وتفصيلاً. يجب أن يكون الأساس هو دولة تعلي من شأن السلام والعدالة والمساواة
والمواطنة.
تطرح أسئلة حيوية حول مدى جدية الكباشي في نهجه وأهداف خطابه. هل يهدف إلى طمأنة الجهات الدولية والإقليمية ، مثل مصر، بشأن تحركات الجناح السياسي والعسكري لدولة “النهر والبحر” وخطورته على الأمن القومي والإقليمي وتحالفاته المشبوهة مع إيران، ومواجهة  تيارات مثل تلك التي يمثلها علي كرتي والأخوان في الإسلام السياسي؟ أو هل يعتبر تمهيداً لفك الارتباط مع دعاة الحرب وفقاً للالتزامات الدولية التي قطعها بوقف الحرب والتوجه نحو السلام؟

الأيام المقبلة ستكشف بالفعل عن إجابات لهذه الأسئلة دون يقين مسبق. ومع ذلك ، يبقى النضال من أجل تحقيق دولة تقوم على مبادئ العدالة والمساواة والسلام ، والتي تعكس فعلياً مبدأ المواطنة والتنظيم الفدرالي الشامل ، هدفاً أساسياً. هذه الرؤية تتطلب تجاوز الهيمنة الحالية لقلة مسيطرة على الثروة والسلطة ، واستخدامها للقمع والاستبداد. في التحكم في مصير الشعوب السودانية دون وجه حق.

يكشف التباين الواضح في التصريحات بين قادة الجيش السوداني عن تعقيدات داخلية واضحة في مسار الأحداث السياسية والعسكرية بالبلاد. من جانبه ، يؤكد الفريق الكباشي على ضرورة أن تخضع جميع الميليشيات ، بما في ذلك ميليشيات دولة النهر والبحر مثل لواء البراء والمقاومة الشعبية ، لسيطرة الجيش ، معربًا عن رفضه القاطع لاستغلال هذه القوات الجديدة من قبل أية جهات سياسية ، في إشارة غير مباشرة إلى جماعة الإخوان المسلمين بقيادة علي كرتي. يشاركه هذا الرأي إبراهيم جابر الذي يعلن بوضوح عن تبرؤ الجيش من تحالف “الموز” بقيادة مالك عقار ، ما ينبئ بتحركات سياسية وعسكرية دقيقة في الخفاء. ومع ذلك ، تظهر تصريحات ياسر العطا ، التي تحث على التصعيد وتعزيز الانقسامات القبلية والعنصرية ، تناقضًا حادًا مع مواقف الكباشي وجابر ، ما يؤشر إلى وجود خلافات جوهرية بين قيادات الجيش.
هذه الخلافات تتجاوز مجرد الاختلاف في الرؤى السياسية إلى مستويات من التنافس قد تؤثر بشكل كبير على استقرار البلاد. تصريحات الكباشي، التي تحدث فيها عن اهمية السلام وجدت صدى واسع وقوبلت بتأييد واسع من معظم الشعب السوداني وكانت رغبته في السلام انعكست من خلال تعلقياتهم على حديثه بالاحتفاء بالنداء الى السلام في السوشيال ميديا ، تعكس الرغبة العميقة للغالبية في تحقيق السلام، وقف العنف، وبناء دولة قائمة على مبادئ المواطنة ، العدالة ، والمساواة.
الهجوم العنيف وغير المبرر الذي تعرض له الكباشي ، المدافع عن السلام ، من قبل مؤيدي وأنصار دولة النهر والبحر ، يعزز الرؤية التي طالما أكدنا عليها بأن الجيش السوداني ، منذ عهد الاستعمار وحتى الآن ، قد عمل كذراع عسكري يخدم ويحمي مصالح نخبة دولة النهر والبحر ، معززًا هيمنتهم على الثروات والسلطة ومحافظًا على تفوقهم في النفوذ داخل الدولة. لذلك ، يصبح إعادة بناء دولة تقوم على مبادئ المواطنة ، العدل ، المساواة ، والسلام ، التي تعتبر التنوع ثروة وقوة ، أمرًا في غاية الأهمية وأكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. الصراع الذي برز إلى العلن بين الكباشي والعطا ومؤيديهم يكشف أن الصورة التي قدمت للكباشي وجابر أنهما داخل الجيش قد يكون دورهما كواجهات تضليلية قد انتهى ، هذا ما يجعلنا نشدد أكثر وأكثر  على الحاجة الملحة لإصلاحات جوهرية تشمل كل أركان الدولة. مع إعادة تأسيس الجيش ، والأمن والشرطة والمؤسسات الاقتصادية إضافة إلى وجميع المؤسسات الفدرالية للدولة السودانية لتنعم بالسلام.

عن "الراكوبة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية