غزة تُسقط عمامة نصر الله وتكشف آليات الأجندة الإيرانية في الشرق الأوسط

غزة تُسقط عمامة حسن نصر الله وتكشف آليات الأجندة الإيرانية في الشرق الأوسط

غزة تُسقط عمامة نصر الله وتكشف آليات الأجندة الإيرانية في الشرق الأوسط


29/11/2023

"إسرائيل شرٌ محض يجب إزالته"، هذه هي العبارة التي كثيراً ما رددها حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني؛ كهدف لوجوده ولمشروعه السياسي والعسكري، بيد أنّ الحراك السياسي على الأرض يتنافى مع هذا الهدف، خاصّة بعد خطابه الأخير، الذي تم تدشين حملة دعائية له، بوصفه القول الفصل في الحرب الآنية بين غزة وإسرائيل. وجاء الخطاب مخيباً لآمال البعض، ومتوافقاً مع أصوات في الداخل اللبناني الذي يعاني من الأزمات الطاحنة، ممّا جعل ردود الفعل تتراوح بين التأييد والإعجاب، وبين الاتهام بالعمالة وعدم الصدق في أهدافه. 

الوضع الآني في غزة جعل حزب الله وأنصاره في أزمة حقيقية، من حيث حزب الله؛ يرى البعض أنّه مهما فعل سيثير اعتراضات قوية، ومن الممكن أن تكون النتائج عليه سلبية، فاختار نصر الله في خطابه أهون الشرين؛ فمن ناحية إذا قام بعمل عسكري واسع لدعم المقاومة في غزة وتخفيف الضغط عليها؛ فالنتائج ستكون سيئة جداً في ظل توعد إسرائيل وأمريكا بأساطيلها، الأمر الذي سوف يكون له تداعيات، ليس على حزب الله وآلاته العسكرية وبنيته التحتية فحسب، بل على لبنان كذلك واللبنانيين. وكثيرون خاطبوا حزب الله بألّا يقوم بردّ فعل عسكري لا يتوافق مع قدراته العسكرية، ذلك أنّ النتائج سوف تكون في غير صالحه، وهو الواضح من المؤشرات المعلنة. ومن ناحية أخرى إذا لم يقم بعمل عسكري، وهذا ما حصل وما أكد عليه نصر الله في خطابه، فسوف يقع في تناقضات خطابه المقاوم المعلن، والذي يستمد منه شرعية وجوده، ممّا يعني سقوط كل مقولاته حول تحرير القدس ووحدة الساحات، ويرى منتقدوه أنّه إن لم يفعل شيئاً في هذا التوقيت، فما معنى أن يفعل أيّ شيء في زمان ومكان مختلفين؟ 

دلالات خطاب نصر الله 

حاول نصر الله في خطابه تقديم صورة عن حزب الله؛ بوصفه كياناً مستقلاً يتحرك ويدافع عن لبنان وعن الشأن العربي، وهذا يتنافى مع عبارته الشهيرة: "ثمن عمامتي من الولي الفقيه في إيران"، وهذا ما جعل خطابه يحمل التناقضات الكافية، والمراوغة التي تجعله خطاباً غير محدد المصدر، بل والمتلقي كذلك. فتارة تحدث نصر الله باسم الجموع العربية، وتارة أخرى باسم الصالح اللبناني، في حين أكد على مباركة الخميني والخامنئي لإيديولوجيته، واستشهاده بهما كمصدرين لثقته بالنصر. وهو تناقض يُعدّ مفهوماً بالنسبة إلى موقف حزب الله، الذي عادة ما يتشدق بالدفاع عن الصالح اللبناني والقومية العربية، في حين يتم تمويله من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فما حاول نصر الله تأكيده في خطابه، فشل في الترويج لاستقلاله، وفهم من قبل العديدين أنّه خطاب إيراني يخدم مصالح إيران. 

الوضع الآني في غزة جعل حزب الله وأنصاره في أزمة حقيقية

وبالسؤال عن مُتلقي هذا الخطاب، أوضح الباحث والمحاضر السوري بالجامعات الألمانية، الدكتور حسام الدين درويش، لـ (حفريات) أنّ معظم الشارع العربي، أو أنّ قسماً كبيراً منه، وعلى رأسه الشارع الفلسطيني، منقسمون مسبقاً ولديهم مواقف ثابتة. مضيفاً: "بالنسبة إلى حزب الله، هناك من يؤيده؛ بسبب خطابه المقاوم وإيديولوجية الممانعة، وتاريخه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وغيرها من الأسباب، وهناك من يعاديه بشكل ثابت؛ بسبب أفعاله وأقواله في لبنان وسوريا، ففي سوريا قام بأعمال عسكرية مساندة لنظام الاستبداد وجرائمه الكثيرة والكبيرة، وكان مستعداً أن يرسل كل المقاتلين ويذهب هو كما أعلن للقتال في سوريا".

حسام الدين درويش: حزب الله هو بالمعنى الحرفي الوصفي المعياري أداة إيرانية، بمعنى أنّه تابع لإيران، متبنٍّ لإيديولوجيا الجمهورية الإسلامية ويأتمر بأمرها

وتابع درويش تصريحاته لافتاً إلى أنّ الموقف اختلف الآن في فلسطين. ومع ذلك بقيت هناك مجموعة ليست صغيرة تؤيده عموماً، لكنّها أصبحت مستاءة من موقفه الأخير، برأي هذه المجموعة، التي يمكن أن يتناقش معها الشخص، لأنّها ليست صاحبة مواقف جامدة، ولأنّها تحاول أن تأخذ بعين الاعتبار كل المسائل، ولا تقوم بعقلنة نفسانية يقوم بها هذا الطرف أو ذاك، هؤلاء شعروا بالإحباط والاستياء والإحراج من موقف حزب الله، وهناك محاولة من الطرفين لإقناعهما بضرورة الانضمام إليهما. 

جاء خطاب نصر الله بتناقضاته لمن يهتفون له: "لبيك يا نصر الله"؛ في جاهزية كاملة؛ لتلقي ما يقول دون نقاش أو جدال، فهم مؤيدون له بشكل ثابت، ولا تكون مبالغة إذا قلنا بشكل جامد، في حين كان خطاباً غير ذي معنى من قبل الشارع العربي، خاصّة في ظل الحملة الدعائية التي تم تقديمها له.

رسائل غير مباشرة

مجمل خطاب نصر الله كان رسالة إلى أمريكا وإسرائيل، بأنّه ملتزم بحدود وقواعد الاشتباك التي اتفق عليها، وأنّه لن يبادر إلى فعل يتجاوزها تماهياً مع ما تقتضيه المصلحة الإيرانية، وسقف التفاهمات الأمريكية الإيرانية، هذا ما قاله صراحة رئيس تحرير موقع حزب الشعب الديموقراطي السوري، والباحث في الثقافة الإسلامية (مناف الحمد) في تصريحات خص بها (حفريات) حيال خطاب نصر الله. 

مناف الحمد: مجمل خطاب نصر الله كان رسالة إلى أمريكا وإسرائيل، بأنّه ملتزم بحدود وقواعد الاشتباك التي اتفق عليها، وأنّه لن يبادر إلى فعل يتجاوزها تماهياً مع ما تقتضيه المصلحة الإيرانية

وعلى الجانب الآخر، كانت رؤية الباحثة اليمنية فاطمة مرتضى، مغايرة بعض الشيء، حيث صرحت لـ (حفريات) بأنّ خطاب الأمين العام لحزب الله كان متوازناً؛ يرضي كافة الأطراف (لبنان وإسرائيل)، وجزء منه يحقن دماء اللبنانيين حالياً، ويؤجل خطوة الحرب العالمية التي ستطال الشرق كله بلا شك، بحسب تعبيرها. لأنّ الحرب من كل الجهات معناها محاصرة إسرائيل؛ وبالتالي المزيد من الحرب، وهو ما سيجعل الداخل اللبناني غاضباً عليه. وأردفت لـ (حفريات) أنّ نصر الله كان واقعياً، يعرف ما يمكن أن يفعله وحدود قوته، وأنّه سيتلقى ضربات ربما لا يكون قادراً عليها، بيد أنّه في الوقت عينه يضرب على نقاط حدوده بشكل يحفظ ماء وجهه ويبرر موقفه المقاوم. 

ورغم تباين الانفعالات حول خطاب نصر الله، فثمّة سؤال يجب أن يطرح حيال موقفه من نظام الأسد في سوريا، وإرساله الكثير من المقاتلين والأدوات العسكرية، بل إعلانه أنّه على استعداد للذهاب للقتال بنفسه قائلاً: "إذا احتاجت المعركة مع هؤلاء التكفيريين الإرهابيين، أن أذهب أنا وكل حزب الله إلى سوريا، فسنذهب إلى سوريا". في حين جاء خطابه مهادناً يحاول التراجع تجاه الحرب وعدم التصعيد، بقوله إنّه منخرط في المعركة مع حماس منذ اليوم التالي للسابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وكأنّه يقول للمنتظرين: لا تنتظروا، فهذا أقصى ما يمكن تقديمه. ويحمل كلا الموقفين تناقضاً واضحاً، وهذا ما يجعل السؤال عن هدف حزب الله ملحاً، على الأقل في الأحداث الراهنة.

الهدف الرئيس لحزب الله

لا شك أنّ الداخل اللبناني يعاني أزمات عدة على أصعدة مختلفة، لعل أهمها انهيار اقتصاد الدولة التي باتت على شفا الإفلاس، وثانيها غياب إدارة سياسية فعلية للبلاد، تجعلها في حالة عدم استقرار شبه دائم، هذه الأسباب تجعل عملية دخول لبنان الحرب عملية كارثية بشكل ما، وحزب الله لأنّه في الأخير حزب سياسي، كما يزعم، يمارس العملية السياسية بلبنان، عليه مراعاة صالح لبنان الداخلي، فهل يمثل الصالح اللبناني السبب الأول وراء عدم دخول حزب الله الحرب مع إسرائيل؟ أجاب عن هذا التساؤل حسام الدين درويش مواصلاً تصريحاته لـ (حفريات) قائلاً: إنّ ما يغيب فعلاً عن النقاشات في خصوص حزب الله أنّ حزب الله هو بالمعنى الحرفي الوصفي المعياري أداة إيرانية، بمعنى أنّه تابع لإيران، متبنٍّ لإيديولوجيا الجمهورية الإسلامية ويأتمر بأمرها، وقراره لا يتعلق بما يحصل؛ فهو لم يقم بالامتناع عن الرد؛ لأنّه يخشى على لبنان أو حتى على نفسه، ولم يكن ليرد نصرة فقط للحماس، وإنّما يقوم بهذا أو ذاك بما يتوافق مع توجيهات وأومر ومصالح جماعة ولاية الفقيه الحاكمة في إيران. 

ينبغي أحياناً التذكير بأنّ نصر الله صرح بنفسه سابقاً أنّ الهدف الأول والغاية الأساسية من حزب الله؛ هو إقامة دولة إسلامية

بالرغم من أنّ هذا الأمر واضح وصريح، وفق خطابات حسن نصر الله، وخطابات مسؤولين عن حزب الله بعد الانقلاب على صبحي الطفيلي، فهذا الخطاب كان دائماً موجوداً، ولكن هناك من يتعامى عنه، ويقدّم خطاب حزب الله على أنّه طرف عربي يسعى إلى كل شيء في الصالح العربي والفلسطيني. ويستدرك درويش قائلاً: "ما يسعى إليه حزب الله قد يتقاطع مع صالح عربي أو صالح فلسطيني، أو أشياء إيجابية، ولكنّه في الأساس يهدف لتحقيق مصالح إسلامية إيرانية تحديداً، وبهذا المعنى فهو ظل على الممانعة وعدم التسليم بما تقوم به إسرائيل وقام بانتقادها، ولكنّه لا يقوم بالقدر الممكن، ولو بالحد الأدنى وبالقدر الممكن أو الكافي من العمليات العسكرية، التي يمكن أن يقوم بها؛ لأنّ ذلك لا يتوافق مع الهدف الأساسي، كما أنّ القيادة الأساسية لحزب الله موجودة في إيران".

وينبغي أحياناً التذكير بأنّ نصر الله صرح بنفسه سابقاً أنّ الهدف الأول والغاية الأساسية من حزب الله؛ هو إقامة دولة إسلامية، وليس المقصود هنا تحويل لبنان إلى دولة إسلامية، وإنّما تحويل لبنان أو جزء من لبنان على الأقل إلى تابع للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ضمن إطار ولاية الفقيه؛ هذا هو الهدف، فليس الهدف هو المقاومة، ولكن كل هذه تكتيكات لخدمة هذا الهدف.

مدى اتساق موقف نصر الله مع هدفه

يتضح من خلال خطاب نصر الله، ومواقفه تجاه الحرب على غزة، التي جاءت مختلفة عن مواقفه مع نظام الأسد، أنّه يسعى لخدمة الأجندة الإيرانية، لذا جاء خطابه مهادناً وغير عدائي، وفسر الباحث مناف الحمد هذا التوجه لـ (حفريات) بأنّ استمرار المشروع الإيراني في المنطقة غير ممكن من دون صفقة مع الولايات المتحدة؛ لأنّ رافضي مشروعها ليسوا من السنّة فحسب، وإنّما من نسبة يعتد بها من الشيعة العرب، ولعل حدث غزة، والحذر الواضح في الموقف الإيراني وتابعه حزب الله، إنّما هو حذر من يدرك أنّ أمريكا قد تسعى إلى تغيير قواعد اللعبة في المنطقة تغييراً لا يصب في مصلحة نظام الملالي وطموحه. وفي إضفاء لشرعية الموقف الآني لحزب الله، يحضر الخميني والخامنئي حضوراً صريحاً في خطاب نصر الله، بوصفهما المرجعية التي حرص نصر الله على الإشارة إليها، للتأكيد على أنّ خطابه يأتي في سياق موقف إيراني يحدده الولي الفقيه، وللتأكيد على أنّ مرجعيته ليست مرجعية حماس.

فاطمة مرتضى: نصر الله كان واقعياً، يعرف ما يمكن أن يفعله وحدود قوته، وأنّه سيتلقى ضربات ربما لا يكون قادراً عليها

وببساطة لفهم موقف حزب الله، ينبغي أن نفهم أنّه ليس في صالح إيران حالياً الدخول في مواجهة شاملة، وهي تدخل في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية لرفع العقوبات، وهناك بين الفينة والأخرى خطوة إلى الأمام أو خطوة إلى الخلف، إذن حزب الله حين نقول إنّه يتنصل من المقاومة أو لا يتنصل، فالقرار ليس بيده، وهذا لا ينفيه حزب الله أو حتى أنصاره، عندما يريدون أن يكونوا صريحين، هذا ما قاله صراحة حسام درويش في سياق تصريحاته لـ (حفريات). فنصر الله لا يتنصل من المقاومة، وإنّما يتخذ قراراً في هذا الخصوص بناءً على توجيهات القيادة الإيرانية، ولأنّ القيادة الإيرانية ليس في صالحها الدخول في الحرب؛ فهو لن يدخل، طبعاً يمكن لحسن نصر الله أو لغيره أن يدخلوا في نقاشات مع القيادة الإيرانية بهذا الخصوص، ولكن بالتأكيد القرار لإيران، التي كما قال حسن نصر الله سابقاً إنّها تزوده بكل شيء.

مواضيع ذات صلة:

المصالح الإيرانية من خطاب حسن نصر الله حول غزة

سنقاتل حتى آخر فلسطيني.. قراءة في خطاب حسن نصر الله

كيف يخدم حسن نصر الله مشاريع إيران وإسرائيل؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية