قطر و"حماس" والاحتمال العُماني

قطر و"حماس" والاحتمال العُماني

قطر و"حماس" والاحتمال العُماني


24/04/2024

خيرالله خيرالله

تخرج "حماس" من الدوحة أو لا تخرج ليست تلك المسألة. المسألة في نهاية المطاف ما الذي لا يزال في استطاعة "حماس" تقديمه لدولة قطر التي تعاطفت مع جماعات "الإخوان المسلمين" ودعمتها بمختلف أنواعها، وصولاً إلى يوم الحقيقة بكل أبعاده؟

مثلها مثل كلّ تنظيمات "الإخوان المسلمين" وجماعاتهم في المنطقة، ليس لدى "حماس" ما تعطيه في ضوء وجودها في الأسر الإيراني من جهة، وطبيعة الحركة من جهة أخرى. الأكيد أن هذا ليس وقت التساؤل لماذا لم تستطع "حماس" تقديم المطلوب منها قطرياً، بمقدار ما أن السؤال هل لدى "حماس" مشروع سياسي ذو علاقة بالواقع باستثناء استعادة الإمارة الإسلاميّة التي أقامتها في غزّة على الطريقة الطالبانيّة (نسبة إلى طالبان) إلى أن يحين يوم تنقل فيه تجربتها إلى الضفّة الغربيّة أيضاً؟

لم تعد "حماس" سوى استثمار إيراني، أقلّه منذ خريف عام 1993، تاريخ توقيع اتفاق أوسلو. كان همّها محصوراً في منع أي عملية سلميّة ذات فائدة، وإن محدودة. وجد فيها اليمين الإسرائيلي ضالته. استثمر اليمين الإسرائيلي إلى أبعد حدود في العمليات الانتحاريّة التي نفذتها "حماس" و"حركة الجهاد الإسلامي" والتي صبّت في اتجاهين، الأول تعطيل عملية السلام والآخر ضرب الوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة والمشروع الوطني الفلسطيني الذي أقره المجلس الوطني في عام 1988 والذي في أساسه خيار الدولتين. أكثر من ذلك، كان هناك التقاء بين "حماس" واليمين الإسرائيلي الذي تخلّص باكراً من إسحق رابين، من أجل قطع الطريق على خيار الدولتين، وهو خيار اعترضت عليه "الجمهوريّة الإسلاميّة" في كل وقت...

لم يكن لدى "حماس" مشروع سياسي في يوم من الأيّام. هذا سبب سقوطها وبحثها عن ملجأ آخر خارج قطر التي اعتقدت أنّ الإسلام السياسي يستطيع أن يكون استثماراً مربحاً. تبيّن في النهاية أن الاستثمار السياسي والعسكري الوحيد المربح هو الاستثمار الإيراني في "حماس" وفي تنظيمات "الإخوان المسلمين" أينما وجدت. فتح الإخوان في مرحلة معيّنة أبواب مصر لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" في عهد محمّد مرسي. أنقذ مصر انقلاب الشعب فيها على الإخوان في 30 حزيران – يونيو 2013. لو لم يتحرك الجيش المصري، في ظلّ دعم عربي خليجي واضح وملموس، دعماً للتظاهرات الشعبيّة التي قامت في مصر وقلبت نظام الإخوان، لكان البلد العربي الأهمّ في قبضة إيران حالياً.

نجحت "حماس"، بدعم إيراني، في الاستيلاء على قطاع غزّة منتصف عام 2007. كان غريباً أن تحظى بكل هذه المساعدات القطرية طوال السنوات الأخيرة في ظلّ حصار إسرائيلي كانت الحركة مستفيدة منه باستمرار. كلّ ما فعلته "حماس" طوال حكمها لغزّة تمثّل في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني نحو الأسوأ في القطاع وتحويله إلى مجتمع بائس منغلق على نفسه ومعزول عن العالم ليس إلّا.

في أحيان كثيرة، تستفيد إيران من "الإخوان المسلمين" بطريقة غير مباشرة. هذا ما حصل في اليمن عندما تحرّك هؤلاء تحت لافتة "حزب التجمّع اليمني للإصلاح" لقلب نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح. تبين مع مرور الزمن أن الحوثيين الذين ليسوا سوى أداة إيرانيّة، هم الرابح الأوّل من الانقلاب الذي نفذه الإخوان على علي عبد الله صالح ابتداءً من شباط – فبراير 2011. في 21 أيلول – سبتمبر 2014، استولى الحوثيون على صنعاء ووضعوا يدهم على شمال اليمن.

لم يستطع اليمن النجاة من الإخوان، وبالتالي من إيران، كما نجت مصر. بفضل الإخوان صار قسم من اليمن قاعدة عسكريّة إيرانيّة تستخدم في تعطيل الملاحة في البحر الأحمر وتعرقل الوصول إلى قناة السويس. ما لا يمكن تجاهله أن الاستثمار القطري في "حماس" ساهم في كشف هؤلاء، خصوصاً في مرحلة ما بعد هجوم "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول – أكتوبر الماضي والرد الوحشي الإسرائيلي على ما قامت به "حماس". دمرت إسرائيل غزّة وشرّدت أهلها. أما "حماس" فلا يهمّها سوى استعادة الإمارة الإسلاميّة التي أقامتها في غزّة متجاهلة ما حصل على أرض الواقع. هذا ما لا تستطيع، في ما يبدو، أن تتحمله قطر التي دخلت في وساطة من أجل إنهاء حرب غزّة انطلاقاً من معطيات ملموسة لا من أوهام حمساوية.

ما الذي ستفعله "حماس" التي يفترض أن تكون أخذت علماً بأن تركيا الأردوغانية لا تستطيع استقبال قيادتها لأسباب ذات طابع اقتصادي أوّلاً؟ بكلام أوضح، لا تستطيع تركيا تحمل عبء استضافة "حماس" في ضوء حاجتها إلى أميركا والغرب لتجاوز الأزمة الاقتصاديّة التي تعانيها.

خلاصة الأمر، يبدو ذهاب قيادة "حماس" إلى سلطنة عُمان، أحد الاحتمالات المطروحة والممكنة، علماً أن هناك بحثاً في خيارات أخرى. أمّا لبنان، المستباح إيرانياً، فهو ليس مكاناً آمناً بالنسبة إلى قياديي الحركة. يبقى السؤال: ما الثمن السياسي الذي سيكون على "حماس" دفعه إذا رحلت قيادتها إلى مسقط حيث وجود لقيادات حوثيّة أيضاً... وحيث تدور عادة المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن؟

هل من خيارات أخرى لدى "حماس" غير خيار إظهار الرغبة في التعاطي مع الواقع بعيداً عن التمنيات والأوهام من مكان لديه إطلالة على إيران ولإيران إطلالة عليه، إضافة في طبيعة الحال إلى أن سلطنة عُمان دولة محترمة ذات تاريخ عريق وعلى علاقة جيدة بالولايات المتحدة؟

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية