لماذا لن ينقلب الحرس الثوري على قيادته في إيران؟

لماذا لن ينقلب الحرس الثوري على قيادته في إيران؟

لماذا لن ينقلب الحرس الثوري على قيادته في إيران؟


19/10/2023

 إثر تمرد يونيو القصير الذي قاده زعيم مجموعة فاغنر الروسية، الراحل يفغيني بريغوجين، سارعت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية إلى نفي إمكانية تمرد مماثل في صفوف الحرس الثوري الإيراني. وكان هذا ردا على مقال صادر عن المجلس الأطلسي يناقش مثل هذا الاحتمال.

وأشار التقرير إلى ولي العهد الإيراني السابق الأمير رضا بهلوي، الذي كان يدعو الحرس الثوري الإيراني إلى الإطاحة بالنظام منذ فترة طويلة قبل تمرد فاغنر.

ويقول المحلل السياسي جاكوب ليس فايس، في تحليل على موقع مؤسسة جايمس تاون، “في حين كان المقال صحيحا في التأكيد على أن الظروف التي مهّدت لتمرد مجموعة فاغنر وطبيعة الجماعة نفسها مختلفة، إلا أن بعض الأحداث يمكن أن تدفع الحرس الثوري الإيراني إلى تنظيم انقلابه الخاص”.

ويضيف فايس أن اختلاف الحرس الثوري الإيراني عن فاغنر يكمن في كونه ليس مجموعة عسكرية خاصة بل هو فرع رسمي للقوات المسلحة الإيرانية، ويتألف من بعض الأفراد الأكثر التزاما بمبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية التي نشبت عام 1979.

وبينما ينبع الخلاف بين الحكومة الروسية وفاغنر إلى حد كبير من النقص (الحقيقي أو المتصور) في الإمدادات والتمويل والدعم والاعتراف بدور هذه المؤسسة العسكرية في الصراعات الأوكرانية والسورية والليبية، يتمتع الحرس الثوري الإيراني بتمويل أفضل من الجيش الإيراني، كما يحظى باهتمام الدولة وتبجيلها ويحتل كبار قادته مواقع مهمة في البلاد على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

وأنشأ الخميني الحرس الثوري الإيراني لتشكيل قوة مسلحة موالية له ولرؤيته للحكم السياسي بصفته زعيما دينيا شيعيا أعلى.

وعمل خليفته، علي خامنئي، على تطوير المجموعة لتصبح المنظمة العسكرية متعددة الأوجه المعروفة اليوم، والتي تتمتع بتأثير كبير على المستويين السياسي والاقتصادي في إيران.

ويصل عدد أفراد الحرس الثوري الإيراني اليوم إلى 190 ألفا. ويتشكل من قوات عسكرية برّية وبحرية وجوية ويمتلك، إضافة إلى ذلك، جهاز استخباراته وفرق قواته الخاصة وإدارة مختصة في الحرب السيبرانية.

ووفقا لمشروع قانون ميزانية 2022، تعادل ميزانية الحرس ثلاثة أضعاف حجم ميزانية الجيش الإيراني تقريبا (حوالي 3 مليارات دولار).

واعتمد خامنئي على الحرس في قمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة، ومراقبة المعارضة بين رجال الدين الشيعة، والمساعدة على تزوير الانتخابات، وتصدير الثورة الإسلامية إلى الخارج.

وعلى عكس ما شهدته فاغنر، لم تُسجل حوادث عصيان كبيرة للحرس الثوري الإيراني ولم تصدر عنه انتقادات علنية لخامنئي.

الولاء للدولة

تقول وسائل الإعلام الإيرانية إن السبب الرئيسي الذي يمنع أي تحرك للحرس الثوري الإيراني ضد الجمهورية الإسلامية هو ولاؤه الأيديولوجي للمرشد الأعلى والثورة الإسلامية.

وتشير التقديرات إلى أن المتطوعين يشكلون أقل من 50 في المئة في صفوف الحرس الثوري الإيراني. أما في صفوف المجندين، فإن أكثر من 70 في المئة منهم كانوا، منذ سنة 2010، أعضاء في ميليشيا الباسيج التطوعية التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني.

ويتم تخصيص 50 في المئة من وقت تدريب جميع المتطوعين والمجندين لـ”التدريب الأيديولوجي السياسي” بهدف ضمان الالتزام بمبادئ الثورة الإسلامية.

ويستحيل التقدم إلى أعلى المناصب داخل الحرس الثوري الإيراني دون موافقة مباشرة من المرشد الأعلى. كما يتمتع الحرس الثوري الإيراني بامتيازات اقتصادية وسياسية كبيرة من نظام الجمهورية الإسلامية بتشكيله الحالي.

وتمنح الحكومة الإيرانية عقودا مربحة دون منافسة للحرس الثوري الإيراني، وسمحت له بتطوير أصول اقتصادية كبيرة في مجالات متعددة، بدءا من قطاع البناء وصولا إلى مجال الهندسة وقطاع الطاقة. وارتقى أعضاء سابقون في الحرس إلى مناصب مهمة في السلطة السياسية، مع تعيين بعضهم في مجلس الوزراء.

ومن غير المحتمل أن يسعى الحرس الثوري الإيراني إلى إسقاط الجمهورية الإسلامية بالنظر إلى تحيزاته الأيديولوجية وحوافزه الاقتصادية والسياسية. ولن يكون هناك حرس ثوري إيراني دون الجمهورية الإسلامية، والمرجح أن يقتصر اعتماده القوة على ضمان حماية موقعه المميز.

سيناريوهات العصيان

تبقى وفاة علي خامنئي السيناريو الأكثر ترجيحا، حيث يمكن أن يرى كبار أعضاء الحرس الثوري الإيراني أن وضعهم أصبح مهددا. وسيحرصون بعد وفاة المرشد الأعلى على الحفاظ على السلطة نفسها والنفوذ ذاته.

ورغم أن المؤسسة لعبت دورا حيويا في الحفاظ على استقرار حكم خامنئي، إلا أن ذلك كان بثمن.

وأصبح الحرس الثوري الإيراني أقوى مؤسسة في البلاد، متمكنا من تعزيز دائرة داخلية من الأفراد الموالين لخامنئي.

وقد ينظر المرشد الأعلى المستقبلي بعين الشك إلى النخبة الحالية في الحرس الثوري ويسعى إلى استبدال شخصياتها بأفراد يعتبرون أكثر ولاءً له.

ومن الممكن أن يتحرك قادة الحرس الثوري الإيراني لإزاحة المرشد الأعلى الجديد إذا شعروا بأنه أقل انصياعا لمصالحهم، وخاصة خلال فترة انتقال السلطة مباشرة.

كما يمكن أن يحفز الضغط من الشارع الحرس الثوري على الإطاحة بالمرشد الأعلى المستقبلي.

وتغلب خامنئي، الذي كان ذات يوم رجل دين شيعيا صغيرا نسبيا، على تهديد منافسة كبار رجال الدين الشيعة ومعارضتهم باستخدام القوة.

وسجن رجال الدين المعارضين منذ 1989، ونفاهم، ووضعهم تحت مراقبة جهاز المخابرات التابع للحرس الثوري الإيراني.

وأدى عدم الاستقلال الواضح لرجال الدين إلى تقويض شرعيتهم في نظر الشعب، حيث يعتبرهم الكثيرون ممثلين للسلطة الدينية الشيعية ويرونهم أداة لخدمة نظام السلطة الذي تفرضه النخبة التي ظهرت بعد 1979.

وبرز ذلك أكثر في الحركة الاحتجاجية التي اندلعت في سبتمبر 2022، حيث استهدف متظاهرون رجال الدين الشيعة في الشوارع.

وإذا برزت حركة احتجاجية مستمرة وواسعة النطاق ومناهضة للحكومة فلا تستطيع فيها السلطات الإيرانية ضمان سلامة رجال الدين، فقد يسعى بعضهم إلى النأي بأنفسهم عن المرشد الأعلى الجديد.

ومن شأن الجمهورية الإسلامية المستقبلية ذات الدعم الديني المتناقص أن تهدد بشكل كبير شرعية النظام واستقراره. ويمكن للحرس الثوري الإيراني هنا أن يفرض مرشدا أعلى جديدا من اختياره لقمع الاحتجاجات والحفاظ على الدعم الديني.

وتشكّل الحرس الثوري الإيراني ليصبح منظمة تعتمد وجوديا على استمرار الجمهورية الإسلامية. لكن الحيوان المحاصر قد يقطع أحد أطرافه للنجاة. وإذا تعرض وجود الجمهورية الإسلامية للتهديد في الفترة التي تلي وفاة خامنئي، فمن الممكن أن يستبدل الحرس الثوري الإيراني المرشد الأعلى المعين حديثا بشخصية منه.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية