لماذا هاجم الإخوان مسلسل الحشاشين؟

لماذا هاجم الإخوان مسلسل الحشاشين؟

لماذا هاجم الإخوان مسلسل الحشاشين؟


24/04/2024

هاني نسيرة

شاركت مؤخرًا فى حلقة من برنامج «الضفة الأخرى»، المذاع على قناة القاهرة الإخبارية، وتقدمه المذيعة داليا عبدالرحيم، وأعدها الأستاذ حسام الحداد، وقد جاءت تحت عنوان: «لماذا يهاجم الإخوان مسلسل الحشاشين؟!»، وهو سؤال عميق ومثير أعده فريق إعداد متميز فى برنامج جاد.

فالحقيقة أن مسلسل الحشاشين الذى أنتجته الشركة المتحدة، وقام ببطولته النجم كريم عبدالعزيز، وألفه المبدع الجاد عبدالرحيم كمال شغل الناس، نخبتهم وعوامهم، وكان مثيرًا محبوكًا فى أحداثه، رغم ما أثاره من الجدل والنقد حول لغته وبعض أحداثه التاريخية، صحتها وخطئها، ولكن اختلفنا أو اتفقنا معها فلاشك أن هذا دليل نجاحه وتميزه.

كان السؤال مثيرًا لى، وبعيدًا عن التحيز المستمر من جماعة الإخوان وأنصارها ضد كل ما هو مصرى فى هذه المرحلة، وكذلك الخوف من طرح وتجسيد جماعة منعزلة تلتف حول مرشدها أو مؤسسها، وهو فى حالة الحشاشين، ويدين أعضاؤها له بالسمع والطاعة والولاء والبراء من معارضيه والمختلفين معه، وهو شأن كل جماعات الانغلاق والتطرف الدينى قديمًا وحديثًا، وتكرر شبيه به فى كل حقب تاريخنا الإسلامى، شرقًا وغربًا، وظهرت عبرها العديد من حركات الغلاة كالحشاشين والقرامطة وحركة الزنج وصولًا لأشباه بها فى التاريخ الحديث، ونؤكد على ما سبق أن قلناه سابقًا من أن حركات الإسلام السياسى واستعادة الدولة التى تهمل الأمة لصالح تركيزها على السلطة، خروجها ثم هدمها ثم قيام سلطتها، أقرب لنمط الفرق الخارجة منذ القرن الأول الهجرى، وما تناسل عليه طوال أربعة عشر قرنًا، مثل الخوارج والحركات الإمامية والمهدوية والباطنية، وأبعد ما تكون عن منهج السلف الذين رفضوا الخروج وأنكروه بعد مقتل الحسين وثورة ابن الأشعث والقراء فى القرن الأول، وكانوا يرون العالم يدرأ الفتنة وأنه يزل حين ينزلق لفتن السلطة والخروج والرغبة فى التسلط، متفهمين أنه ما شق سيف فى هذا الدين كما شق على الإمامة والخلافة والسلطة استيلاء وتغلبًا وتغالبًا عليها.

إلا أن الحقيقة فى موقف جماعة الإخوان وغيرها من حركات الإسلام السياسى من مسلسل الحشاشين، أو أى كتابات أو أطروحات تتناول هذا الصراع الإسلامى- الإسلامى فى التاريخ، أعمق من ذلك تاريخيًا وفكريًا، وهى ما أود أن أناقشه فى هذا المقال.. وهى جوهر إجابته إذا شئنا الحقيقة، وهى أن جماعة الإخوان وما خرج من عباءتها من جماعات الإسلام السياسى تطرح تصورًا أحاديًا للتاريخ، وكأنه كله صورة بيضاء ناصعة بلا شوائب، وهى صفحة النبى والصحابة والخلافة الراشدة قبل نشوء الفتنة، وأنه تاريخ ذهبى ومثالى كان مليئًا بالغنى والرفاه والسعادة والفتوح والمغانم وسيادة العالم فقط!!

يتجاهل الإسلام السياسى الصفحات الأكثر من تاريخنا العربى والإسلامى، يتجاهلون الفرق الأخرى غير السنية التى ينتمون لها، كما يتجاهلون وينكرون أزمات هذا التاريخ، من القتل والقتال والصراع والتصفية والتكفير والاغتيال والاحتراب والفتن الكثيرة والصغيرة والكبيرة.

ولا أبالغ إذا قلت إن كثيرًا من الأصوليين يعادون التاريخ ويتجاهلونه، وهو أصعب الأبواب فى انتقائيتهم، يتكلمون فى السياسة ويركزون على تاريخ الزهاد ورهبان الليل فقط! ويتكلمون فى الشأن العام وكأنه الشأن الخاص، ويخافون من ذكر المظالم والهزائم الكثيرة التى عرفناها فى هذا التاريخ، مكتفين فقط بالانتصارات، فكل تاريخنا صلاح الدين المنتصر فى حطين، دون أن يذكروا ما حدث مع معاصره ومجايله خوارزم شاه من هزائم وخسائر فادحة أمام جنكيز خان، ويذكرون الانتصار ولا يذكرون الصلح الذى اضطر له فى النهاية ولا يذكرون خلفاء عباسيين، عرفهم عصره لا دور لهم فى نصرته، مثل المسترشد بالله، وخلفه الراشد بالله، والمقتفى بالله، وخلفه المستنجد بالله، قُتل أغلبهم فى مؤامرات رخيصة.

باختصار الإخوان وكل الأنساق المغلقة تعادى التاريخ وتعادى التفاصيل.. وتعادى كل المتون المعارضة وتجعل هامشها القصير متنًا.. لهذا عادى كل هؤلاء أى ذكر للحشاشين أو القرامطة أو حوادث القتل والاغتيال فى عصور الخلافة.. مكتفين بصفحة كتابها الأولى دون غيرها.

عن "المصري اليوم"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية