مآلات الحرب بين إسرائيل و"حماس"

مآلات الحرب بين إسرائيل و"حماس"

مآلات الحرب بين إسرائيل و"حماس"


23/10/2023

علي رضا نوري زاده

لا شك أن علي خامنئي وأتباعه في بيروت وغزة والدوحة كانوا على علم برد فعل إسرائيل على أي نوع هجوم واسع من غزة ولبنان.

بعد أسبوع من الحرب الدامية في جنوب لبنان عام 2006 وبعد الدمار الذي لحق بثلثي المدن والقرى في جنوب ووسط لبنان اعترف حسن نصر الله في وقت سابق، بأنه "لو كنا قد توقعنا رد فعل إسرائيل بشكل صحيح لم نقدم على أسر الجنود الإسرائيليين".

لكن الحرب جلبت البركة للسيد حسن نصر الله. تسلم مئات ملايين الدولارات من أموال الشعب الإيراني وتقبل النظام في طهران كلف إعادة إعمار جنوب لبنان بالأموال الحلال ولم لا وهو الذي قال عنه نصر الله إنه يدفع كل ما يحتاج إليه "حزب الله" من الملابس الداخلية له وعائلته وأفراد حزبه إلى الصواريخ والطائرات المسيرة والمدافع والدبابات حتى تدريب جنوده.

وكانت قيادة العمليات في حرب الـ33 يوماً بيد قاسم سليماني وزميله اللبناني عماد مغنية. لنتمعن في خطاب حسن نصر الله في أغسطس (آب) 2022:

"كان دور الحاج قاسم أولاً، التنظير والاستشارة والتخطيط. وثانياً، وافق على خططنا. وثالثاً، تعهد توفير كل الدعم اللوجيستي، والأهم من ذلك كان التواصل المستمر معه. كان الحاج قاسم مشاركاً في القرارات وتقديم الإمكانات وكان يتابع معنا يومياً ويزور لبنان كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع لمتابعة المستجدات. كان يتابع مع قوات قدس وتزامناً مع (حزب الله) بشكل مستمر حتى إن الإخوة كانوا يشعرون بالتعب ويطلبون منه منحهم فرصة. هذه الصفات تكررت في أحداث سوريا وأحداث العراق". وقال أيضاً، "كان للحاج قاسم دور في تعيين الحاج عماد مغنية. كان لنا ثلاثة مسؤولين قبل عماد مغنية يتولى أحدهم المسؤولية العسكرية، والآخر كان مسؤولاً عن التعبئة، والثالث كان مسؤولاً عن الأمن، في ما بعد خلصنا إلى أن يتولى شخص واحد المسؤولية العسكرية والأمنية فتحدثت إليه عن الحاج عماد. كانت هنالك علاقة عاطفية بين الحاج عماد والحاج قاسم لكن التعصب والصلابة لدى الأول رافقت تأييد الثاني الذي كان مهماً في انتخابه".

وتابع "دخلنا مرحلة جديدة وطرحنا موضوع الحاجة إلى القدرة الصاروخية، لأنه لم يعد مجدياً الاكتفاء بقنابل الكاتيوشا التي يصل مداها 20 كيلومترا. كان من الضروري الحصول على صواريخ بمدى أطول وقدرة أكبر، كان يجب الحصول على هذه الصواريخ والتدريب على استخدامها، لذلك تحولنا لإيجاد القدرة الصاروخية الحقيقية، وكان ذلك يتطلب جهوداً كثيرة. هذه الصواريخ كانت تنقل من بلد إلى آخر بشكل سري، وكان انتقالها إلى لبنان عملاً صعباً جداً، كما كان إخفاؤها وتخزينها للاستفادة منها في الحرب مهماً للغاية. كانت هذه الأمور في حاجة إلى الدقة والصبر والهدوء، وقد أبدع فيها الحاج قاسم والحاج عماد". وأضاف "في المرحلة الأولى كان علينا إخفاء قدراتنا الصاروخية لنفاجئ العدو. لإنجاز ذلك تحتاج إلى قوة سرية. كانت شبكة استخبارات (حزب الله) قد تضررت في حرب الـ33 يوماً، وكانت هذه إحدى المفاجآت".

في ما يتعلق بهذه الشبكة لا أعرف إذا كانت فكرة الحاج قاسم أو الحاج عماد أو أحد آخر. كان جميع الأصدقاء يعملون بشكل جماعي وفي النهاية يقدمون اقتراحاتهم. أهمية الحاج قاسم كانت في أنه يحث الإخوة على طرح أفكار جديدة ثم كان يقبلها. كان اهتمامه بأن تصبح المقاومة قوية. تواضع الحاج قاسم أدى إلى قبول غالبية الأفكار، منها إيجاد شبكة استخبارات سلكية. وقدم الحاج قاسم الإمكانات ونفذها الحاج عماد".

أوجه الشبه والاختلاف بين حروب "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد" مع إسرائيل

من خلال متابعة تفاصيل حرب الـ33 يوماً بين "حزب الله" وإسرائيل عام 2006 وحرب "حماس" و"الجهاد" وإسرائيل عام 2023 نجد أن هنالك أوجه شبه، لكن هنالك اختلافات في الحربين أشير إليها أدناه:

قرار الحربين لم يتخذ لا في بيروت ولا في غزة، بل في طهران.

الخطة الحربية في الحربين أقرها قسم العمليات للحرس الثوري والقيادة الخارجية لـ"قوات قدس".

بعد التدريبات الأولية في طهران وبعلبك جرت التدريبات العملية في سوريا ولبنان. وفيما يتعلق بـ"حماس" جرت التدريبات في لبنان وقطاع غزة وفي بعض الأحيان أجرت "حماس" و"الجهاد" التدريبات في الأنفاق المغلقة.

في لبنان كانت قيادة القوات موحدة بيد علي خامنئي ونائبه حسن نصر الله، وتولى قاسم سليماني القيادة العسكرية بمساعدة مجيد علوي ونبيل قاووق وعماد مغنية، لكن في ما يتعلق بـ"حماس" التي تصل قواتها إلى نحو 15 ألف منهم مقاتلون وفنيون وقوات لوجيستية، وكذلك "الجهاد الإسلامي" التي لها ثلاثة آلاف مقاتل، و"الصابرين الشيعية"، وتصل قواتها إلى 800 شخص... لم يكن الأمر شبيهاً بما كان عليه الوضع لدى "حزب الله".

هذه الجهات الثلاث تتشارك في الأيديولوجية والصلاة على قبلة طهران، لكنها في بعض الأحيان تصلي ركعتين لإرضاء قطر ودمشق و"الإخوان المسلمين". وكلما تدفقت إليهم دولارات الدم من طهران تقربوا أكثر إليها.

في ما يتعلق بحرب جنوب لبنان كان قاسم سليماني مقيماً في أركان عامة بنفق في بعلبك، وقد زار طهران مرات عدة عبر دمشق للاستشارة مع المسؤولين في طهران، لكن فيما يتعلق بحرب غزة فإن الأركان العامة تقع في ثلاث قواعد في الشمال والجنوب والوسط.

أسلحة "حزب الله" من صنع إيران وروسيا والصين وبعضها صناعة غربية وصلته عبر إيران، كما أن الأسلحة التي يصنعها الحزب نسخة إيرانية ينتجها تحت إشراف خبراء الصناعات العسكرية الإيرانية، فيما إن أسلحة "حماس" نسخة مقلدة من الأسلحة الإسرائيلية، وكذلك أسلحة مهربة من مصر وإسرائيل وأسلحة قديمة من الجيش المصري تعود لحرب 1967 تمت إعادة تشغيلها بواسطة متخصصين من الحرس الثوري.

أعضاء "حزب الله" جميعهم من الشيعة وخضعوا لتدريبات متقدمة، وعدد منهم تخرج في كلية العلوم البحرية والصاروخية العائدة للحرس الثوري، لكن أعضاء "حماس" و"الجهاد" من السنة و"الصابرين" من الشيعة وعددهم 800 شخص لا توجد بينهم أوجه شبه و"حزب الله"، لكن لدى كثير منهم رغبة شديدة في القتال أكثر من "حزب الله"، بسبب أنهم محرومون من الرفاه والأمن ويحملون مصائب ثلاثة أجيال من الاحتلال.

"حزب الله" ينتظر المهدي، لكن "حماس" ترى أن النصر يتحقق بقوة السلاح.

لـ"حزب الله" مئات القواعد والملاجئ وطرق التواصل الاستراتيجية مع سوريا وإمكانات عسكرية وثقافية وأمنية ومالية أكثر ولديه إمكانات خوض حروب عصابات ولديه قدرات أكبر من "حماس" بكثير في حين أن الأخيرة قوة تعتمد على حرب العصابات التقليدية والحديثة.

بطبيعة الحال، ونظراً إلى هذه المعطيات فإن القدرة اللوجيستية لـ"حماس" لم تصل إلى 10 في المئة لما يملكه "حزب الله". كان "حزب الله" يقاتل من أجل الهيمنة على لبنان لإقامة ثاني نظام ولاية فقيه، بينما تقاتل "حماس" من أجل تقليل مكانة السلطة الفلسطينية وإرغام إسرائيل على إعادة الأراضي المحتلة.

من خلال تقييم الخسائر خلال أسبوعين نجد أن خسائر "حماس" تشمل 10 في المئة من الخسائر التي لحقت في القطاع بالأرواح منهم ضحايا القصف والمدنيون، وتتعادل "حماس" مع الجنود الإسرائيليين في الخسائر، لكن "حزب الله" قدم خسائر قليلة بسبب لجوء قواته إلى المساجد والكنائس والمستشفيات والأماكن المدنية. وفي الوقت نفسه لم تكن يد إسرائيل مفتوحة في لبنان، لكن فيما يتعلق بغزة فإن ضغوط الحلفاء المستمرة تمنع إسرائيل من دخول غزة حتى الآن.

نتيجة الحرب

ردت إسرائيل على أسر اثنين من جنودها بتدمير جنوب ووسط وشرق لبنان وقتل المئات من الأفراد. أما في غزة بعد مقتل المئات وأسر 150 شخصاً وفشل أسطورة الجيش الذي لا يهزم، فهل تكتفي إسرائيل بتدمير غزة وقتل خمسة آلاف شخصاً وأسر عدد من أعضاء "حماس" و"الجهاد"؟

نظراً إلى موقف إسرائيل من "طوفان الأقصى" وميزان قدراتها العسكرية والدعم الأميركي وحلفاء إسرائيل فإن نتنياهو المتضرر والمغضوب عليه لا يمكنه إلحاق ضربات كبيرة، وسيستمر المسلسل ومع ظهور باراك أوباما أو جو بايدن، فإننا سنشهد زراعة أتباع ولاية الفقيه في أنحاء المنطقة.

لإسرائيل هدف آني، وهدفان بعيدا المدى، الأول التخلص من كابوس غزة، وإلقاء الشر الذي يصل إليها منها على عاتق السلطة أو مصر أو المجتمع الدولي، ثم تتفرغ للكابوس الثاني، أي "حزب الله" واقتلاع جذوره، وبذلك تحقق هدفها الثالث، وهو هزيمة طهران، لأن إسرائيل قد أكدت أن لديها آلاف الوثائق التي تثبت أن طهران هي رأس الأفعى، فهل تترك رأس الأفعى يتحرك ويلدغ؟

لقد أدرك خامنئي هذا الأمر، لذلك أوفد أمير عبداللهيان إلى العراق وسوريا ولبنان والدوحة ليقنع دعاة الحرب بالمكوث وعدم التدخل لتقتصر الحرب على غزة، فوصيته كانت لا تدخلوا الحرب لا في لبنان ولا في سوريا. واكتفى خامنئي بتقبيل أيدي وأذرع "حماس" من بعد من مكان إقامته في طهران، لأنه يخاف من أن تطاوله شرارة الحرب. إنه يسعى لغسل يديه بسرعة لكي لا ينتبه بايدن، لكنه لا يعرف أن غسل آثار قتل وجرح الآلاف لا يمكن إزالتها.

ليس واضحاً متى تتوجه إسرائيل إلى الهدفين بعيدي الأمد، لكنها ستتخذ خطوات عملية حتماً، إلا إذا سبقها الشعب الإيراني واستطاع قطع رأس العقرب قبل التدخل الأجنبي. وإذا ما حدث ذلك، فإن الحياة تعود ليس لشعبنا فحسب، بل إلى الشعب الإسرائيلي وفلسطين ولبنان والعراق واليمن. حتى الثقافة الإنسانية ستتنفس الصعداء.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية