محمد فوزي: الحرب في غزة صرفت الانتباه عن مكافحة الإرهاب في المنطقة

محمد فوزي: الحرب في غزة صرفت الانتباه عن مكافحة الإرهاب في المنطقة

محمد فوزي: الحرب في غزة صرفت الانتباه عن مكافحة الإرهاب في المنطقة


05/05/2024

أجرى الحوار: رشا عمار

أكد الباحث المختص بقضايا الأمن الإقليمي والإرهاب بـ (المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية) محمد فوزي، في حوار لـ (حفريات)، أنّ تنظيمات الإسلام السياسي تعيش مرحلة من الأفول داخل الدول العربية، والانهيار البنيوي والتنظيمي والتشتت في الخارج، وأوضح أنّ تنظيم الإخوان ينظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها أداة وظيفية تخدم أهداف التنظيم وتحركاته وأجندته، مشيراً إلى حراك إخوان الأردن باعتباره أحد أوجه استغلال الجماعة للتظاهرات المناصرة لغزة لإثارة الفوضى وتنفيذ أجندة التنظيم داخل البلاد. 

وأشار فوزي أيضاً إلى أنّ تنظيمات الإخوان حاولت توظيف الحرب في غزة من أجل إمّا رأب الصدع الداخلي، وإمّا تعزيز شرعية إحدى الجبهات على حساب جبهة أخرى.

نص الحوار:

  • بداية نتحدث عن واقع تنظيمات الإسلام السياسي، وفي القلب منها تنظيم الإخوان، في ضوء التحولات الإقليمية الراهنة في الشرق الأوسط.

ـ إذا أردنا التعبير عن حالة الإسلام السياسي في المنطقة، في الأعوام الـ (10) الأخيرة، وصولاً إلى اللحظة الراهنة، فإنّ التعبير الأدق هو أنّ هذه الأعوام كانت بداية "الأفول" لتيارات الإسلام السياسي، وهو أمر يمكن الوقوف عليه من خلال بعض المؤشرات الرئيسية.

 أوّلها غياب هذه التيارات عن المشهد السياسي في غالبية البلدان العربية أو تراجع حضورها بشكل كبير، وثانيها هو التغيرات التي طرأت على جلّ المزاج الشعبي تجاه هذه التنظيمات، وثالثها هو حالة التفكك والتشرذم الكبيرة التي طغت على بنية العديد من هذه التنظيمات،  والمثال الأبرز هنا هو إخوان مصر وتحولهم إلى أكثر من جبهة، أمّا رابع هذه المؤشرات، فيرتبط ببعض المتغيرات الإقليمية التي شهدتها المنطقة في الأعوام الأخيرة، وخصوصاً ما يتعلق بالمصالحة العربية العربية، والتقارب التركي مع العديد من الأقطار العربية؛ الأمر الذي زاد من حالة العزلة الإقليمية لتنظيمات الإسلام السياسي، وأغلق الأبواب أمامها فيما يتعلق بإيجاد ملاذات للحركة وممارسة النشاط.

 

  • المتابع لتحركات الإخوان خلال الأشهر الماضية يرصد محاولة من جانب التنظيم لتوظيف أحداث غزة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) لصالح عودة التنظيم إلى المشهد السياسي العربي، كيف ترصد تلك التحركات؟ 

ـ يمكن وصف تعامل تيارات الإسلام السياسي، وفي القلب منها الإخوان، مع الحرب الجارية في قطاع غزة ومن القضية الفلسطينية بشكل عام بأنّه يقوم على "البراغماتية"، بمعنى أنّ التنظيم ينظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها أداة وظيفية تخدم أهداف التنظيم وتحركاته وأجندته، ويمكن رصد مظاهر هذا النهج من خلال عدد من المؤشرات الرئيسية؛ أوّلها محاولة توظيف الحرب في غزة من أجل المزايدة على مواقف الأنظمة السياسية في العالم العربي، واتهامها من جانب في التقصير في دعم الأشقاء في فلسطين، ومن جانب آخر اتهامها بشكل مباشر وضمني بالتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي.

وثانيها أنّ بعض تنظيمات الإخوان في المنطقة حاولت توظيف الحرب من أجل إحداث حالة من البلبلة والفوضى في عدد من البلدان العربية، ويتجسد ذلك بشكل واضح في حالة إخوان الأردن، وسعيهم لتحويل المظاهرات الداعمة لفلسطين إلى أداة للفوضى والعنف، وكذا حالة إخوان مصر الذين سعوا في بيانات متكررة إلى حشد الشارع المصري من أجل التظاهر ضد السلطات، وأحيلك هنا إلى تقرير الـ (واشنطن بوست) في 27 آذار (مارس) الماضي، الذي ذكر أنّ تنظيم الإخوان في الأردن ساهم في تأجيج الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أشهر، ‏وأشار التقرير إلى دور جماعة الإخوان المسلمين في تأجيج الاحتجاجات، بغية جمع دعم واسع النطاق قبيل الانتخابات العامة المقررة في آب (أغسطس).

وثالث هذه المؤشرات يتمثل في السعي لإعادة بناء القدرات المالية لبعض هذه التنظيمات من خلال تبرعات غزة، فعلى سبيل المثال منذ بدء الحرب على قطاع غزة نفذ حزب جبهة العمل الإسلامي بالأردن حملات تبرع مكثفة "لدعم الشعب الفلسطيني"، وهي الحملات التي روج التنظيم إلى أنّها ستذهب إلى أهالي غزة، لكن في 25 كانون الثاني (يناير) 2024 أعلن أمين عام الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية حسين الشبلي خلوّ كشوفات الهيئة من أيّ تبرعات مقدمة باسم حزب جبهة العمل الإسلامي لإغاثة غزة، ولم يعلن الحزب حتى اللحظة عن مصير هذه الأموال وإلى أين ذهبت، وفي المقابل أكدت تقارير أردنية ودولية أنّ هذه الأموال ذهبت إلى جهود التنظيم للتحضير للانتخابات المقبلة، الأمر الذي يعبّر عن انتهازية فجة ومتاجرة بأزمات الشعب الفلسطيني، من أجل دعم الأهداف الداخلية لإخوان الأردن.  

ومن المضحكات المبكيات أنّ تنظيم الإخوان يزايد على مواقف الدول العربية فيما يتعلق بالحرب في غزة، وذلك في الوقت الذي تكشف فيه بعض الوقائع عن عدم اتخاذ التنظيم في ذروة "تمكينه" أيّ إجراءات مناهضة لإسرائيل، فعلى سبيل المثال ظل إخوان تونس في الحكم قرابة (10) أعوام، ولكن لم يمرروا خلالها قانون مناهضة التطبيع، رغم تملكهم للأغلبية البرلمانية عبر حركة النهضة، كذلك فإنّ من وقع اتفاقية التطبيع المغربي الإسرائيلي هي حكومة الإخوان التي كان يقودها سعد الدين العثماني.

  • كيف تستفيد جماعة الإخوان من "طوفان الأقصى" لمعالجة أزمة الصراع الداخلي المستمرة منذ أعوام؟

ـ سعت بعض تنظيمات الإخوان إلى توظيف الحرب في غزة من أجل إمّا رأب الصدع الداخلي، وإمّا تعزيز شرعية إحدى الجبهات على حساب جبهة أخرى، ويتكشف ذلك في حالتين؛ الأولى هي حالة إخوان الأردن الذين سعوا إلى الاحتشاد خلف الحرب في غزة، لمواربة الصراع على منصب المراقب العام للجماعة، وهو الصراع الذي فشلت جولة الانتخابات الداخلية الأخيرة التي عُقدت منذ أيام في حسمه، بين القيادي التاريخي بالجماعة همام سعيد، وبين محمد القضاة.

  • تنشط الجماعة إعلامياً بشكل مكثف خلال الأشهر الماضية، ما الدوافع والأهداف؟ 

في حالة إخوان مصر سعت جبهتا لندن وإسطنبول إلى توظيف الحرب في غزة من أجل تكثيف حملاتهما الإعلامية والسياسية من أجل تعزيز شرعيتهما، في إطار الصراع الدائر بينهما منذ أعوام، ويبدو أنّ كثافة البيانات الإعلامية والتضامنية في هذا الصدد تعكس سعي كل جبهة لترسيخ صورة عن احتكارها للشرعية داخل الجماعة، وكونها المعبرة عن موقف الإخوان.

  • هناك حالة نشاط ملحوظ للجماعة بدول المشرق العربي خلال الأشهر الأخيرة، ما أهدافها ودلالتها؟ 

ـ ترتبط حالة النشاط التي يشهدها نشاط الإخوان في دول المشرق العربي بمجموعة من الأسباب؛ أوّلها أنّ معظم هذه الدول باستثناء الأردن تتسم ببيئة أمنية شديدة الهشاشة، الأمر الذي يوفر فرصة لحضور التنظيم وتموضعه، والثاني يتمثل في وجود جذور تاريخية لتنظيمات الإسلام السياسي في هذه البلدان، بما يمكن البناء عليه لتعزيز الحضور، والثالث يرتبط بتوفر بعض البنى التشريعية والسياقات القانونية التي تمهد لتحايل التنظيم والحضور عبر بعض الواجهات كالمؤسسات الدعوية، وذلك على عكس دول أخرى تشهد تشديداً كبيراً على أيّ مظاهر لحضور هذه التنظيمات.

  • هل تتوقع توترات بالعلاقات بين مصر وتركيا نتيجة عودة بعض النشاط الإعلامي التحريضي من جانب بعض القيادات والمنصات التابعة للتنظيم، ومنها على سبيل المثال برنامج محمد منتصر؟

ـ في تقديري أنّ العلاقات بين مصر وتركيا وصلت إلى مستوى مهم على مستوى إجراءات إعادة بناء الثقة، ومن ثم بناء تنسيق وتفاهم تجاه العديد من الملفات الاستراتيجية المهمة في المنطقة بالنسبة لكلا البلدين، أيضاً يمكننا القول إنّ تركيا باتت لا تراهن كثيراً على تيارات الإسلام السياسي كأداة للتحرك في المنطقة وتعزيز النفوذ، ويُنظر في ذلك إلى الإجراءات التي تم اتخاذها في الأشهر الأخيرة تجاه العديد من قادة الإخوان، جنباً إلى جنب مع الانفتاح على معسكر الشرق الليبي.

 وبالتالي أعتقد أنّ أثر استمرار بعض المنابر الإعلامية الإخوانية من تركيا يظل محدوداً على العلاقات المصرية التركية، خصوصاً مع الوضع في الاعتبار أنّ استمرار هذه المنصات لا يرتبط بتوجه الدولة التركية الحالي خارجياً أو تجاه مصر، بقدر ما يعبر عن توازنات داخلية يسعى النظام التركي إلى الحفاظ عليها.

  • كيف ستؤثر أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) على حالة الإرهاب العالمي؟

ـ في تقديري أنّ خطورة الحرب الجارية في قطاع غزة، فيما يتعلق بمسألة الإرهاب، تتجاوز مسألة "براغماتية" بعض تنظيمات الإسلام السياسي في التعامل معها، على اعتبار أنّ فرضية عودة هذه التنظيمات إلى الواجهة بات طرحاً غير واقعي، وإنّما ترتبط خطورة هذه الحرب بجملة من التخوفات؛ أوّلها نشوء أجيال فلسطينية جديدة تغذت على مشاعر الكراهية بفعل الجرائم الإسرائيلية، ممّا يجعل هذه الأجيال قنبلة موقوتة، سوف تتحول معها هذه المشاعر إلى أنماط ودورات جديدة من العنف مستقبلاً، بما يتجاوز حتى الحسابات السياسية لبعض الفصائل الموجودة حالياً.

أيضاً دفعت الحرب الجارية إلى زيادة مساحة الكراهية لدى العديد من الجاليات المسلمة تجاه بعض النظم الغربية، بفعل سياسات الدعم المطلق والمفتوح لإسرائيل، الأمر الذي يمثل عاملاً محفزاً لظاهرة "الذئاب المنفردة".

كذلك ساهمت الحرب الجارية في قطاع غزة في صرف الانتباه عن جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، خصوصاً من قبل القوى الدولية، وتوجيه الاهتمام نحو مواجهة إيران وأذرعها في المنطقة، الأمر الذي يمثل فرصة كبيرة لإعادة التموضع بالنسبة إلى تنظيمات العنف والإرهاب، ويبدو أنّ مؤشرات ذلك بدأت في الظهور بالفعل، فقد شهدت الفترة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) حتى اليوم تنامياً ملحوظاً في النشاط العملياتي لتنظيم (داعش)، في سوريا خصوصاً، وفي عدد من البلدان الأخرى.

  • للمرة الأولى وضعت بريطانيا خلال الشهر الماضي جماعة الإخوان على قائمة التطرف، كيف تقرأ القرار؟ 

ـ في 8 آذار (مارس) الماضي وضعت بريطانيا جماعة الإخوان على رأس قائمة التطرف وفق مقاييس التعريف الحكومي الجديد للتطرف، وكان اللافت هو تمرير هذا القرار دون معارضة واضحة، سواء من البرلمان أو الأحزاب البريطانية، بما يعكس تنامي القلق لدى العديد من القطاعات البريطانية تجاه أنشطة الإخوان، جنباً إلى جنب مع انعكاسات هذا القرار على أنشطة التنظيم، بما يعني أنّ هناك المزيد من القرارات والسياسات التي ستضيق على أنشطة التنظيم في الفترات المقبلة، وهو الأمر الذي قد يتبعه بحث جبهة لندن عن ملاذ بديل عن بريطانيا، كما أنّ هذا القرار قد يدفع العديد من الدول الأوروبية إلى تبنّي قرارات مشابهة، على غرار فرنسا، خصوصاً أنّ هناك حالة مزاجية عامة لدى دوائر صنع القرار في أوروبا حالياً مفادها أنّ تنظيم الإخوان يمثل تهديداً للأمن والسلم المجتمعي، خصوصاً مع مساعي التنظيم لتوظيف الحرب في غزة.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية