أبرز 4 أبعاد لتنامي العلاقات بين تركيا وباكستان... تعرّف إليها

أبرز 4 أبعاد لتنامي العلاقات بين تركيا وباكستان... تعرّف إليها


16/09/2020

بالرغم من عدم التجاور الجغرافي والمسافة بين تركيا وباكستان، إلّا أنّ العلاقات بين البلدين شهدت تصاعداً ملفتاً ومتسارعاً خلال العقدين الأخيرين، وعلى مستويات وصُعُد متعددة، حتى أنّ رجب طيب أردوغان زار باكستان 9 مرات خلال تولّيه منصب رئيس الوزراء ورئيس البلاد، وألقى كلمة في البرلمان الباكستاني 3 مرات، في الأعوام 2009، و2012، و2016، وهو ما لم يتحقق لأيّ رئيس دولة سواه.

يأتي التوجه التركي نحو باكستان ضمن الاتجاه لتعزيز النفوذ والدور التركي على مستوى العالم الإسلامي

وفي الأثناء، تتواصل أعمال تشييد القنصلية التركية في مدينة كراتشي، جنوب باكستان، والتي ستكون أكبر قنصلية تركية في العالم، لتعطي بذلك فكرة ورمزية عن الأهمية والمستوى الذي وصلت إليه العلاقات الثنائية بين البلدين. فكيف كان ذلك؟ وما أبرز أبعاد تنامي هذه العلاقات؟

البعد السياسي... دبلوماسية الدعم المتبادل

باعتبارها جزءاً مهماً من العالم الإسلامي، وبموقعها في قارة آسيا، تقع باكستان في نقطة تقاطع المجالات الحيوية المشمولة ضمن استراتيجية أحمد داود أوغلو، المعروفة بـ "العمق الاستراتيجي"، والتي صارت أحد المرتكزات والمحركات الموجهة لسياسة تركيا الخارجية خلال العقدين الأخيرين. وبالنسبة إلى تركيا فإنّ التوسع والتمدد بالنفوذ باتجاه باكستان هو توسع في العمق الآسيوي، وهو أيضاً تمدد مهم على مستوى العالم الإسلامي. خاصّة مع التحرك والتوجه التركي المتزايد لتعزيز الحضور والنفوذ والدور التركي على مستوى العالم الإسلامي، وعلى مستوى منظمة مؤتمر التعاون الإسلامي، وفي دول المنظمة.

أردوغان وعمران خان

ويسهم تعزيز العلاقات التركية مع باكستان في توفير دعم وإسناد ذي وزن واعتبار لسياسة تركيا في ملفات متعددة وعلى صُعُد مختلفة، وذلك مع اشتمال هذه العلاقة على الدعم السياسي المتبادل بين طرفيها، وهو ما تجسّد عبر دعم تركيا لباكستان في قضية النزاع حول إقليم كشمير مع الهند، وذلك مقابل دعم باكستان لتركيا  في ملفات مثل: تدخلاتها العسكرية في سوريا، ومواجهة حزب العدالة والتنمية مع حركة غولن.

اقرأ أيضاً: غزو تركي ناعم لباكستان

لقد حرص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الدعم المتكرر لباكستان في قضية كشمير، كما كان مؤخراً في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2019. وكذلك في زيارته الأخيرة لإسلام آباد في شباط (فبراير) 2020، حين سجل اعتراضاً على التصعيد الهندي في عام 2019 بخصوص إقليم كشمير المتنازع عليه، مع إعلان الهند إلغاء صفة الحكم الذاتي في الإقليم. في المقابل، دانت باكستان محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في تموز (يوليو) 2016. وفي أيار (مايو) 2019، أعلنت الحكومة الباكستانية إدراج جماعة فتح الله غولن على لائحة الإرهاب. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2019 أعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان دعم بلاده لعملية "نبع السلام" العسكرية، التي شنتها تركيا ضد الأكراد في شمال سوريا.

البعد الاقتصادي... سوق كبرى وجاذبية للاستثمار

من أجل ضمان استمرار نمو القطاعات الصناعية التركية، فإنّ تركيا بحاجة دائماً إلى خطوات تتمثل في فتح أسواق جديدة أمام منتجاتها، وهو ما يأتي عبر علاقات تقارب سياسي يرافقها اتفاقات على رفع مستويات التبادل التجاري وعقد اتفاقيات التجارة. وبالنسبة إلى تركيا فإنّ دولة مثل باكستان بكتلة سكانية كبيرة مع عدد سكان يقدر بنحو (212) مليون نسمة، تمثل سوقاً كبيرة ومهمة، وهي كذلك جاذبة لاستثمارات الشركات التركية في مختلف القطاعات.

أردوغان يلقي كلمة أمام منتدى الأعمال الباكستاني التركيّ في شباط 2020

وبالفعل، فقد انعكس التقارب التركي الباكستاني على أرقام الاقتصاد والتجارة سريعاً؛ إذ ارتفعت قيمة الصادرات التركية إلى باكستان من (155) مليون دولار عام 2008، إلى (352) مليون دولار في العام 2017، ووصلت إلى (600) مليون في العام 2019. ووصل حجم إجمالي التبادل التجاري بين البلدين في العام 2019 إلى أكثر من (800) مليون دولار. أمّا الاستثمارات التركية في باكستان، فقد تخطت حاجز المليار دولار عام 2017، منها قرابة النصف في مجالات الطاقة والمقاولات. وفي آب (أغسطس) 2019، تمّ الإعلان عن تشكيل لجنة مشتركة رفيعة المستوى لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.

البعد الاستراتيجي... ما علاقة طريق الحرير الجديد؟

تعزيز العلاقات مع باكستان يحقق لتركيا غاية أساسية متمثلة بزيادة نفوذ تركيا في آسيا، وتحديداً في الجزء الجنوبي منها، وهو امتداد للنفوذ الذي تبنيه في وسط آسيا، حيث مناطق انتشار العرق التركي، وهي مدخل لشبكة أوسع من العلاقات تمتد حتى تصل شرقاً إلى الصين، وجنوباً باتجاه ماليزيا وأندونيسيا، وذلك امتداداً للتوجه الاستراتيجي التركي الحريص على تنويع المجالات الحيوية التي تتحقق فيها المصالح التركية، بعدما   كان التخطيط التركي منحصراً في العقود السابقة باتجاه التفكير في تعزيز العلاقات مع أوروبا والغرب دوناً عن أيّ امتدادات ومجالات أخرى، وهو ما ترسخت القناعة لدى الأتراك بقصوره وعجزه عن تلبية المصالح التركية العليا.

يتجه التخطيط الصيني والباكستاني إلى مد الممر الصيني- الباكستاني غرباً باتجاه إيران ومن ثمّ إلى تركيا

وبتعزيز العلاقات التجارية مع باكستان، تكون قد تعززت الحركة عبر الممر التجاري المباشر الممتد والواصل بين تركيا وإيران وباكستان، وشمالاً وشرقاً باتجاه تركمانستان، ودول آسيا الوسطى. وتكمن القيمة الاستراتيجية لهذا الممر في اتصاله بما يطلق عليه "الممر الباكستاني"، وهو الممر الاقتصادي الاستراتيجي الذي يشتمل على تدشين استثمارات صينية تتضمن إنشاء مدن صناعية وطرق سكك حديد لنقل البضائع من الصين باتجاه المحيط الهندي، والذي يأتي ضمن المشروع الصيني الاستراتيجي الطموح المعروف بـ "مبادرة الحزام والطريق"، أو ما يعرف بـ "طريق الحرير الجديد".

خريطة الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني

ويتجه التخطيط الصيني والباكستاني إلى مدّ الممر غرباً باتجاه إيران ومن ثمّ إلى تركيا ومنها باتجاه أوروبا، ما يعني إشراك تركيا في المشروعات المتعلقة بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهو ما أكدّ عليه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في مقابلة مع وكالة الأناضول في شباط (فبراير) 2020.

البعد العسكريّ... القفز إلى المرتبة الثانية

تُعتبر الصناعات العسكرية التركية من أهم المحرّكات التي تدفع باتجاه تعزيز مستويات العلاقات التركية الباكستانية؛ لأنّ هذا القطاع الناشئ من الصناعات في تركيا ما زال في طور النمو، وهو بحاجة لفتح مزيد من الأسواق أمامه، وتحقيق هذا الأمر ليس سهلاً؛ نظراً لحجم المنافسة مع الدول الأخرى ذات الباع في تصنيع وتصدير السلاح. ومن غير الممكن تحقيق فتح الأسواق أمام السلاح دون تقاربات وتفاهمات واتفاقات ذات طابع سياسي بالدرجة الأولى.

اقرأ أيضاً: "الشهيد بن لادن" لم تكن زلّة لسان من رئيس الوزراء الباكستاني

وفي عام 2018 شهدت العلاقات بين البلدين في مجال الصناعات العسكرية القفزة الأكبر، وذلك مع توقيع اتفاقية في تموز (يوليو) 2018 لبيع السلاح التركي لباكستان، وصلت قيمتها إلى مليار دولار أمريكي. الصفقة التي اعتُبرت أكبر تصدير للصناعة العسكرية التركية في التاريخ، شملت بيع 30 مروحية من طراز "أتاك"، و4 سفن حربية من سفن مشروع "ميلغم" التركي. وبذلك أصبحت تركيا ثاني أكبر مورّد أسلحة لباكستان بعد الصين.

مروحيات "أتاك" التركية تضمنت الصفقة الموقعة عام 2018 بيع 30 منها لباكستان

وعلى مستوى آخر، وربما كان آخر المؤشرات على تصاعد العلاقات بين البلدين، بدء القنوات الباكستانية مؤخراً ببث سلسلة "الغازي أرطغرل" الدرامية التاريخية، مدبلجةً إلى اللغة الأردية، في دلالة على تمدد الخطاب التركي الناعم، المصاحب دائماً لزيادة الحضور والنفوذ التركي، كما حصل من قبل في العالم العربي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية