أحد رموز بن علي في حضن الغنوشي.. هل تنتفض "النهضة"؟

أحد رموز بن علي في حضن الغنوشي.. هل تنتفض "النهضة"؟


24/12/2020

جدل كبير أثاره تعيين محمد الغرياني ،آخر أمين عام لحزب التجمّع الدستوريّ الديمقراطيّ، المنحلّ عام 2011، والذي يُعرف بـ "عرّاب" العائلة الدستوريّة، مستشاراً خاصاً لرئيس البرلمان، راشد الغنوشي، في رتبة مكلّف بمأمورية  في ديوان رئيس المجلس وزعيم حركة النهضة الإسلامية، وهو ما تسبّب بردود فعل قويّة داخل الأوساط السياسيّة في تونس، ورفضه الأصدقاء والإخوة، قبل الأعداء والخصوم.

اقرأ أيضاً: الغنوشي وأيام السودان... قصة يكلّلها الكثير من الغَبَش

قرار يبدو أنّه ضغط على الجرح الغائر لدى بعض الأحزاب المحسوبة على التيار الثوريّ، على غرار حركة الشعب والتيار الدّيمقراطي والجبهة الشعبيّة، التي عانت طويلاً خلال فترة تولّي الغرياني أمانة حزب بن علي المنحل، واعتبرته، تنكّراً لأهداف الثورة ومحاولة للتطبيع مع التجمعيين.

اقرأ أيضاً: لماذا استدعى الغنوشي إلى البرلمان رمزاً لنظام بن علي؟

واختلفت المواقف في تقييم خُطوة الغنوشي بتعيينه أحد رموز النظام السابق في ديوانه؛ حيث قوبلت بالرفض من طرف قواعد حركة النهضة، التي عدّوها ضرباً لهوية الحزب ولخطّه السياسيّ المبنيّ على الثورة، وخطابه الانتخابي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية لعام 2019، فضلاً عن أنّه لا يتماشى وروح الثورة التونسية، ويستفزّ مشاعر أبناء الحركة الإسلامية بعد سنوات من السجن والمنفى.

راشد الغنوشي يعين محمد الغرياني مستشاراً له

وكان الغرياني آخر أمين عام لحزب التجمّع الدستوري المنحل، وشغل مناصب سياسية عدة خلال حكم الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، وبعد الثورة، ورغم تعرّضه للسجن كغيره من قيادات المنظومة السابقة، عاد الغرياني إلى نشاطه السياسيّ، بعد أن تلقى الضوء الأخضر من حركة النهضة.

الغنوشي يستفزّ "النهضة"

ظلّت الأسئلة التي يطرحها الرأي العام غامضة حول الأسباب التي جعلت الغنوشي يمتلك كلّ تلك الجرأة ليتحوّل فجأةً من الإلحاح في الدعوة إلى محاسبة من كان يسميهم "أزلام النظام السابق"، وعدم التحالف معهم، إلى تكليف قياديّ كان بالصفّ الأوّل للتجمّع المنحلّ، محمّلاً بإرث دولة الاستبداد لمعالجة ملفّ العدالة الانتقالية، بعد كلّ الجرائم التي ارتكبها ضدّ المعارضين، والإسلاميين بشكلٍ خاص، لكنّ الغنوشي أصرّ على أنّ هذا التعيين جاء من باب المصالحة في حركة وصفها مراقبون بالخطوة "الذكية".

رئيسة كتلة الحزب الدستوريّ الحرّ، عبير موسي، استنكرت صمت من وصفتهم بـ "ثوّار المجلس" أمام تعيين راشد الغنوشي محمد الغرياني مستشاراً له

وأكّد النائب ووزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية السابق (2011-2014)، سمير ديلو، وأحد عناصر مجموعة المئة المعارضين لتمديد الغنوشي لترشحه على رأس الحركة؛ أنّه لم "تتمّ استشارتهم بخصوص قرار التعيين"، موضحاً أنّ "الجسم الداخلي لحركة النهضة لم يبارك هذا القرار"، وأنّه "ليس ضدّ أن يكون لمحمد الغرياني دور في تونس ما بعد الثورة بعد تسوية وضعيته تجاه الدولة، لكنّ ذلك لا يعني تعيينه مستشاراً مكلّفاً بملفّ هو معنيّ به مباشرة".

اقرأ أيضاً: الغنوشي يحتمي بمبادرات الحوار لتلافي العزلة

ورأى المحلّل السياسيّ، رافع الطبيب؛ أنّ الغنّوشي له تمشٍّ واضحٍ لتفجير حركة النهضة، والانتهاء من هذه التجربة والمرور إلى ما يسمى بالحزب المحافظ الكبير الذي قد يضمّ بقايا حركة النهضة وبقايا التجمّع، لقطع الطريق أمام المتجذّرين داخل النهضة من الذين يعادون خطّه، ولمحاولة استهداف بعض طاقات الحزب الدستوريّ الحرّ الذي تقوده عبير موسي.

 المحلّل السياسيّ، رافع الطبيب

وأضاف الطبيب، في تصريح لـ "حفريات": "الغنوشي يحاول التقدّم نحو الشعب التونسيّ على أنّ تجربة الإسلام السياسيّ انتهت بشكلها القديم، وأنّه يحاول تأسيس حزب محافظ ككل الأحزاب المحافظة التي تنشط في باقي دول العالم، من أجل الحفاظ على مكاسبه المالية والسلطة التي وصل إليها في البلاد".

رسائل مشفّرة لعبير موسي والتجمعيين

ويرى شقّ واسعٌ أنّ الغنوشي يحاول إذلال التجمعيين، وتوجيه رسائل مشفرة لحزب عبير موسي، زعيمة الحزب الدستوري والمحسوبة على النظام القديم، التي ضيّقت عليه البرلمان، واعتصمت مراراً ضدّه، وطالبت تكراراً بإقالته وصارت مصدر قلقٍ بالنسبة له، مفادها امتلاكه أسرار القيادات التجمعية بعد استقطابه رجلاً يُعرف بأنّه الصندوق الأسود لحزب التجمّع الذي انهار مع ثورة يناير 2011.

اقرأ أيضاً: اتحاد القرضاوي.. سرطان التطرف ينهش تونس برعاية الغنوشي

ويرون مراقبون أنّ تعيين الغرياني مستشاراً خاصاً له بمثابة المناورة السياسية، التي يبحث من خلالها عن محاصرتها والتضييق عليها، من خلال مهاجمتها من داخل عائلتها السياسية باستمالة "التجمعيين" و"الدستوريين" من جهة، وامتصاص المشاحنات والخلافات بين الطرفين، التي غذتها موسي بخطابها العنيف الذي يستهدف الإسلاميين.

اقرأ أيضاً: كيف مهد اجتماع مجلس شورى النهضة لولاية ممتدة لـ"الغنوشي"؟

وكان النائب عن الكتلة الديمقراطية، هشام العجبوني، قد كتب تدوينة في هذ الصدد قال فيها إنّ "الغنوشي يريد تعيين آخر أمين عام للتجمع، محمد الغرياني، مستشاراً له في البرلمان، وذلك في إطار صراعه مع حزب آخر،  كانت رئيسته أمينة عامة مساعدة للتجمّع، في إشارة لعبير موسي".

وبيّن العجبوني أنّ رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، يريد أن يحمّل دافع الضريبة التونسي كُلفة هذا التعيين، في إطار الصراع بين حركة النهضة والحزب التجمّعي الحرّ، مشيراً إلى أنّه من حقّ الغنوشي الاستعانة بمحمد الغرياني كمستشار خاص له، لكن ليس على حساب دافعي الضريبة، ولتقوم حركة النهضة بتخليصه من تبرّعات الموتى، بحسب ما جاء في نصّ التدوينة.

اقرأ أيضاً: تونس: دكتاتورية الغنوشي تهدّد بتمزيق "النهضة"

من جانبه، رأى الناشط السياسيّ، أيمن العلوي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ "الإسلاميين والتجمعيين هما وجهان لعملة واحدة، يحملان المشروع الاستبداديّ نفسه، والمشروع الاقتصادي والاجتماعي نفسه، بمصادرة حقّ الشعب، وتفقيره وتجويعه".

الناشط السياسيّ، أيمن العلوي

وكانت رئيسة كتلة الحزب الدستوريّ الحرّ، عبير موسي، قد استنكرت صمت من وصفتهم بـ "ثوّار المجلس" أمام تعيين الغنوشي للغرياني، وجدّدت رفضها تعيين آخر أمين عام للتجمّع، محمد الغرياني، كمستشار له.

وفي مداخلتها خلال الجلسة العامة المخصصة لمناقشة ميزانية 2021، اعتبرت موسي قبول الغرياني بأن يكون مستشاراً للغنوشي خيانة للرئيس السابق، زين العابدين بن علي.

الغنوشي في مرمى الانتقادات

ورفضت عدة أطراف سياسية تعيين محمد الغرياني في ديوان رئيس مجلس النواب مكلفاً بملفّ العدالة الانتقالية، أوّلها أبناء حركة النهضة، كما نشر حليفه رئيس كتلة ائتلاف الكرامة، سيف الدين مخلوف، تدوينة على فيسبوك، رفض فيها قطعياً تعيين الغرياني في خطة مستشار لرئيس مجلس نواب الشعب، داعياً إلى منع من وصفهم بـ "الأزلام" من التدخل في ملفّ شهداء وجرحى الثورة.

المحلل السياسي التونسي رافع الطبيب لـ"حفريات": الغنوشي يحاول تفجير حركة النهضة والانتهاء من هذه التجربة والمرور إلى ما يسمى بالحزب المحافظ الكبير

بدوره، حذّر النائب منجي الرحوي، في تدوينة له عبر صفحته الرسمية، الغنوشي من مغبّة تعيين الغرياني قائلاً: إنّ "التعيين لن يمرّ وسيشهد رفضاً واسعاً"، ووجه الرحوي كلامه إلى الغرياني مباشرة، قائلاً: "أنت شخص غير مرحّب به في مجلس نواب الشعب، حتى إن أراد شيخ تخريب تونس فرضك على المجلس سيكون مصيرك مثل مصير الذي سبقك".

اقرأ أيضاً: هل تراجع زعيم "النهضة" عن قيادة الحركة؟.. قراءة في حوار مع الغنوشي

ووصف النائب عن حركة الشعب، بدر الدين القمودي، في تصريحه لـ "حفريات"، تعيين أحد أهم رموز نظام بن علي في محيط البرلمان بالاستفزاز المتعمّد لكل القوى السياسية والثورية التي أطاحت بالنظام السابق، خصوصاً أنّ هذه الخطوة تزامنت مع ذكرى إحياء الثورة.

 النائب عن حركة الشعب، بدر الدين القمودي

وكان الغنوشي قد ردّ على مداخلات النواب، مثل: عبير موسي، وسامية عبو، ومنجي الرحوي، الذين أصرّوا على أنّهم لن يسمحوا بأن تطأ قدم الغرياني البرلمان، ورأى أنّ تعيين الغرياني يدخل في باب الانفتاح والتنويع، وقال خلال الجلسة العامة لمناقشة الميزانية: "في تعاملنا مع المنظومة القديمة ليس هناك أكثر من خيارَين؛ إمّا أسلوب المصالحة والبحث عمّا هو مشترك أو أسلوب الانتقام، وقد جرّب هذا الأسلوب في الربيع العربيّ، فسقط كلّ الربيع العربيّ وبقيت تونس بسبب سياسة التوافق".

اقرأ أيضاً: الغنوشي يتشبث بالكرسي.. ما الجديد الإخواني في ذلك؟!

ولفت الغنّوشي إلى أنّ التحاق النظام القديم بقبّة البرلمان لا يعني أنّ الثورة انتكست، أو أنّ تونس ستعود إلى الماضي، مذكّراً بأنّ "الغرياني قدّم اعتذاره للشعب التونسيّ، وانتقل إلى أرضية الثورة، ولم يتبجح بالماضي، وإنّما انتقل إلى الدستور والثورة؛ لذلك ينبغي أن نفتح الطريق أمام كلّ من يرغب بالالتحاق بأرضية الثورة والقانون والدستور، ونشجعهم بدل أن نرسخ عوامل القطيعة"، في إشارة إلى تمسّك المعارضة، عبير موسي، بموقفها المؤيّد للنظام السابق.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية