الغنوشي يحتمي بمبادرات الحوار لتلافي العزلة

الغنوشي يحتمي بمبادرات الحوار لتلافي العزلة


25/11/2020

الجمعي قاسمي

غيرت حركة النهضة بشكل مفاجئ موقفها الداعم لحكومة هشام المشيشي، ووجدت في مبادرات الحوار -خصوصا في ما اقترحه الاتحاد العام التونسي للشغل- فرصة لإعادة خلط الأوراق.

ووجد رئيس الحركة راشد الغنوشي في مبادرة الحوار فرصة لتلافي عزلة ظهرت أكثر وضوحا في انحياز أغلب الأحزاب والمنظمات إلى موقف الرئيس قيس سعيد في الخلاف بينه وبين رئيس البرلمان، فضلا عن عزلة داخلية للغنوشي ناجمة عن انتفاضة العشرات من القيادات ضد بقائه على رأس الحركة الإسلامية.

وقالت أوساط مقربة من حركة النهضة إن الغنوشي يسعى للتبرؤ من تحالفه الحكومي مع حزب قلب تونس ومن ثمة رفع الغطاء عن حكومة المشيشي خوفا من دفع فاتورة الغضب الشعبي الآخذ في الاتساع داخل المحافظات المهمشة والفقيرة، وهو الأمر نفسه الذي دفع قلب تونس، الذي يرأسه نبيل القروي، إلى التفكير في فك التحالف مبكرا، وسط ترجيحات بقرب انهيار التحالف بينهما.

وأظهرت تصريحات للغنوشي وبيان لمجلس شورى حركة النهضة عن الحاجة إلى الحوار الاقتصادي، وكذلك التأكيد على عجز مشروع الموازنة الحكومية، رغبة واضحة في ركوب سفينة دعوات الحوار الوطني التي قد يرعاها الرئيس سعيد ويدعمها اتحاد الشغل، وربما تدفع النهضة إلى العزلة السياسية والشعبية.

وتؤشر حالة الارتباك التي يمر بها هذا التحالف الحكومي الذي يُشارك فيه أيضا ائتلاف الكرامة المثير للجدل، على أن العلاقة بين أطرافه وصلت إلى حد من التنافر بات يُحيط به من كل الجوانب، بما يؤكد دخوله في موت سريري.

ويبدو أن جرعات الأوكسجين التي ضُخت في هيكله خلال الأيام القليلة الماضية، من خلال اللقاءات التي جمعت بين راشد الغنوشي ونبيل القروي بعيدا عن الأضواء، لم تُفلح في إبعاده عن دائرة التفكك، لاسيما في هذه المرحلة المفتوحة على مختلف الاحتمالات.

وتعكس تصريحات الصادق جبنون، الناطق الرسمي باسم قلب تونس، هذا التحول في المواقف الذي يسعى إلى محاولة تبديد الالتباسات التي أبقت العلاقة بين حركة النهضة وقلب تونس في دائرة الضبابية، حيث لم يتردد في الإعلان خلال هذه التصريحات عن انتهاء التحالف الثلاثي بين حزبه والنهضة وائتلاف الكرامة.

وقال جبنون في تصريحات تزامنت مع تتالي مبادرات الإنقاذ، والدعوات المُتلاحقة إلى عقد مؤتمر وطني للحوار، إنه “لا يمكن الحديث الآن عن ترويكا ولا رباعية ولا خماسية”، وذلك ردا على سؤال حول ما إذا كان التحالف بين حزب قلب تونس والنهضة وائتلاف الكرامة قد بدأ يتفكك.

وشكل التحالف الثلاثي بين حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة حزاما برلمانيا مكن حكومة هشام المشيشي من نيل ثقة البرلمان بأغلبية 134 صوتا من أصل 217، ليتحول بعد ذلك إلى تحالف سياسي لم يتردد المشيشي في وصفه بـ”الوسادة السياسية” لحكومته.

وبدأ هذا التحالف يتصرف على أساس أنه الائتلاف الحاكم في البلاد، الأمر الذي أثار استياء مختلف الأحزاب والقوى السياسية، وكذلك الكتل البرلمانية الأخرى التي صوتت لصالح منح الثقة لحكومة المشيشي، منها كتلة الإصلاح (16 مقعدا)، وتحيا تونس (10 مقاعد)، والكتلة الوطنية (11 مقعدا)، والمستقبل (9 مقاعد).

وزاد استياء تلك القوى نتيجة مناورات حركة النهضة الإسلامية التي طالما مارستها على أرضية احتكار المكاسب والغنائم، وترك تحمّل الإخفاقات بتبعاتها المادية وانعكاساتها السياسية المُحتملة لبقية أطراف التحالف، غير آبهة بالتفاهمات التي تتشدق باحترامها، لاسيما في هذه الفترة التي تفاقمت فيها أزمة البلاد.

وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب”، أن هذا التبدل الحاد في مواقف حزب قلب تونس جاء في أعقاب تأكده من استمرار حركة النهضة في سياسة المراوغة التي برزت خلال الأيام القليلة الماضية عندما لم يتحرك رئيسها للدفاع عن قلب تونس أمام الدعوات لاستبعاده من الحوار الوطني الذي ترنو بعض القوى إلى عقده.

وقالت إن الغنوشي صمت أمام تلك الدعوات التي تردد صداها خلال اللقاءات التي أجراها الرئيس قيس سعيد مع الغنوشي ونورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل في إطار مناقشة مبادرة عقد حوار وطني لبحث الأزمة الراهنة التي تعيشها البلاد.

وترددت خلال تلك اللقاءات بعض الآراء الرافضة لمشاركة حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة في الحوار الوطني المُزمع عقده، دون أن يرد عليها الغنوشي الذي كان مفترضا أن يدافع عن شريكيه في الائتلاف الثلاثي، الأمر الذي أثار غضب حزب قلب تونس الذي رأى في ذلك مُقدمة للتضحية به.

ويبدو أن غضب حزب قلب تونس وصل إلى حركة النهضة التي حاولت الالتفاف عليه من خلال بيان مجلس الشورى الذي دعت فيه إلى عقد حوار اقتصادي واجتماعي “لا يستثني أحدا، وتكون نتائجه رافعة أساسية للخروج من الأزمة ومعالجة المشكلات الحقيقية التي يُواجهها اقتصاد البلاد”.

واعتبر مراقبون تصريحات الناطق الرسمي باسم حزب قلب تونس مُلتبسة ظاهريا، وتُشبه التنصل الفعلي من أي تبعات للتحالف الثلاثي، والتمهيد لتوازنات مُغايرة لما هو سائد حاليا، قد تفتح بوابات جديدة لرسم معادلات إضافية.

وأعرب الناشط السياسي التونسي عبدالحميد بن مصباح عن اعتقاده بأن مصير التحالف البرلماني الحكومي بين الترويكا الجديدة معرض للتفكك خاصة في ظل الإشارات التي ما فتئ حزب قلب تونس يُوجهها إلى حليفيه وخاصة منهما حركة النهضة.

وقال بن مصباح لـ”العرب” إن “حزب قلب تونس يرى أن له فضلا على حركة النهضة لأنه كان وراء نجاة رئيسها الغنوشي من الإقالة من رئاسة البرلمان، وهي بذلك تبقى مدينة له سياسيا، وبالتالي من حقه أن يطالبها برد الجميل، ذلك أن حركة النهضة واصلت سلوكها الذي عرفت به وهو السير المنفرد دون التفات إلى استحقاقات الحلفاء”.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية