أردوغان يمهد لدستور جديد: ثقوب في ديكتاتورية رجل تركيا المريض

أردوغان يمهد لدستور جديد: ثقوب في ديكتاتورية رجل تركيا المريض


06/02/2021

احتدم الجدل، مؤخراً، في الأوساط السياسية والحقوقية، في تركيا، إثر التصريحات المثيرة التي أعلنها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الاجتماع الذي ترأسه بمجلس الوزراء؛ حينما ألمح إلى ضرورة صياغة دستور جديد، ورفض النسخة الحالية التي صاغها "الانقلابيون"، حسب تعبيره، والتي مازالت تحافظ على نظام "الهيمنة والوصاية العسكرية"، ومن ثم، فإنّ "الحكومة ستبدأ في اتخاذ الخطوات اللازمة في البرلمان بخصوص القضايا التشريعية، وفي الرئاسة بخصوص القضايا الإدارية... حيث يمكننا التحرك من أجل إعداد دستور جديد، في المرحلة المقبلة، حال توصلنا إلى تفاهم مع شريكنا في (تحالف الشعب) و(حزب الحركة القومية)، وهو الأمر الذي حدا بالمعارضة إلى وصفه بـأنه "إفلاس" جديد للنظام.

تراجع الناتج المحلي الإجمالي التركي، في الربع الثاني من العام الماضي، بنسبة 9.9%، وانخفاض سعر صرف الليرة إلى نحو 23%، نهش شعبية أردوغان

دستور جديد أم فاشية جديدة

وبعد مرور نحو أربعة أعوام، على تدشين النظام الرئاسي، في تركيا، والذي منح الرئيس التركي صلاحيات جمّة، على المستويين التشريعي والتنفيذي، في ظل التعديلات الواسعة على الدستور الحالي، والتي رافقت الانتقال من النظام البرلماني للرئاسي التنفيذي، فإنّ الحديث المباغت عن صياغة دستور جديد، يبعث بمخاوف شديدة بخصوص تداعياته السياسية على نظام الحكم، وكذا تأثيراته على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية، التي شهدت تراجعاً غير مسبوق.

البيانات الرسمية للاقتصاد التركي، كشفت عن متوالية فشل وإخفاق في تحقيق أيّ تقدم أو تعافٍ من الآثار السلبية للإجراءات السياسية للرئيس التركي، سواء في ما يخص الشأن المحلي أو توجهاته الإقليمية والخارجية، الأمر الذي انعكس، بصورة مباشرة، على شعبيته التي تراجعت تحت وطأة الإحباطات الشعبية، حسبما توضح مراكز أبحاث اتجاهات الرأي العام.

وبينما تراجع الناتج المحلي الإجمالي التركي، في الربع الثاني من العام الماضي، بنسبة 9.9%، وانخفض سعر صرف الليرة التركية إلى نحو 23%، منذ مطلع عام 2020، فقد كشف قياس اتجاهات الرأي العام في تركيا، عن انخفاض، بنفس الدرجة، في شعبية أردوغان، بحسب تقرير صادر عن مركز "أوراسيا"، نهاية العام الماضي، وذلك على خلفية "سياسات الرئيس التركي، خلال السنوات الأخيرة، التي دفعت الكثير من المواطنين للتراجع عن دعمه".

ويشير المركز إلى أنّ "48.6 بالمائة لن يصوتوا لصالح أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال 38.9 في المائة إنّهم سيصوتون له"، وفي أواخر أيار (مايو) العام الماضي، فإنّ "46.9 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع لن يصوتوا لأردوغان إذا ترشح لولاية ثانية، بينما قال 39.2 بالمائة أنهم سيصوتون". 

تحالف العثمانيين الجديد

ولفت أردوغان إلى أنّ "صياغة دستور ليست عملاّ يمكن القيام به في الخفاء وتحت ظل الفئات المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية، ومع أسماء عقولهم وقلوبهم منفصلة عن وطنهم"، وأضاف: "تركيا بقت لسنوات في السابق بعيدة عن التغيرات السياسية والاقتصادية العالمية، ودفعت ثمناً باهظاً لاستسلامها للأمر الواقع، مؤكداً أن "أنقرة ستطبق مبادراتها الخاصة حيال التغيرات السياسية والاقتصادية العالمية، وستصل إلى أهدافها".

الصحفي والباحث التونسي المتخصص في الشأن التركي باسل ترجمان

 

وتابع أردوغان: "من الواضح أنّه في صلب مشاكل تركيا دساتير صاغها انقلابيون، منذ التسعينات، ربما آن الأوان لتفتح تركيا نقاشاً حول دستور جديد".

ومن جانبه، ذكر رئيس حزب الحركة القومية التركي، دولت بهشلي، في بيان صادر عن حزبه أنّ "البلاد بحاجة إلى دستور جديد، وأنّ حزبه يؤيد هذه الرؤية"، وأردف: "من الواضح أنّ تركيا في حاجة إلى دستور جديد، وإنّ هدف ومنظور وفكر حزب الحركة القومية يصب في هذا الاتجاه.. كما أنّ "تحالف الشعب" الذي يجمع حزبه مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، سيؤدي المسؤوليات الملقاة على عاتقه، لإجراء التغييرات الدستورية من مبدأ احتضان وتوحيد الجميع".

وتزامنت خطوة الرئيس التركي مع تحركات حثيثة للمعارضة التركية، بهدف تشكيل تكتل قوي للضغط على أردوغان للعودة للنظام البرلماني، وكذا الدفع بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، ثم الانخراط في منافسة ضد الرئيس التركي؛ إذ قال نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، محرم أركيك، وهو أكبر أحزاب المعارضة بتركيا، إنّ تصريحات أردوغان تعبير عن "الإفلاس".

اقرأ أيضاً: أردوغان يلوح بدستور جديد... ما هدفه؟

إفلاس النظام التركي

وأضاف نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري: "لقد أفلس النظام في عامين ونصف العام بعد تطبيق النظام الرئاسي. كل من الأمة والدولة أفلستا معه أيضاً. لكننا سنصلح النظام المعطل باسم "تحالف الأمة" الذي يتكون من الشعب الجمهوري وحزب الجيد"، موضحاً أنّ "المعارضة ستعمل على إسقاط أردوغان في الانتخابات المقبلة، وستدعو إلى تعديل الدستور أيضاً للعودة إلى نظام الحكم البرلماني بعد التغييرات التي أجراها أردوغان على مواد الدستور، غب عام 2017، وسواء كانت الانتخابات مبكرة، أو في موعدها، فسوف نقدم نظاماً برلمانياً معززاً، وبالتالي دستوراً جديداً".

ولذلك؛ اعتبر الباحث والصحفي التونسي، باسل ترجمان، المتخصص في الشأن التركي، أنّ ما تحدث به أردوغان بخصوص صياغة دستور جديد يعد بمثابة "إفلاس سياسي"، سوف يسفر عن "ديكتاتورية حمقاء"، أو "تغيير يخوضه الشعب ضد النظام"، لجهة استعادة النظام الديمقراطي والبرلماني، خاصة وأنّ تركيا، اليوم، أمام حقيقة واقعها الاقتصادي المأزوم، وزعيم سياسي متوهم "يحمل مشاريع تخلط بين الوهم والتاريخ والواقع، منذ اعتقد أنّ بمقدوره قيادة العالم العربي عبر جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي دفعه إلى الصدام والعداء مع كثير من الدول والشعوب في المنطقة، وقد انعكس ذلك، بشكل مباشر، على الاقتصاد التركي والأسواق التي كانت منافذ اقتصادية ضخمة ومنخفضة التكاليف لصادراتها، ناهيك عن تراجع التعاطف الشعبي، لدرجة كبيرة، في الدول التي اتخذت منها تركيا مواقف متعاطفة أو مؤيدة لجماعة الإخوان؛ مثل مصر وتونس". 

الباحث باسل ترجمان لـ"حفريات": سعي أردوغان المباغت للإعلان عن وضع دستور جديد، هو تثبيت لمزيد من الامتيازات السلطوية، وتكريس نموذج الحكم الديكتاتوري

ويضيف ترجمان لـ"حفريات"، أنّ سعي أردوغان المباغت للإعلان عن وضع دستور جديد، إنّما هو "لتثبيت المزيد من الصلاحيات والامتيازات السلطوية، وتكريس نموذج الحكم الديكتاتوري الذي يتجه لتدشينه وتعميمه، فيطمح لتشكيل دستور على مقاس تطلعاته "العثمانية الجديدة"، خاصة وأنّ تركيا تعيش في ظل انهيار اقتصادي عنيف، وعزلة إقليمية حتى بين حلفائها التقليديين، وهو الحصاد المر جراء الحماقات السياسية لأردوغان، خلال العقد الأخير، وبالتالي، تحولت أنقرة إلى دولة خالقة للأزمات ومستثمرة فيها، ومن ثم، تعمد إلى مواصلة التعبئة والتصعيد الميداني، لتحقيق مكاسب اقتصادية وتجارية محدودة ومؤقتة، الأمر الذي أفقد السياسة الخارجية التركية لياقتها ومرونتها". 

ويلفت الباحث التونسي إلى أنّ "أردوغان لم يعد لديه أيّ حيل أو رهانات سياسية يقدمها، محلياً أو خارجياً، بعد أنّ سقطت أوهام الزعامة والقيادة التي روج لها، وذلك بفعل إخفاقاته المستمرة، خاصة بعد (المصالحة الخليجية)، وإنهاء تلك الورقة الأخيرة التي كان يستغلها، كما أنّ أردوغان يتوجس خيفة من الإدراة الأمريكية الجديدة، لا سيما وأنّ رياح العلاقات الطيبة لم تظهر بعد؛ والموقف الأمريكي واضحاً؛ إذ طالبه جو بايدن بالانسحاب من ليبيا، فالدعم أو الغطاء الأمريكي لم يعودا متاحين، كما في السابق". 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية