أطفال داعش.. هل تمّ استثناؤهم من اتفاقية حقوق الطفل؟

أطفال داعش.. هل تمّ استثناؤهم من اتفاقية حقوق الطفل؟


26/11/2019

ماذا لو أنّنا  تلقينا خبراً مفاده أنّ طفلين لقيا مصرعهما إثر قيادة والدهما الرعناء؟ ألن نشعر بالأسف اتجاههما، كونهما قتلا جريرة حماقة لم يرتكباها ولم يكونا سبباً لها؟ ألن نحمّل الأبّ المسؤولية كاملةً لإزهاقه روحين؟ ولكن هذا لم يحدث عندما تناقلت وسائل الإعلام المحليّة والعالمية، العملية الأمنية العسكريّة المظفرّة، والتي انتهت بمصرع البغدادي مع طفليه؛ حيث جاء ذكر الطفلين كأثر جانبي للعملية، أو كتتمة للخبر، قد لا تبدو هذه المقارنة منطقيةً للبعض وقد تبدو سطحية للوهلة الأولى، ولكنْ قليل من التروّي قد يجعلنا نتوقف أمام تناقضاتنا العريضة، ونطلق كثيراً من الأسئلة.

اقرأ أيضاً: أطفال السوشيال ميديا.. نجومية أم عمالة من نوع جديد؟

هل يعود تجاهل مقتل الطفلين إلى اعتقادنا أنّ الأطفال على دين آبائهم، وهذا ما يجعلهم يُؤخذون بجريرتهم؟ أم أنّ رائحة الموت التي تنبعث في كل مكان أزكمت أنوفنا عن رائحة موت هذين الطفلين؟ أم يا تُرى موت طفلين لن يغير شيئاً في المعادلات البشرية المجانيّة؟ أم أنّ الإدراك الكمّي المغلق، يجعل من موت طفلين لا شيء يذكر أمام العدد الهائل من الأطفال الذين قتلتهم وشرّدتهم حروبُنا الطاحنة؟ أم لأنهما ابنا البغدادي الذي كان سبباً في موت ومعاناة الكثيرين؟ هذه الحادثة وما تجرّ من أسئلة قد تفسّر الطريقة التي يُنظر فيها إلى أطفال داعش؛ محلياً وعالمياً.

هل يعود تجاهل مقتل طفلي البغدادي إلى اعتقادنا أنّ الأطفال على دين آبائهم وهذا ما يجعلهم يُؤخذون بجريرتهم؟

إنّ من تمت تسميتهم بأطفال داعش، بحكم انتسابهم لأبوين داعشيين، باتوا يشكّلون اليوم مشكلةً خطيرةً لكثير من المجتمعات التي يحملون جنسيتها، خاصةً المجتمعات الغربية، التي وقعت بين سندان حقوق الطفل ومطرقة الإرهاب؛ من خلال ترويج هؤلاء الأطفال على أنّهم  قنابل موقوتة يكمن خطرهم فيما سيصبحون عليه في ظل ما تلقّونَه أثناء وجودهم في تنظيم داعش، وما مورس عليهم من برمجة عقائدية خطيرة، وتدريبهم على العنف.
ففي مقابلة مع طفل داعشي في إحدى المخيمات، انتهت بجملة على لسان هذا الطفل: "نحنا نقتلكم ذبح نحنا نذبحكم"، ثم تُغلق الكاميرا على إشاحة وجهه عنها، مع عينين مُغرورقتين يحاول منع الدموع من الانهمار، ويأتي تعليق المذيعة: "مشاعر متضاربة قلقة ستنتابك في كل مرةٍ تعيد فيها الاستماع لهذه الكلمات من فم طفلٍ لم يتجاوز التاسعة، من هو هذا المتوعد؟ في عينيه دموع يخفيها وفي نبرته عنف وترهيب لا يتقن غيرهما، ولم يعلّمه أحد غير ذلك".

اقرأ أيضاً: الطفولة المقيّدة أمام عدسة المثاليات
القراءة السطحية أو ربما المقصودة للمشهد، لم تساهم في مساعدة هؤلاء الأطفال، لكنها ساهمت في الترويج لخطرهم والقلق منهم، فمن اختصر هذه المقابلة بعبارة (سنذبحكم..)، دون أن يتوقف عند دموع هذا الطفل ونبرته المشبعة بالخوف والانكسار، وليس بالعنف والترهيب، كما ورد في التعليق، ومن لم يرصد تعابير وجهه التي تشير إلى الضياع، فإنّه يريد فقط أن يعفي نفسه من عناء التفكير بالأسباب التي جعلت هذا الطفل هنا، الأسباب التي لم يخترها أو يصنعها، إنّه المكان الذي أردنا له أن يكون فيه، حين تخلّينا عن إنسانيتنا، وهو المكان الذي سيجعل منه متطرفاً وإرهابياً، طالما أنّ الضغينة والمصالح الضيّقة تدير العالم.

اقرأ أيضاً: هذا ما تنبئنا به فيديوهات ضرب الأطفال!
فهذا المشهد وغيره الكثير من المشاهد، غيّب الحملات التضامنية  ذات الطابع الإنساني والتي قد تشكل قوة ضغط على الحكومات والمؤسسات، كونها تمثل الرأي العام، ولكن يبدو أنّ الرأي العام نفسه مُهيأ للانحطاط فيما لو كانت أيديولوجيا ما تديره، فحتى المنظمات الدولية التي يتوجب عليها الآن أن تأخذ دورها الفعلي، ما زالت تمارس عملها الاعتيادي وهو "التعبير عن القلق لا أكثر".
منذ سنوات عدة والمنظمات الدولية تتكلم عن إعدادها لبرامج تأهيل ودمج وطرقٍ للتعامل مع ما بعد مرحلة داعش، والآن بعد كل هذه السنوات ووصولنا إلى مرحلة ما بعد داعش، نجد أنّ الأوراق ما زالت متناثرة على طاولات النقاش، دون الأخذ بالحسبان أنّ الزمن لا يتوقف عند الطفل، وأنّ كل يوم يقضيه في قبضة العنف سيقلّص طفولته وإنسانيته، فهناك من يرفض استقبالهم، وهناك من يضع شروطاً كفصل الأطفال عن أمهاتهم، وهناك أسئلة من نوع: كيف سيتم إعادة تأهيلهم؟ وكيف سيتم دمجهم في المجتمع؟ إلى مخاوف وتخوّفات لا حصر لها.

اقرأ أيضاً: لماذا نورث أطفالنا ما كان وبالاً علينا؟
هناك قاسم مشترك بين جميع الأنظمة في العالم، فهي حين تريد شيئاً تسخّر كل طاقاتها لإنجازه، أمّا حين يُراد منها شيء تصبح المسائل معقدةً وتحتاج لدراسة ووقت، ثم تبدأ الصعوبات تنهال من كل حدبٍ وصوب، فهذه المعوقات  وغيرها مما تتشدق به هذه الدول، تشير فقط إلى أنّها تنظر إلى هؤلاء الأطفال كمخلفاتٍ ما قبل إنسانية يتم استثناؤها من اتفاقية حقوق الطفل، كما أنّ ما تظهره من تخوّفات وما تضعه من معوّقات هو في الحقيقة إخفاء متعمّد لسياساتها ومصالحها التي حددت سلفاً مصير هؤلاء الأطفال، وبالطبع في كلا الحالين، هؤلاء الأطفال ليسوا سوى أحجار شطرنج سيتم تحريكها حسب ما تقتضيه المصلحة.
إن كان هناك جانب نفعيّ تتعامل به هذه الدول مع أطفال داعش، فإنّ مجتمعاتنا تتعامل مع الأطفال بوجهٍ عام كفائض بشري ناتج عن التناسل، لذلك ستغذي الكثيرُ من التداخلات  قصةَ أطفال داعش التي تعيق تأهيلهم واحتضانهم ودمجهم في المجتمع، وقد يكون السبب الأبرز هو التردّي الاقتصادي والمعيشي العام، الذي يُسقط من حسابات البالغين الطفولة برمّتها.

نحن من نجعل من الأطفال وحوشاً، فإذا أردنا تعافيهم يكفي أن نعيدهم إلى أماكنهم الصحيحة

فمشكلة أطفال داعش هي مجرّد مشكلة أخرى تنضاف إلى مجموع مشاكل الأطفال في مجتمعاتنا، فعلى بعد أميال من المعسكرات التي تحتجز أطفال داعش، هناك أطفال لا يقل وضعهم سوءاً في ظل ظروف اقتصادية وأيديولوجية معقدّة، ليصبح امتهان العنف القاسم المشترك فيما بين الجميع، ومشاكل أطفالنا كما العادة ليست بالأمر الملحّ، يكفي أن نغمض أعيننا عن المشكلة حتى تختفي، وبأقل التكاليف يمكننا الإحاطة بأي أزمة، فنحن نتقن جيداً  تشييد الأسوار وإعداد الحظائر.

اقرأ أيضاً: نعلّم أطفالنا القراءة.. فأين يختفي القارئون؟
الواقعة التجريبية  لعلم الأحياء تثبت أنّ الخلايا الجذعيّة متماثلة، تتغيّر طبيعتها بتغيّر الوسط الحاضن، فنفس الخليّة يمكن أن تصبح عضلية أو عظميّة أو عصبية وإنّ مرض هذه الخلايا ناتج عن وضعها في وسط غير صحّي، مما يتعذّر على العلاج الكيميائي شفاؤها، ولكن يمكن أن تشفى هذه الخلايا بصورة طبيعيّة فقط إذا أُعيدت  إلى وسطٍ صحيّ؛ قد تكون هذه المقاربة البيولوجية هي التشخيص الدقيق لمشكلتنا.
فالأطفال هم الأطفال ولكن نحن من نجعل منهم وحوشاً، بالتالي إذا أردنا تعافيهم يكفي أن نعيدهم إلى أماكنهم الصحيحة. الأماكن التي تتوفر على الأمان والاهتمام، ويكفي أن نقلب معادلة الخوف منهم إلى الخوف عليهم، حتى لا يخرجوا من سجونهم الصغيرة التي يعتقدونها أوطانهم، إلى أوطانٍ تصبح سجوناً كبيرة لهم، ولكن من الذي يريد ذلك؟ ومن الذي سيقرر؟ ومَنْ مِن مصلحته إعادتهم إلى أماكنهم الصحيحة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية