أكاذيب تركيا وإيران في الجهاد من أجل فلسطين

أكاذيب تركيا وإيران في الجهاد من أجل فلسطين


كاتب ومترجم جزائري
15/11/2020

ترجمة: مدني قصري

هل يؤكد تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل تخلّي الأولى عن القضية الفلسطينية، يتساءل الصحفي والكاتب، إيف مامو، مؤلف كتاب "التخلي الكبير. النخب الفرنسية والإسلاموية" (Le grand abandon. Les élites françaises et l’islamisme).

شيئاً فشيئاً، توقّع الدول العربية السلام مع إسرائيل؛ الإمارات العربية المتحدة والبحرين أوّلاً، ثم السودان، وسرعان ما ستنضم إليهما عُمان. وقد تحذو المملكة العربية السعودية حذوهم، رغم أنّ الأمر كان أسهل إن تمّت إعادة انتخاب دونالد ترامب.

الحقيقة، التي لا يتحدّث عنها أحد، هي أنّ الدول العربية في الشرق الأوسط سوف تكسر أقفال "القضية الفلسطينية". إنّها تتراجع عن "حقّ العودة" لستّة ملايين فلسطيني، وهو "حقّ" ظلوا يُروّجنوه ويموّلونه على مدى خمسين عاماً، توقّفت "فلسطين" فجأة عن أن تكون شرطاً أساسياً للتطبيع مع إسرائيل.

اقرأ أيضاً: تركيا وإسرائيل والمتاجرة بالقضية الفلسطينية

فهذا الانقلاب "الكوبرنيكي" (أي الأساسي)، هو نتيجة هزيمة سياسية كبرى: لقد فقدَ العالمُ العربي السيطرةَ على القنبلة السياسيّة والقانونيّة والأخلاقيّة والديموغرافيّة، ألا وهي القضية الفلسطينيّة؛ فهذا "الشعب الفلسطيني" الذي قُدِّم على أنّه جزءٌ جوهري من العالم العربي، سُرِق اليوم من الدول العربية، ومرتكبتا هذه السّرقة دولتان مسلِمتان غير عربيتين، إيران وتركيا.

لم يقتصر الأمر على تدخّل تركيا في سوريا وليبيا، لكن، إضافة إلى ذلك؛ فإنّ الأتراك والفرس يستغلون "القضية الفلسطينية"، من أجل زعزعة استقرار الأنظمة العربية

كانت إيران أوّل من أدرك أنّ فلسطين، وكراهية إسرائيل، هما أفضل طريقة لتوحيد العالم العربي (تحت حكمها)، وتبديد العداءات السنّية ضدّ الشيعة، وإلغاء مخاوف العرب التقليدية ضدّ الفرس. منذ عام 1982؛ نزل الحرس الثوري في جنوب لبنان لتدريب الشيعة اللبنانيين على محاربة العدوّ الصهيوني. هكذا وُلِد حزب الله، بعد أربعين عاماً من الوجود، أصبحت الحركة اليوم بحجم جيش حقيقي، كما وقعت حماس والجهاد الإسلامي في غزة، تدريجياً، تحت سيطرة إيران، التي تدرّبهما وتسلّحهما؛ حيث تخضع أقوى القوى "الفلسطينية" المسلّحة الثلاثة، الآن، لأوامر طهران.

العزف التركي على التوليفة الفلسطينية

كانت تركيا الإسلاموية، التي يقودها أردوغان، تعزف منذ أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على التوليفة الفلسطينية نفسها التي تعزف عليها إيران، وعام  2009؛ في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، هاجم رجب طيب أردوغان، علناً، رئيسَ إسرائيل، شمعون بيريز، الذي اتهمه بقتل الأطفال في غزة.

وعام 2010؛ سمح أردوغان لمنظمة هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات الإسلاموية غير الحكوميّة؛ بإقامة أسطول صغير لكسرِ الحظر البحري الإسرائيلي حول غزة، وقد خلّف الصراع مع البحرية الإسرائيلية تسعة قتلى، وأثار فضيحة عالمية، وهكذا اتّسعت الفجوة بين تركيا وإسرائيل منذ ذلك الحين.

وعام 2019؛ منح أردوغان الجنسية التركية لقادة حماس. وعام 2020، انتقد قرار كوسوفو إنشاء سفارتها في القدس، وأكّد، علنَاً، ​​أنّ القدس "عاصمة إسلامية".

كانت إيران أوّل من أدرك أنّ فلسطين، وكراهية إسرائيل، هما أفضل طريقة لتوحيد العالم العربي (تحت حكمها)، وتبديد العداءات السنّية ضدّ الشيعة

من خلال حزب الله وحماس، ومن خلال أساطيل المساعدات المرسلة إلى غزة، والخطب النارية بشأن القدس، ترسل إيران وتركيا إلى السكان العرب رسالة مموّهة متطابقة: "نحن (الفرس والشيعة)، أو نحن (السنّة والأتراك)، دعونا نحلّ قضيّة الشيطان الصغير (إسرائيل) الذي عجز حكّامكم الفاسدون والمترهلون (العرب والسنّة) عن حلّها، أصبحت القضية الفلسطينية، بين أيدي إيران وتركيا، أداةً لزعزعة استقرار الأنظمة العربية، وسلاحاً لفصل الشعوب العربية عن قادتها، ولم يقتصر الأمر على سيطرة إيران تدريجياً على دول عربية، مثل العراق أو لبنان أو سوريا، ولم يقتصر الأمر على تدخّل تركيا في سوريا وليبيا، لكن، إضافة إلى ذلك؛ فإنّ الأتراك والفرس يستغلون "القضية الفلسطينية"، من أجل زعزعة استقرار الأنظمة العربية، بشكل أفضل.

عام 2006، عندما وقف حزب الله لمدة ثلاثة أسابيع ضدّ القوات الإسرائيلية، أكثر من أيّ جيش عربيّ منذ إنشاء دولة إسرائيل، عام 1948، كان الابتهاج واسع النطاق في العالم العربي. اختفى الذلّ الذي خلّفته حروب 1948 و1967 و1973، وزيّنت صورة زعيم حزب الله، حسن نصر الله، جميعَ المحلات التجارية، من القاهرة إلى سمرقند، وعندها بدأ القادة العرب يخافون من الظلّ الإيراني الذي بدأ يلوح في الأفق وراء "قضية" فلسطين.

إيران وتركيا تستغلان قضيّة فلسطين

يرى القادة العرب، اليوم، أنّ إيران وتركيا تستغلان قضيّة فلسطين لتوحيد العالم العربي ضدّهم، فهم يدركون أنّ إيران وتركيا تحرّكان خيوط اللعبة الفلسطينية، وهم يرون، في رعب، أنّ هذين البلدين يسعيان إلى توحيد العالم العربي (تحت سيطرتهما) في الجهاد من أجل فلسطين.

اقرأ أيضاً: ما تداعيات العلاقة بين حماس وحزب الله على القضية الفلسطينية؟

بالتوقيع على السلام مع إسرائيل؛ حاولت الإمارات والبحرين كسر هذه الحلقة المميتة، كما أنهما تقومان بتغييرٍ صعب؛ هل سيتخلص الشرق الأوسط نفسه من الكراهية ضدّ إسرائيل التي انغمس هو نفسه فيها؟ هل تحذو الشعوب العربية حذو قادتها، وتنأى بنفسها عن "القضيّة الفلسطينيّة"؟ ذلك هو التحدّي في السنوات القليلة المقبلة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية: 

www.valeursactuelles.com


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية