إثيوبيا والسودان يفران من تهديدات الداخل بالمواجهة عبر الحدود

إثيوبيا والسودان يفران من تهديدات الداخل بالمواجهة عبر الحدود


30/11/2021

تجددت المناوشات الحدودية والاشتباكات العسكرية بين السودان وإثيوبيا قبل أيام، وسط قلق من تفاقمها إلى مواجهة عسكرية شاملة، خصوصاً بعدما تجدد القصف بين البلدين صباح اليوم، في وقت لم تجفّ فيه دماء (6) من ضباط وجنود سودانيين قتلوا أول من أمس، وجرح العشرات إثر هجوم إثيوبي.

والمدقق في كلا المشهدين، السوداني والإثيوبي، يدرك الهدف من الهجمات الأخيرة بالتخفيف من حدّة الانتقادات الداخلية في ظلّ وضع شديد التأزم، والبحث عن مكاسب من مواجهة عدو خارجي.

اقرأ أيضاً: الجوار الهش: ما هي سيناريوهات الحرب الأهلية في إثيوبيا وتداعياتها الإقليمية؟

 وتواجه إثيوبيا مخاطر التفتيت، خصوصاً في ظلّ تكوّنها من قوميات مختلفة، في الوقت الذي تقود فيه الحكومة حرباً ضد متمرّدي تيغراي، بعدما سيطر المتمردون على مساحات واسعة من إثيوبيا، وكادوا يقتربون من أديس أبابا، أمّا السودان، فإنه يعاني حالة من عدم الاستقرار السياسي، والمظاهرات الرافضة في الشارع.

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد ألقى خطاباً حماسياً قبل أيام، أعلن خلاله قيادة القتال بنفسه ضد التيغراي، وبعد تباين في الأنباء الوافدة بين أسر الآلاف من الجنود الإثيوبيين من قبل مقاتلي التيغراي، وبين استعادة القوات الإثيوبية السيطرة واسترداد عدة مدن كان مقاتلو التيغراي قد زحفوا إليها، يظلّ المشهد برمّته مقلقاً ومزعزعاً لصورة الحكومة الإثيوبية، التي سبق أن خاضت قتالاً في العام الماضي مع قوات التيغراي، وادّعت السيطرة على الأوضاع. 

 

جاء تجدّد القتال على الحدود الإثيوبية ـ السودانية ليحسنّ الصورة العسكرية للقوات الإثيوبية، ويخبّئ عجزها البادي في مواجهة التيغراي، بالإيحاء بقدرتها على القتال في جبهات متعددة

وقبل أسابيع قليلة من الانقلاب الميداني الذي أحدثته قوات التيغراي، كانت الاتهامات الحقوقية الدولية تُوجّه إلى حكومة إثيوبيا بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب في إقليم تيغراي، أي أنّ الحكومة الإثيوبية لم تدخر جهداً في مواجهة متمردي التيغراي، واستخدمت عصاها الغليظة، ومع ذلك فشلت في إخماد حركة التمرّد. 

وفي خضم ذلك المشهد، جاء تجدد القتال على الحدود الإثيوبية ـ السودانية ليحسّن الصورة العسكرية للقوات الإثيوبية، ويخبّئ عجزها البادي في مواجهة التيغراي، بالإيحاء بقدرتها على القتال في جبهات متعددة، ويشتت التركيز الإعلامي والشعبي على المعركة الأهمّ والحرب التي تهدد استقرار الدولة ذاتها، بمواجهة أخرى قديمة، تُستدعى كلّ فترة. 

اقرأ أيضاً: ما هي تداعيات الحرب في إثيوبيا على القرن الأفريقي؟

وحاولت إثيوبيا تصوير المشهد كما لو أنها ردّت الصاع نفسه إلى السودان، بحيث استغلت أزمته الداخلية بسبب الانقلاب العسكري في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ومواجهته الاحتجاجات الشعبية وفشله، للتوغل في المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين البلدين، "الفشقة".

 والسيناريو نفسه هو الذي انتهجته السودان في تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) في العام الماضي، حين استغل السودان مواجهة الحكومة الإثيوبية مع قوات التيغراي واستردّ نحو 92 بالمائة من أراضي الفشقة، بعدما انسحبت قواته منها قبل (25) عاماً.

لكن في المقابل، لم يسفر الهجوم الأخير على استرداد الأراضي، فقد تصدّت له القوات السودانية، وسارع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان إلى الفشقة بنفسه.

 

المشهد في الفشقة لم يخدم فقط الحكومة الإثيوبية، بل البرهان أيضاً، لتبديل صورته من قائد رغب في السيطرة على السلطة إلى قائد يقاتل هو وجنوده للحفاظ على تراب الوطن

واللافت أنّ المشهد في الفشقة لم يخدم فقط الحكومة الإثيوبية، بل البرهان أيضاً، لتبديل صورته من قائد رغب في السيطرة على السلطة، وقاد انقلاباً فاشلاً قبل أسابيع، ما زال يواجه بالرفض هو وكلّ ما ترتب عليه في الشارع، إلى قائد عسكري يواجه اعتداء قوة خارجية، ويقاتل هو وجنوده للحفاظ على تراب الوطن.

وقد شدد البرهان خلال زيارته للفشقة أمس، بحسب ما أورده موقع سودان تربيون، على أنّ "الفشقة أرض سودانية خالصة"، متعهداً من الصفوف الأمامية في جبهة القتال بعدم التفريط في أيّ شبر من أرض السودان، وأكد أنّ الشعب يقف بجانب القوات المسلحة، ويساندها لبسط سيطرتها على كامل التراب الوطني.

اقرأ أيضاً: إثيوبيا في المجهول

وحثّ البرهان مواطني منطقة الفشقة على الانخراط في أنشطتهم الزراعية، والتفرغ لشواغلهم الحياتية، مؤكداً عزم القوات المسلحة على حمايتهم من أيّ تهديدات، والتزامها بتأمين مزارعهم.

وغداة زيارة البرهان، تجددت المواجهة بين البلدين، وأفاد مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نقلاً عن تقارير إعلامية، أنّ الاشتباكات تجددت اليوم الثلاثاء على الحدود الشرقية للسودان، بعد تعرّض بعض المناطق لقصف مدفعي إثيوبي؛ ممّا دفع الجيش السوداني للردّ عليه.

وكان الناطق باسم الحكومة الإثيوبية ليغيسي تولو قد نفى الأحد الماضي شنّ الجيش الإثيوبي هجوماً على السودان، معتبراً أنها أخبار "عارية عن الصحة"، وأضاف أنّ "مجموعة كبيرة من المتمرّدين وقطاع الطرق والإرهابيين دخلوا من السودان"، بحسب ما نقلته هيئة الإذاعة الإثيوبية.

ومن المعلوم أنّ من يتولى القتال في الفشقة بصورة أساسية هم مقاتلون من قوميات عرقية قريبة إلى الحكومة الإثيوبية، وتتلقى دعماً من الجيش.

اقرأ أيضاً: 3 خبراء مصريين يكشفون خفايا إعلان إثيوبيا الملء الثاني لسد النهضة

وزعم تولو أنّ جبهة تحرير شعب تيغراي تجري تدريبات في السودان، وتتلقى الدعم من "جهات داعمة أجنبية" لم يحددها.

ولا تُعدّ هذه المرّة الأولى التي تشنّ فيها القوات الإثيوبية هجمات في الفشقة، في محاولة لاستعادة نفوذها فيها، فقد سبق أن أعلن السودان في 26 أيلول (سبتمبر) الماضي تصديه لمحاولة توغل إثيوبي في أراضي الفشقة، وذلك عقب أسابيع من محاولة تركيا التوسط بين السودان وإثيوبيا لحلّ القضية سلمياً عبر المفاوضات، بناءً على طلب قدّمته أديس أبابا إلى أنقرة في شباط (فبراير) الماضي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية