ما هي تداعيات الحرب في إثيوبيا على القرن الأفريقي؟

ما هي تداعيات الحرب في إثيوبيا على القرن الأفريقي؟


23/11/2021

بعد مضي ما يزيد من عام على الحرب الأهلية في إثيوبيا، باتت الأزمة تجذب المزيد من الفاعلين الدوليين والإقليميين، إلى حدّ تحوّلها إلى حرب عابرة لإقليم القرن الأفريقي، والقارة الأفريقية برمّتها، مع وجود التدخلات التركية والإيرانية، فضلاً عن الوجود الصيني والروسي والأمريكي.

اقرأ أيضاً: أمريكا تطلب من رعاياها في إثيوبيا المغادرة فوراً... ما القصة؟

ومع تزايد أمد الحرب تتنامى مخاوف المجتمع الدولي ودول الجوار التي تشترك في حدود جغرافية وسياسية وعرقية وقبائلية مع إثيوبيا، وهي: إريتريا، وجيبوتي، والصومال، وكينيا، وجنوب السودان، والسودان، وجميعها دول تعاني أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، ولها صلات متعددة بالأزمة الإثيوبية.

تهديد أديس أبابا

وبعد التحول الكبير في حرب الحكومة الفيدرالية على جبهة تحرير تيجراي، في حزيران (يونيو) الماضي؛ باستعادة الجبهة لعاصمة إقليم تيجراي، مقلي، ثم طرد القوات الفيدرالية وحلفائها من الجيش الإريتري والميليشيات الأمهرية، والتقدم داخل إقليمَي أمهرا والعفر، ثم التحالف بين قوات دفاع تيجراي (TDF) وجيش تحرير أوروميا (OLA)، بات الحديث عن سقوط العاصمة أديس أبابا احتمالاً يؤرق المعنيين الإقليميين والدوليين بالأزمة، ما دفع إلى تحركات أفريقية ودولية متعددة، للتوصل إلى حلّ ينهي القتال، في الوقت الذي تتمركز فيه قوات دفاع تيجراي على بعد 400 كم من العاصمة، وتشتبك في معارك ضارية داخل إقليمي العفر وأمهرا، بينما تبعد قوات جيش تحرير أوروميا 40 كم عن العاصمة.

أسرى الجيش الإثيوبي في يد قوات دفاع تيجراي

ويبدو من سير المعارك أنّ قوات دفاع تيجراي تدرك صعوبة دخول العاصمة؛ إذ أنّ تكرار سيناريو عام 1991 لا يبدو ممكناً، وربما تلقت تحذيرات أمريكية من الإقدام على ذلك، ولهذا تنقل القوات معاركها داخل إقليم العفر بهدف السيطرة على نقطة متقدمة على الطريق الدولي الرابط بين دولتي جيبوتي وإريتريا والمدن الكبرى في إثيوبيا بما فيها العاصمة.

أثّر الصراع على اقتصاد جيبوتي، الذي يعتمد بشكل كبير على ممر التجارة الخارجية الإثيوبية، ولهذا كلما توسع الصراع، وتأثر الاقتصاد الإثيوبي سلباً انعكس ذلك بالسلب عليها

وتشهد البلاد أزمة اقتصادية كبيرة، مع ارتفاع معدلات التضخّم وتراجع الإنتاج، فضلاً عن تهديد خطر المجاعة لمئات الآلاف في تيجراي، وكذلك عرقلة القتال لحركة التجارة الخارجية، وهي عوامل تدفع البلاد نحو كارثة اقتصادية، ستؤدّي إلى نزوح مئات الآلاف نحو دول الجوار، التي لا يمكنها استيعاب تلك التدفقات.

أزمة اللاجئين

ويقول منسق وحدة أبحاث أفريقيا بمعهد الدراسات المستقبلية في بيروت، محمد عبد الكريم: "بحسب معنيين كثر في إقليم القرن الأفريقي؛ فإنّ الأزمة الإثيوبية تمثل تهديداً وجودياً للإقليم برمته وليس لإثيوبيا وحدها. وعبّر دبلوماسيون في المنطقة عن قلقهم من توجه المتمردين نحو أديس أبابا مما قد يقود إلى ارتفاع ضخم في أعداد اللاجئين الذين سيسعون إلى عبور الحدود الإثيوبية إلى دول الجوار، في تكرار كارثي ومضاعف لأزمة لجوء التيجرانيين إلى السودان طوال العام الفائت".

اقرأ أيضاً: تحذيرات أممية من حصول حرب أهلية في إثيوبيا

وذكر عبد الكريم، لـ "حفريات"؛ أنّ هناك تقارير للأمم المتحدة، لم تنشَر بعد، توقّعت محاولة مئات الآلاف من اللاجئين الفرار إلى جيبوتي وكينيا وولاية أرض الصومال في جمهورية الصومال الفيدرالية. 

الباحث د. محمد عبد الكريم: الأزمة الإثيوبية تمثل تهديداً وجودياً للإقليم

وستحمل موجات اللجوء مخاطر أمنية على دول الجوار، في ظلّ التنوع العرقي الكبير في إثيوبيا، والذي سيدفع بالقوميات العابرة للحدود للاشتباك في الأزمة، ويجلب مخاطر تمدد الجماعات الإرهابية إلى هذه الدول، مثلما تنشط حركة الشباب الإرهابية داخل كينيا، مستفيدة من القومية الصومالية ومعسكرات اللجوء الصومالية فيها، فضلاً عمّا تسببه من تنامي النشاط الإجرامي العابر للحدود.

إريتريا في قلب الصراع

وتعدّ الجارة الشمالية لإثيوبيا؛ دولة إريتريا، من أشد بلدان القرن الأفريقي تأثراً بالصراع، الذي انخرطت فيه من البداية، بالتحالف مع رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، في الهجوم على خصمها اللدود؛ جبهة تحرير تيجراي، وارتكبت القوات الإريترية، مثل نظيرتَيها الإثيوبية والأمهرية، جرائم حرب في الإقليم، ومارست عمليات نهب واسعة النطاق، وسحبت قواتها من الإقليم بعد الهزائم التي مُنيت بها.

اقرأ أيضاً: إثيوبيا في المجهول

وينتمي 55% من سكان إريتريا إلى قومية التيجرينية، التي تشترك مع قومية التيجراي في شمال إثيوبيا عرقياً، وهو ما يجعل احتمال انتقال الصراع داخل إريتريا محتملاً، خاصة أنّ جبهة تحرير تيجراي ستسعى للانتقام عاجلاً أم آجلاً من إريتريا، جراء دورها في الحرب ضدّها.

وتعيش إريتريا تحت حكم استبدادي، يُطلق عليه "كوريا الشمالية الأفريقية"، ما يعني أنّها تعاني انعدام الاستقرار الداخلي، ومع السيولة التي تشهدها إثيوبيا فإنّ احتمالات انزلاقها إلى الفوضى ممكناً.

اقرأ أيضاً: الفاشية في إثيوبيا

ومن زاوية أخرى، لا يخفي التيجراي نواياهم في التوسع عسكرياً داخل الأراضي الإريترية، للحصول على منفذ بحري إذا ما شرعوا في الانفصال عن إثيوبيا، ويعدّ التوسع عسكرياً في شمال إقليم العفر الحدودي مع إريتريا ضمن هذه الإستراتيجية، إلى جانب الاتصال جغرافياً بدولة جيبوتي، التي جمعتها علاقات قوية بإثيوبيا تحت حكم التيجراي.

الصحفي الإثيوبي، من قومية العفر، شفاء العفاري: قد تلجأ إريتريا إلى التدخل عسكرياً لدعم المقاومة العفرية

ولهذا، بحسب حديث الصحفي الإثيوبي، من قومية العفر، شفاء العفاري، لـ "حفريات"؛ قد تلجأ إريتريا إلى التدخل عسكرياً لدعم المقاومة العفرية في صدّ محاولات التيجراي احتلال الإقليم، لمنعهم من الاتصال حدودياً معهم، في نقاط ليست بعيدة عن ساحل البحر الأحمر.

مخاطر على الصومال

ومثل إريتريا، انخرطت الصومال في الحرب على تيجراي، وشاركت بعدة آلاف من الجنود ممن أرسلتهم إلى إريتريا، بذريعة التدريب، وبعض هؤلاء الجنود قُتلوا، وكثيرون منهم مصيرهم غير معروف، وارتباطاً بذلك كانت أزمة مقتل ضابطة المخابرات، إكرام فارح تهليل، والتي تُتهم فيها وكالة المخابرات الصومالية، التي لعبت دوراً في تجنيد مقاتلين صوماليين، بل وخطف بعضهم والزجّ بهم في القتال في تيجراي.

الباحث محمد عبد الكريم لـ "حفريات": بحسب معنيين كثيرين في إقليم القرن الأفريقي فإنّ الأزمة الإثيوبية تمثل تهديداً وجودياً للإقليم برمته وليس لإثيوبيا وحدها.

ومن جانب آخر تضمّ إثيوبيا الإقليم الصومالي، ويمثّل ثلث مساحة البلاد، وينتمي سكانه إلى العشائر الصومالية؛ لهذا إذا ما انتقلت الحرب إلى هذا الإقليم فلن تكون بعيدة عن الصومال، إلى جانب مخاطر انتقال إرهاب حركة الشباب إلى الإقليم، وكذلك إعادة إحياء النشاط العسكري لحركة تحرير أوغادين، وكانت الحكومة سحبت قوات الجيش في بدء النزاع من الإقليم، وتركت مهمة حماية الأمن للشرطة.

ويرى الباحث السياسي الصومالي، نور الدين روبو الرحنوي، أنّ تأثير توسع الصراع الإثيوبي على الصومال كبير جداً، وعلى عدة مستويات؛ إذ يعتمد الصومال أمنياً بنسبة كبيرة على وجود القوات الإثيوبية لمحاربة حركة الشباب، خاصة في محافظات غدو وباي وبكول، وأضاف لـ "حفريات"؛ أنّ عدة وحدات عسكرية إثيوبية انسحبت من مناطق في تلك المحافظات، ومن غير المعروف مصير بقية القوات، وإذا سحبتها أديس أبابا فسيكون على الحكومة الصومالية عبء ملء الفراغ.

تهدّد حركة الشباب الإرهابية منطقة القرن الأفريقي

وعلى المستوى السياسي، أفاد روبو؛ بأنّه إذا ما نجحت جبهة تحرير تيجراي في الوصول للسلطة مجدداً، فبلا شكّ ستسخدم علاقاتها القوية مع شخصيات سياسية صومالية وأقاليم فيدرالية، مثل صوماليلاند وبونتلاند، ضدّ الرئيس الصومالي الحالي، محمد عبد الله فرماجو، الذي أعلنت حكومته بشكل صريح وقوفها مع حكومة آبي أحمد ودعمها له، وهذا، بلا شكّ، سيعقد المشهد السياسي في البلاد المعقدة أصلاً.

أزمة جيبوتي

وبالنسبة إلى جيبوتي؛ فقد أثّر الصراع في اقتصادها، الذي يعتمد بشكل كبير على كونها ممراً للتجارة الخارجية الإثيوبية، ولهذا كلما توسع الصراع، وتأثر الاقتصاد الإثيوبي سلباً، انعكس ذلك بالسلب عليها، بما يزيد من احتمالات تجدد الاضطرابات الداخلية، وتنامي المعارضة للرئيس إسماعيل عمر جيلي، في ظل ارتفاع معدلات الفقر في البلاد.

اقرأ أيضاً: هل تشرع إثيوبيا في الملء الثالث لسد النهضة؟ وما موقف مصر والسودان؟

ولم تكن جيبوتي راضية عن صعود آبي أحمد إلى السلطة، عام 2018، بسبب تقاربه من عدوتها إريتريا، وتبنيه خططاً لتخفيف الاعتماد على موانئها، ولهذا تحدثت بعض التقارير عن دعم جيبوتي لجبهة تحرير تيجراي.

وإلى جانب ذلك، فهناك دور لجيبوتي في الصراع الحدودي بين ميليشيات العيسى في الإقليم الصومالي وإقليم العفر، وهو الصراع الذي تجدّد قبل عدة أشهر، واتّهمت فيه جيبوتي بدعم ميليشيات العيسى، التي تتشارك الانتماء العرقي مع النظام الحاكم فيها.

اقرأ أيضاً: إثيوبيا تتخذ خطوة جديدة في سد النهضة وهذا موقف مصر والسودان... تفاصيل

وتحدّث قائد قوة المهام الأمريكية المشتركة للقرن الأفريقي، ومقرها جيبوتي، التي تضمّ قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة، عن احتمال التدخل عسكرياً في إثيوبياً؛ سواء لإجلاء الرعايا الأمريكيين أو دفع عدوان ما عنها، واستنكر وزير خارجية جيبوتي هذه التصريحات، وقال: "جيبوتي تقدر شراكتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، وبالتأكيد هذه الشراكة غير موجهة ضدّ أيّة دولة أخرى".

وتشبه منطقة القرن الأفريقي أحجار الدومينو؛ فإن سقطت قطعة منها أحدثت تأثيراً كبيراً على بقية القطع، خصوصاً أنّ جميع دول الإقليم تعاني من اضطرابات سياسية، وتعيش مراحل بناء سياسي هشّة، مثل السودان؛ الذي شهد أزمة سياسية على خلفية الانقلاب العسكري، وكذلك دولة جنوب السودان التي تشهد انفلاتاً أمنياً كبيراً، وتعثّراً في تطبيق اتفاقيات السلام الداخلي.

قوات من إقليم العفر

ويقول الباحث محمد عبد الكريم: "أوضح بيان (8 نوفمبر) الذي أعده الوسيط الأفريقي، أوليسجون أوباسانجو، بخصوص جولته المهمة في أديس أبابا العاصمة، ومقلي عاصمة إقليم التيجراي التي أجراها في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، موافقة رئيس الوزراء آبي أحمد على زيارة إلى مقلي لمقابلة أعدائه (هناك)، ورأى أوباسانجو أنّ الوقت ملائم تماماً للتحركات الجماعية للتوصل لحلّ دائم لتفادي مزيد من تصعيد الوضع الذي قد يكون ذو أثر مباشر على إقليم القرن الأفريقي ككلّ".

اقرأ أيضاً: شركات مصرية تقاضي إثيوبيا لهذا السبب

ويستبعد عبد الكريم وجود لبوادر لحلّ الأزمة: "يتضح من مقاربة أوباسانجو أنّه لم يستطع تقديم تصورات مقنعة أو واقعية لقادة الجماعات المعارضة، وأنّ الدعوة لبدء حوار ومصالحة وطنية شاملة لم تكن مصحوبة بتعهدات وضمانات معينة لإطلاق هذه العملية، كما اتضح في تراجع حكومة آبي أحمد عن الالتزام بأية عملية مشابهة والاقتصار على حوار وطني برعاية حكومية".

اقرأ أيضاً: تركيا تستولي على مدارس ألمانية في إثيوبيا... ما القصة؟

وبحسب تحليل عبد الكريم لبيان المبعوث الأفريقي، فإنّ الأزمة الإثيوبية تذهب باتجاه التصعيد الذي يُخشى من خطره على القرن الأفريقي برمته، ويجعل المنطقة عرضة لتنامي النشاط الإرهابي والإجرامي، والتدخلات الخارجية التي توظف الصراعات لتحقيق أهداف سياسية مثل إيران، التي ذكرت تقارير عدّة عن تزويدها للحكومة الإثيوبية بطائرات دون طيار، وكذلك الدور التركي الذي يرتبط بشكل غير مباشر بمناكفة مصر في أزمة سدّ النهضة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية