إيران تقصف العراق وتشكوه!

إيران تقصف العراق وتشكوه!

إيران تقصف العراق وتشكوه!


29/11/2022

سمير داود حنوش

يُشعِرك الخبر بخليط من الضحك والسُخرية والاستهزاء لتنتهي حالتك الهستيرية بالوصول إلى حالة الانفعال بضرب يدك كفا بكف.

إيران تشكو العراق إلى مجلس الأمن لمنع اعتداءات الجماعات المُناوئة والمعارضة لها التي تتخذ الأراضي العراقية مُنطلقا لهجماتها حسب التبرير الإيراني.

عند سماعك الخبر للوهلة الأولى سيُراودك شعور متناقض ممزوج بالاستغباء أن إيران تلك الدولة الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة ولا تستطيع أن تصد الاعتداءات العراقية المُتكررة التي يستقوي بها العراق على جيرانه، وأن العراق ذلك البلد المارق الذي كان سببا في قطع الأنهار والروافد عن جارته، تلك الأرض المجاورة التي تنقل إلى جيرانها كل أنواع المخدرات وحبوب الهلوسة.

إيران التي يدخل قادتها ومسؤولوها إلى العراق متى يُريدون، وكيف يشاؤون حتى دون عِلم الحكومة العراقية.

تقديم إيران شكواها إلى مجلس الأمن ضد العراق ربما يُعطي الخبر إيحاءً بأن العراق أصبح من القوة والجبروت بحيث بات يُهدد جيرانه، وكعادتها في الالتزام بالقرارات الأممية فَضّلت الجارة أن تكون تجاوزات العراق على طاولة الأمم المتحدة.

لا أدري كيف كانت ردود أفعال أعضاء مجلس الأمن وهم يستمعون إلى الشكوى الإيرانية؟ هل سَخِروا وضَحِكوا منها كما فعل أكثر العراقيين، أم اتخذوها على مَحمل الجد؟ وماذا عَلّق أصدقاء إيران في الحكومة العراقية على هذا التظلّم؟

سنوات عِجاف مَرّت على العراقيين وإيران تقصف أراضيهم بالمدفعية والمُسيّرات والصواريخ، ولم تتقدم الحكومات المُتعاقبة بشكوى واحدة على الأقل وتضعها على أدراج الأمم المتحدة، هل هي من سُخريات الأقدار أم من مهازل السياسة؟

النتيجة أن حجم الخراب في السيادة العراقية كان واضحا وكبيرا بحيث لم يعد ينفع أي ترقيع معه.

أجمل توصيف يُمكن وصف العلاقة بين إيران والعراق بمقولة “ضَرَبني وبكى، وسَبَقني واشتكى” حيث لم أجد تعبيرا أكثر دِقّة لهذا الفعل.

المأزق الداخلي والتوترات التي تمر بها إيران من مظاهرات واحتجاجات وفوضى جعلها تفكّر في خلط الأوراق أو حتى تتخيّل أن الماء الملوث من الممكن أن يُصبح صالحا للشرب، لكنها كانت واهمة لأن هذا الماء لا يُمكن شربه مهما بلغت درجة نقاوته.

لم تجد إيران غير العراق ذلك البلد الضعيف المُستسلم لواقعه وقدره لكي تشكوه إلى الأمم المتحدة فلا تستطيع أو حتى تجرؤ أن تتقدم بشكوى واحدة على الأقل ضد موجة الاغتيالات التي طالت ضبّاطها من الحرس الثوري على يد الموساد الإسرائيلي، ولا تستطيع أن تُفصح عن خفايا مَن يقصف مراكزها وحشودها المُتمركزة على الأراضي السورية أو حتى داخل الأراضي العراقية التي تصول في أجوائها الطائرات الإسرائيلية كما لو كانت في نُزهة.

إيران تشكو العراق الذي غابتْ عنه السيادة وضاعتْ هيبته عندما استولى عليه لصوص وسُرّاق ومصاصو دماء لم تعن لهم كلمة وطن أي معنى في مُذكرات حياتهم، لا يعرفون معنى السيادة، فَقَدوا وطنيتهم، مُرتزقة لا همَّ لهم سوى الانقضاض على خيرات البلد أو ما تبقّى منه، أمّا سيادته وكرامته وأمنه فلتذهب جميعها إلى الجحيم.

إيران تشكو العراق الذي تقصفه وتتجاوز على أراضيه كل يوم، ربما غاب عنها أنَّ من تشتكي عليهم في الحكومة هم أصدقاؤها أو من تحتفظ بعلاقات وطيدة معهم إلى حد الشراكة وأنها تُدين نفسها من خلال شكواها على هؤلاء لأنه اعتراف مُبطّن بفشلهم، وليتهم كانوا يُحسنون الحفاظ على سيادة البلد والوطن.

العراق الذي كان في يوم من الأيام يُطلق عليه عنوان “بوابة الأمة العربية” أصبح بلدا هزيلاً يحتضر وصورة مشوّهة لنظام سياسي معوّق بات لا يستطيع الحفاظ على أمنه وسيادته.

وطن تنقضّ عليه دول جوار كما الانقضاض على الفريسة حين تم نزع أثواب الوطنية والسيادة والحفاظ على شرف الأرض عنه.

هل يُمكن المقارنة بين عراق اليوم والأمس؟ سؤال بالتأكيد إجابته معروفة مُسبقا.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية