استمرار حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي للمعارضين في تركيا

استمرار حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي للمعارضين في تركيا


03/10/2020

إيان جيه لينش

تعتبر انتهاكات حقوق الإنسان سمة دائمة لمعاملة أنقرة للمعارضين منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016. فقد وصفت الحكومة حركة غولن التي تلومها على الانقلاب بأنها منظمة إرهابية، وبذلت جهودا لقمع أعضائها في الداخل والخارج.

يعتبر تحول الإدارة التركية إلى تبني عمليات الاختطاف والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية بمثابة تراجع كبير في ظل قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان.

قبل محاولة الانقلاب، كان أردوغان، خلال اضطلاعه بمهام رئاسة الوزراء، وحزب العدالة والتنمية الحاكم يتمتعان بشعبية لدورهما في الحدّ من انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت تستهداف بشكل روتيني المعارضين في عهد الإدارات التركية السابقة.

ويفيد تقرير جديد قدّمه المحامي يوهان هايمانز للمحكمة التركية تسجيل 25 حالة اختطاف في الداخل، و63 خارج الحدود الإقليمية نظّمتها الحكومة التركية، منذ 2016، ولكنها تنفي تورطها فيها. وفيما يتعلق بالفئة الأخيرة، أكد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إعادة 100 من أتباع غولن إلى تركيا قسرا. وقال المحامي هايمانز لموقع أحوال تركية إن لتركيا التزام قانوني حاسم باحترام حق مواطنيها في الحرية، وإن هذا الالتزام منصوص عليه في أهم النصوص القانونية الدولية (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) والمحلية (الدستور التركي). وتنتهك تركيا هذا الالتزام من خلال الاختطاف التعسفي لخصومها السياسيين.

كما يجب قانونيا على الدولة التحقيق في مزاعم عمليات الاختطاف. لكنها ترفض ذلك. وأكّد المحامي أن الأدلة المفيدة ترجع إلى جهود أفراد عائلات المخطوفين.

بالتوازي مع عمليات الاختطاف خارج نطاق القضاء، تستغل وزارة الداخلية التركية سلطتها لفصل المسؤولين المنتخبين للاشتباه في روابطهم بأتباع غولن أو بحزب العمال الكردستاني المحظور الذي قاد تمردا ضد الدولة لعقود.

في حالة الطوارئ التي تلت الانقلاب الفاشل، عدلت حكومة أردوغان بقيادة حزب العدالة والتنمية قانون البلديات للسماح بإقالة المسؤولين المحليين للاشتباه في تورطهم في الإرهاب، واحتجازهم رهن المحاكمة أثناء إجراء التحقيقات. ففي السابق ، كان اثبات الإدانة شرطا لعزل مسؤول منتخب.

يُنتهك القانون الآن على نطاق واسع بفصل المعارضين السياسيين واحتجازهم تعسفيا. قد يتم القبض على بعض الأفراد بناء على تهم صحيحة، ولكن غياب الأدلة في جل قضايا الإرهاب يسلط الضوء على انتهاك القانون.

وبحسب ما ورد، حققت وزارة الداخلية في 563 من 1875 محافظا، مما أدى إلى إقالة 470 من المسؤولين المنتخبين، بما في ذلك 43 في 8 سبتمبر، للاشتباه في وجود صلات تجمعهم بحركة غولن. واعتُقل 82 شخصا آخر في 25 سبتمبر، من بينهم نواب سابقون في البرلمان ورؤساء بلديات وزعماء أحزاب سابقون في حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو انتهاكات حقوق الإنسان التي تناولها تقرير هايمانز للمحكمة التركية. تختطف الشرطة التركية وسلطات المخابرات الأفراد المستهدفين على أنهم من أتباع غولن روتينيا في تركيا وخارجها. ويتبع عمليات الاختطاف غير القانوني هذه عمليات اختفاء قسري تتراوح بين أشهر وسنوات. وبينما لا يزال البعض في عداد المفقودين، يعاود معظم المختطفين الظهور في مراكز الشرطة المحلية أو في إدارة مكافحة الإرهاب في أنقرة.

تحذر الشرطة الأقارب وممثليهم القانونيين الذين يضغطون على السلطات لتحديد مكان وجود الأشخاص المختفين لوقف دعوتهم، ووصل الأمر إلى حد احتجازهم في عدة حالات. في الآونة الأخيرة، أصدرت وحدة مكافحة الإرهاب في أنقرة بيانا في 11 سبتمبر قالت فيه إنها احتجزت 48 محاميا و 12 عاملا في مجال القانون يمثلون موكلين متهمين بعلاقات مع منظمة غولن. وقالت الوحدة إن المشتبه بهم متهمون بتحريف التحقيقات "لصالح منظمة غولن الإرهابية تحت ستار نشاط المحاماة".

كان الاختطاف أداة استخدمتها الإدارات التركية السابقة في التسعينيات. ومع ذلك، لم تُحل سوى حالة واحدة فقط إلى فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي من 2002 إلى 2015، بانخفاض من 76 حالة في 1994 وحده. في الفترة نفسها، جعلت تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أولوية، الأمر الذي تطلب تحسينات كبيرة في حماية حقوق الإنسان.

زادت الحالات المحالة إلى الأمم المتحدة في أعقاب الانقلاب الفاشل في 2016. لكن من المفهوم على نطاق واسع أن إحصائيات الأمم المتحدة تبقى تمثيلا ناقصا. ووضح هايمانز أن "عائلات المختفين تعرضت للضغط والتهديد بسحب طلباتها إلى الأمم المتحدة بعد ظهور الضحايا مرة أخرى في حجز الشرطة بعد بضعة أشهر. رفض بعضهم ذلك بينما امتثل آخرون. وحدث هذا، على سبيل المثال، مع شكاوى سالم زيبيك وأوزغور كايا".

على الرغم من نفي الحكومة التركية التورط في عمليات الاختفاء المحلية، قال مصطفى ينير أوغلو، عضو البرلمان السابق عن حزب العدالة والتنمية، في مقابلة في مايو: "بدأت حالات الاختطاف في الوقت الذي كنت فيه رئيسا للجنة التحقيق في حقوق الإنسان. تحدثت بعد ذلك إلى الأشخاص المعنيين، وأخبرتهم أنه ما لم يظهر هؤلاء الأشخاص في غضون ثلاثة أسابيع، فسوف أقوم بدوري وأثير القضية على منصات مختلفة. في ذلك الوقت، تمكنا فيه من حل المشكلة وعاد هؤلاء الأشخاص جميعا إلى الظهور هنا وهناك، في مراكز الشرطة".

في الخارج، كثيرا ما يشارك جهاز الاستخبارات الوطنية التركية في تنظيم عمليات الاختطاف أو ممارسة الضغط على السلطات الأجنبية لإعادة الأفراد إلى تركيا بشكل غير قانوني دون موافقة الحكومة المضيفة في بعض الأحيان. على سبيل المثال، بعد أن رفضت محكمة الجرائم الخطيرة في باكو في أذربيجان طلب تركيا بالترحيل، اختطف جهاز الاستخبارات الوطنية عيسى أوزدمير أثناء مغادرته المحكمة ونُقل إلى إسطنبول. في كثير من الأحيان، تعاون جهاز الاستخبارات الوطنية مع أجهزة الأمن المحلية لتنفيذ عمليات سريعة تحرم المستهدفين من إجراءات الحماية الواجبة.

وقال مدير الأبحاث الخاصة في مؤسسة فريدوم هاوس، نيت شنكان، لموقع أحوال تركية: "في الأجواء الداخلية المسمومة في تركيا، أين تتعرض حركة غولن لشتم كل طرف، قد يبدو اعلان متابعتها في الخارج مفيدا سياسيا. حتى عندما تكون الأساليب غير قانونية".

على الصعيد الدولي، قال شنكان إنه دون مساءلة قانونية قوية، تبدو تركيا مستعدة لتحمل تكاليف علاقاتها الثنائية المختلفة.

وتابع: "قررت أنقرة أن اختطاف أعضاء حركة غولن يستحق العناء حتى لو سممت العلاقات مع سلطات كوسوفو أو مولدوفا على سبيل المثال. أتوقع أن يكون هذا لأن أنقرة تعتبر هذه الدول أصغر من أن تُحسب. وبقدر ما يلحق الضرر بالعلاقات مع دول مثل سويسرا والسويد وألمانيا، أعتقد أن أنقرة شطبت علاقاتها معهم بسبب أسلوبها المرتبط بجنون العظمة بالفعل والشك الذي تزايد خلال السنوات الست الماضية".

تعتمد الزيادة الكبيرة في الإجراءات غير القضائية ضد المعارضة على ثقافة الإفلات من العقاب التي تتبناها إدارة أردوغان. ومع ذلك، قال الخبير المختص بشؤون تركيا في جامعة سانت لورانس والزميل غير المقيم في منظمة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، هوارد إيسنستات، لموقع أحوال تركية: "لا يوجد سبب لافتراض أن كل هذا مخطط مركزيا. ما نراه هو مكونات مختلفة للدولة تعمل على مسارات مختلفة في اتجاهات متشابهة". ما هو واضح هو أن التوجيه العام للسعي إلى معاقبة أعداء للدولة بكل الوسائل لا يزال ساري المفعول، وهو في الواقع ركيزة أساسية للسياسة الخارجية والداخلية. ليس التطهير ملحقا لعمل الدولة، بل هو مهمة أساسية".

عن "أحوال" تركية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية