ماذا وراء الدعوة للتحقيق مع أردوغان في عمليات خصخصة مشبوهة؟

تركيا

ماذا وراء الدعوة للتحقيق مع أردوغان في عمليات خصخصة مشبوهة؟


10/12/2019

أطلق رئيس الوزراء التركي الأسبق، أحمد داوود أوغلو، أول من أمس، دعوةً للتحقيق مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حول عمليات خصخصة حصلت في الآونة الأخيرة، وطالت عدداً من البنوك التركية ومؤسسات الدولة.

اقرأ أيضاً: أنقرة تواصل استفزازها.. اتفاقية أردوغان والسراج ماذا تعني؟
وتأتي تلك الدعوة ردّاً من أوغلو على اتهام أردوغان له (بالاحتيال) في قضية تأسيس إحدى الجامعات التركية، وفق وسائل إعلام عديدة، إلا أنّ الدعوة التي وجهها أوغلو، تفتح الباب واسعاً على مجريات عمليات الخصخصة في تركيا خلال الأعوام الأخيرة، ونتائجها أثناء حكم أردوغان، والمستفيدين منها، فما هي التفاصيل؟ وهل تكشف انتهاكات وفساد محتملين كما يدّعي أوغلو؟

رجلان وصراع
بعد استقالة أحمد داوود أوغلو من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، في 13 أيلول (سبتمبر) الماضي، بدا في مناسباتٍ عديدة أنّ هنالك صراع قوى في تركيا، يأخذ طابعاً شخصياً، وأبطاله عديدون يقودهم أوغلو من جهة، والرئيس أردوغان من جهةٍ أخرى؛ حيث طال هذا الصراع إنجازات كلّ منهما في تركيا.

اعتمد أردوغان بصورة كبيرة على عملية خصخصة واسعة وبيع للممتلكات العامة للدولة لتحقيق نمو اقتصادي سريع

وبدأ هذا الصراع بالانكشاف بصورةٍ واضحة، بعد سعي أوغلو إلى تأسيس حزبٍ سياسيٍ منافس للعدالة والتنمية، وتراجع شعبية أردوغان عموماً في الفترة الأخيرة، مما استدعى، وفق موقع صحيفة "زمان" التركية، معاقبة أوغلو واتهامه بالاحتيال، وقد بدأ هذا من خلال تقويض بعض أعماله ومنجزاته العامة؛ حيث تمّ في "تشرين الأول (أكتوبر) الماضي من هذا العام الحجز على أصول جامعة "إسطنبول شهير" وحساباتها البنكية، وهي جامعة أسسها كلّ من أوغلو وعبد الله غول" وفق الصحيفة، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي؛ حيث هدف الحجز إلى جعل الجامعة غير قادرةٍ على العمل.
وبتفاقم أزمة الجامعة أطلق أوغلو تصريحاته مؤخراً، مطالباً "بفتح تحقيق حول عمليات خصخصة قادها أردوغان لبنوكٍ ومؤسساتٍ في الفترة الأخيرة، مطالباً في الوقت نفسه بـ "فتح ملف ثروة أردوغان"، وكانت تركيا قد وضعت أكثر من 100 مؤسسة حكومية من أهم مؤسسات الدولة في قائمة المؤسسات المطروحة للخصخصة، مستفيدةً من تشريع قانوني وافق عليه البرلمان عام 2016"، بحسب المصدر ذاته.


وبعيداً عن الأزمة والصراع بين أوغلو وأردوغان؛ فإنّ الخصخصة، التي تعني بيع المؤسسات والشركات العامة المملوكة للدولة، بدعوى عدم كفاءتها في القيام بوظائفها، بدأت في تركيا منذ عام 1985، وشملت، حتى عام 1997 "خصخصة بعض القطاعات الصناعية، كقطاع الإسمنت وبيع أكبر الشركات التركية، مثل شركة "سيتومان" و"يوساس"، والحديد والصلب، والمطارات وشركات الكهرباء"، وفق تقريرٍ لـ "الجوار برس" في أيلول (سبتمبر) الماضي.

الصراع بين فرقاء "العدالة والتنمية" كشف ملفات اقتصادية مخفية

أما في حقبة الرئيس أردوغان، فقد "اعتمد أردوغان بصورة كبيرة على عملية الخصخصة وبيع الممتلكات العامة للدولة لتحقيق نمو اقتصادي، ونتج عن تلك السياسة بيع عددٍ كبير من الشركات والمؤسسات التركية للمستثمرين الأجانب، فخلال 17 عاماً من فترة حكم "العدالة والتنمية"، بيعت معظم الشركات والمؤسسات الحكومية، مثل؛ مصانع السكر، ومصانع لإنتاج الأعلاف الحيوانية، ومناجم الكروم خلال عام 2009، كما تمّت خصخصة الشركة الوطنية للاتصالات، ومنحها لشركة "أوجير تليكوم"، والشركة التركية لمصافي النفط توبراش، وشركة بيتكيم القابضة للبتروكيماويات، وشركتَي غاز أساسيتين، وغيرها الكثير، حتى بلغت عمليات الخصخصة 125 عملية، على الأقل، تدرّ مبالغ قيمتها 62 مليار دولار"، بحسب المصدر ذاته.

اقرأ أيضاً: أردوغان يحبط مساعي إعادة قطر للبيت الخليجي
وقد حققت هذه العمليات الواسعة من الخصحصة في البداية طفرةً اقتصادية، جالبةً الكثير من الاستثمارات الخارجية ورؤوس الأموال الأجنبية، والاستفادة من هذه الأموال لتطوير القطاع العقاري والتوسع في إنشاء التجمعات السكانية، إلا أنّ النتائج النهائية كانت مخيبةً للآمال في النهاية، وتعبّر عن فشلٍ اقتصادي، وكان دور الصراع بين أوغلو وأردوغان الكشف عنه في النهاية؛ فما هي آثار هذا الفشل؟

البطالة والفقر وتراجع قطاعات تركية أساسية هي نتائج للخصخصة المتسرعة

العودة إلى الوراء
أسهمت عمليات الخصخصة التي قامت بها تركيا في إتاحة ما يقرب من 62 مليار دولار كما ذكر آنفاً، لكنّها لم تسهم في حلّ مشكلة الديون، التي "بسببها تحول الاقتصاد التركي من اقتصاد إنتاجي إلى اقتصاد استهلاكي، مما رفع حجم الديون، إضافةً إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وهو ما قاد الاقتصاد العام إلى الركود من جديد"، بحسب المصدر السابق، ومن الجدير بالإشارة؛ أنّ بيع أصول الدولة وخصخصتها في عملياتٍ واسعة مثلما حصل في عهد العدالة والتنمية، يتمّ غالباً في أوقاتٍ اقتصاديةٍ عصيبة، من أجل أن تتجاوز الدولة أزماتها في إدارة الاقتصاد العام، وفي الحالة التركية، ورغم المكاسب الأولية، انتهى بها الحال إلى الركود من جديد، بغضّ النظر عمّا تحققه الشركات الأجنبية من أرباح، وتحريك للتجارة والأسواق في الدولة. وفي هذا السياق، كان وزير الاقتصاد التركي الأسبق، علي باباجان، أشار إلى ملف الخصخصة، و"التجاوزات التي تمّت فيه من قبل أردوغان وابنه وصهره في بيع أصول وممتلكات الدولة وخصخصتها، مما زاد معدلات البطالة، وتراجع قطاع التعليم، وقطاعاتٍ أخرى عديدة في الدولة، متسائلاً: "خلال 17 عاماً من حكم حزب العدالة: 2 تريليون دولار حصيلة الضرائب، 70 مليار دولار قيمة الخصخصة، 500 مليار دولار ديون.. أين ذهبت هذه النقود؟" وفق موقع "أحوال تركية" في 23 أيلول (سبتمبر) الجاري.

وزير الاقتصاد التركي بباجان: 70 مليار دولار قيمة الخصخصة، 500 مليار دولار قيمة الديون، أين ذهبت هذه النقود؟

يبدو إذاً؛ أنّ صراع القوى بين فرقاء حزب العدالة والتنمية، الذين ما يزالون في قيادته، مثل أردوغان، وممن انسحبوا لتشكيل قوى جديدة، مثل أوغلو وبباجان، أخذ يفتح العديد من الملفات السياسية والاقتصادية في تركيا خلال العقد الأخير من حكم الحزب، خاصة أنّ الأزمة الاقتصادية آخذة بالاتساع في إطار عمليات الخصخصة وشبهات الفساد من حولها، وسط مشهدٍ يوحي بأنّ رجال "العدالة والتنمية" الذين قادهم أردوغان لأعوام، ربما كانوا يقتسمون المكاسب فيما بينهم على حساب اقتصاد بلدهم، والصورة الآن، ليست إلا صورة فشلٍ اقتصادي، تتم تغطيته سياسياً من أجل المناصب في السلطة، وتغيير الأقنعة، إلى حين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية