اقتصادية أم سياسية... ما الرسائل التي تحملها زيارة تبون لتونس؟

اقتصادية أم سياسية... ما الرسائل التي تحملها زيارة تبون لتونس؟


16/12/2021

وقّعت الجزائر وتونس أمس بقصر قرطاج بتونس العاصمة على (27) اتفاقية تعاون بين البلدين، ورأى مراقبون أنّ الزيارة تحمل الكثير من الرسائل السياسية المتعلقة بالإجراءات الاستثنائية التي فرضها قيس سعيد في تموز (يوليو) الماضي.

وتشمل الاتفاقيات الموقعة بين البلدين الجارين العديد من القطاعات؛ منها العدل والداخلية والطاقة والصناعات المتوسطة والصغيرة والناشئة والصناعات الدوائية والبيئة والشؤون الدينية والتربية والتأهيل المهني والصيد البحري والإعلام والثقافة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية.

اقرأ أيضاً: تونس بلا إخوان.. محطات مضيئة في "عشرية سوداء"

هذا، وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد استقبل أمس نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، في أول زيارة له إلى بلد مغاربي منذ انتخابه.

وكانت زيارة تبون إلى تونس مقررة منذ آذار (مارس) 2020، إلّا أنّ الوضع الوبائي في العالم حال دون ذلك.  

يُذكر أنّ ملامح تقارب وانسجام ظهرت بين البلدين من خلال تصريحات الرئيسين، لتأتي هذه الزيارة تتويجاً للإيجابية التي تشهدها العلاقات التونسية - الجزائرية، بحسب وصف مراقبين.

وفي حين يبدو أنّ هدف هذه الزيارة اقتصادي بحت، إلّا أنّ مراقبين يرون فيها شقاً سياسياً، يُظهر دعم الجزائر لتونس، خصوصاً بعد القرارات الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيد ضد حركة النهضة الإخوانية وضد الفاسدين، في 25 تموز (يوليو) الماضي.

 

الجزائر وتونس توقعان على (27) اتفاقية تعاون في قطاعات العدل والداخلية والطاقة والصناعة والبيئة والشؤون الدينية والتربية والتأهيل المهني والصيد البحري والإعلام

 

وحول الزيارة، قالت الرئاسة الجزائرية: "بدعوة من رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد، يشرع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في زيارة إلى تونس الشقيقة تدوم يومين، ابتداء من الأربعاء".

وأضاف البيان: "تندرج هذه الزيارة في إطار تمتين علاقات الأخوة المتجذرة بين الشعبين الشقيقين، وتوسيع مجالات التعاون والارتقاء بها إلى مستوى نوعي يُجسِّد الانسجام التام والإرادة المشتركة لقيادتي البلدين وشعبيهما".

اقرأ أيضاً: تونس: الحزب الدستوري الحر يعيد ملف اتحاد علماء المسلمين إلى الواجهة

وتأتي زيارة تبون إلى الجارة الشرقية تونس ردّاً للزيارة التي قام بها قيس سعيّد إلى الجزائر في شباط (فبراير) 2020.

ويترأس الرئيس تبون وفداً كبيراً سيشمل نصف الطاقم الوزاري، خاصة المسؤولين عن الاقتصاد.

ومنذ توليه منصبه، واصل الرئيس الجزائري تأكيده على متانة العلاقات بين البلدين، إذ شدد أنّ ما يمسّ تونس يمسّ الجزائر، وأنّ بلاده لا تتدخل أبداً في شؤون تونس الداخلية، ومن يهدد أمنها، "فسيجدنا بالمرصاد"، وفق ما نقلت "الإندبندت بالعربية".

وكان الرئيس تبون قد أمر العام الماضي بوديعة بقيمة (150) مليون دولار للبنك المركزي التونسي، وقدّم تسهيلات لتونس بخصوص دفع فاتورة الغاز والمحروقات المصدرة من الجزائر.

 

مراقبون يرون أنّ لزيارة تبون شقاً سياسياً، يُظهر دعم الجزائر لقيس سعيد في الإجراءات التي اتخذها ضد حركة النهضة الإخوانية في 25 تموز الماضي

 

وذكرت الجريدة الرسمية التونسية أول من أمس أنّ تونس تسلمت قرضاً بقيمة (300) مليون دولار من الجزائر، وذلك قبل يوم من استضافتها للرئيس الجزائري في زيارة تستمر يومين.

وتأتي الزيارة أيضاً قبل نحو أسبوع من موعد الانتخابات الليبية، حيث يتطابق الموقفان الجزائري والتونسي حول الأزمة الليبية، وتمثل الزيارة فرصة للبلدين من أجل التباحث حول التطورات المرتقبة هناك، وبلورة موقف موحد بشأن الحدث الأبرز والمتمثل في الانتخابات، وسبل دعم ليبيا للخروج من أزمتها.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة في اختبار "الحياة أو الموت" في تونس: الانتخابات أو الشارع

وتُعدّ تونس ثاني محطة خارجية للرئيس الجزائري منذ توليه الحكم نهاية 2019، حيث سبقتها زيارته الأولى في شباط (فبراير) 2020 إلى السعودية.

وتعليقاً على الزيارة، قال الكاتب الصحفي التونسي أيمن بن عمر: "إنّ زيارة الرئيس الجزائري تحمل (3) أبعاد؛ اقتصادية واستراتيجية وسياسية."

وحول البُعد الاقتصادي، قال بن عمر في تصريح لـ"سكاي نيوز": "إنّ الرئيسين سيبحثان تعزيز التعاون بين البلدين، وسيتمّ التوقيع على العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والصناعة والتجارة، وربما تقديم بعض الدعم المالي لتونس، على غرار القرض الجزائري السابق".

أمّا عن البُعد الاستراتيجي، فقد أوضح أنّه تعزيز التعاون الأمني بين تونس والجزائر في ظلّ ما تشهده المنطقة من تحركات، خاصة الملف الليبي والانتخابات المرتقبة خلال أيام.

 

تونس تسلمت قرضاً بقيمة (300) مليون دولار من الجزائر، وذلك قبل يوم من استضافتها للرئيس الجزائري تبون

 

وأشار إلى أنّ للزيارة بُعداً سياسياً أيضاً، وهو تأكيد الرئيس الجزائري على دعمه المطلق للرئيس سعيّد، بعد القرارات الاستثنائية التي شهدتها البلاد في 25 تموز (يوليو) الماضي، بإقالة الحكومة، وتعطيل عمل البرلمان الذي كانت تسيطر عليه حركة النهضة الإخوانية.

وأوضح أنّ الزيارة تأتي أيضاً بالتزامن مع الاحتفال بعيد الثورة الجديد 17 كانون الأول (ديسمبر) الجاري الذي اختاره سعيّد، وقد يشارك فيه تبون.

اقرأ أيضاً: قيس سعيد يغير موعد الاحتفال بالثورة التونسيّة.. أيّ رسالة أراد توجيهها؟

من جهته، اعتبر مستشار العلاقات الدولية عبد الله العبيدي أنّ "تونس في حاجة إلى مثل هذه الزيارة في هذا الوقت بالذات، خصوصاً أنّ تصريحات رئيسي البلدين جاءت منسجمة مرات عدة".

 

سيدمو: التوقيت الحساس لزيارة عبد المجيد تبون يعكس بوضوح دعم الجزائر للرئيس قيس سعيد باعتباره السلطة الأقوى في تونس

 

وأضاف أنّه "طوال العشرية الأخيرة كانت الجزائر إلى جانب تونس في كل الأزمات التي حلت بها بطريقة ملموسة، سواء عن طريق القروض المالية، أو منح تسهيلات في مجال الطاقة".

ورأى العبيدي أنّ "الجزائر لديها مشاكل دبلوماسية مع المغرب وأيضاً مع فرنسا، فهي بالتالي تحتاج إلى دعم تونس".

وتابع: "المنطقة تواجه أطماعاً خارجية، فهي مستهدفة أمنياً، خصوصاً في ليبيا التي تشهد حالة عدم استقرار زعزع أمن شمال أفريقيا ككل، وبالتالي تونس والجزائر تجمعهما الهواجس والأهداف ذاتها التي تهمّ المنطقة ككل، فالبلدان يحتاجان إلى الاستقرار الأمني والسياسي الإقليمي".

وعبّر العبيدي عن اعتقاده بأنّ "التقارب والانسجام بين تونس والجزائر يمكن أن يكون نواة أوّلية لتفعيل بعض الاتفاقيات الموجودة وغير المفعلة في إطار الاتحاد المغاربي، نظراً إلى الأوضاع الراهنة في ليبيا، أو في ظل توتر العلاقة بين الجزائر والمغرب".

 

أيمن بن عمر: زيارة الرئيس الجزائري إلى تونس تحمل (3) أبعاد؛ اقتصادية واستراتيجية وسياسية

 

من جانب آخر، قال الكاتب الصحافي الجزائري عثمان لحياني: إنّ "التوقيت السياسي للزيارة خطأ، إذ يبدو وكأنّ السلطات الجزائرية تدعم طرفاً سياسياً على آخر في تونس، وهو قيس سعيد مقابل خصومه المحليين، وذلك بعد اتخاذه إجراءات 25 تموز (يوليو) السابق".

وأوضح لحياني أنّ "حديث الرئيس تبون الذي سبق الزيارة يؤكد أنّ هدفها اقتصادي بامتياز، إضافة إلى أنّ الوفد المرافق للرئيس الجزائري، الذي يضم وزير الطاقة ووزير الصناعة ووزير التجارة، يعزز طابعها الاقتصادي".

وأضاف أنّ "الجزائر تريد أن تغيّر المحدد الأساس لعلاقتها بتونس، من محدد سياسي - أمني إلى محدد اقتصادي بالدرجة الأولى، يعود بالمنفعة على البلدين والشعبين".

لحياني: التوقيت السياسي للزيارة خطأ، إذ يبدو وكأنّ السلطات الجزائرية تدعم طرفاً سياسياً على آخر في تونس

 

وفي الإطار ذاته، رأى الصحافي الجزائري محمد سيدمو أنّ "التوقيت الحساس لزيارة عبد المجيد تبون يعكس بوضوح دعم الجزائر للرئيس قيس سعيد باعتباره السلطة الأقوى في تونس، والتي تلتف حولها مؤسسات الدولة وأجهزتها، وهذا مهم جداً؛ كونه يضمن استمرارية الدولة التونسية التي تمثل بالنسبة إلى الجزائر جاراً استراتيجياً؛ كونه البلد الوحيد في المحيط الذي يمكن لها التعاون معه في المجالات الاقتصادية والأمنية ومكافحة الإرهاب، والتعاون على حلّ أزمات المنطقة الإقليمية وتحديداً ليبيا".

وقال سيدمو: "صحيح أنّ الجزائر تمتنع عن إبداء الرأي في مسائل تخصّ الشأن الداخلي التونسي؛ لأنّ ذلك يتعارض مع خطها الدبلوماسي، لكنّها عبر تصريحات مسؤوليها والمساعدات المالية السخية، تؤكد أنّها لا تعارض توجّه قيس سعيد بل تتفهمه، وما يؤكد ذلك تصريح الرئيس الجزائري الذي ذكر صراحة أنّ تونس اعتمدت نظاماً سياسياً لا يتناسب مع ما هو معمول به في العالم الثالث والمنطقة؛ أي إنّ الجزائر تفضّل التعامل مع نظام رئاسي مباشر يشبهها، بدل النظام في تونس الذي أدى إلى حالة الانسداد الحالية"، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس".

 

الزيارة تأتي بالتزامن مع الاحتفال بعيد الثورة الجديد 17 كانون الأول الجاري، الذي اختاره سعيّد، وقد يشارك فيه تبون

 

واعتبر الصحافي الجزائري أنّ "زيارة تبون إلى تونس تعني بالنسبة إلى قيس سعيد أنّه قوي، ويحظى بالاعتراف، وقادر على استقطاب الدعم المالي الذي هو حجر الزاوية في الأزمة التونسية؛ إذ إنّ الشعب التونسي يعتقد أنّ أبرز إشكالات النظام الذي عطله سعيد أنّه لم يحقق التنمية".

هذا، وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد منح الرئيس الجزائري القلادة الكبرى للوسام الوطني للاستحقاق.

وأفاد موقع الرئاسة التونسية بأنّ مراسم تقليد تبون بوسام الاستحقاق جرت مساء أمس  بقصر قرطاج.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية