حركة النهضة في اختبار "الحياة أو الموت" في تونس: الانتخابات أو الشارع

حركة النهضة في اختبار "الحياة أو الموت" في تونس: الانتخابات أو الشارع


14/12/2021

رغم مطلب حركة النهضة الإخوانية خلال الشهور الماضية بفكّ تجميد البرلمان، فإنّ المراقبين للمشهد التونسي، فضلاً عن الحركة نفسها، يدركون أنّ ذلك المطلب من غير الوارد تحقيقه، وأنّ ما بدأه الرئيس التونسي في 25 تموز (يوليو) الماضي، بقرارته الاستثنائية لضبط المشهد السياسي أو إقصاء الحركة، فإنّه لا بدّ ناهيه؛ أي إنّ البرلمان الذي تجمّد لا يمكن أن يعود نفسه إلى الحياة.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة تستغل الحريق في مقرها وتحذر من المساس بالدستور

بالأمس، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، أخيراً، عن خريطة طريق تحمل توقيتات واضحة ومحددة، تبدأ باستفتاء على تعديلات دستورية، تنتهي في آذار (مارس) المقبل، وتنتهي في كانون الأول (ديسمبر) 2022، أي إنّ تونس على موعد مع عام آخر من المرحلة الانتقالية.

ولم يتحدث الرئيس خلال خطابه المتلفز، الذي أفاض فيه كعادته في سرد المؤامرات التي تتعرّض لها تونس، ودوافعه للتحرك ضدّ الفساد، والرغبة في جني المكاسب من قبل البعض من السلطة ...، لم يتحدث عن مضمون الاستفتاء الدستوري، أو الجهة التي ستتولى وضع تلك التعديلات، أو الضمانات والجهة التي ستشرف عليها، بحيث تعزز الثقة في العملية برمّتها، وتقلص مساحة الاتهامات بالاستئثار بالسلطة من قبل الرئيس.

 

الحركة والمعارضة التي اتسعت تعلمان أنّ التعويل على التظاهرات ربما يمثل ضغطاً، لكن من المستبعد أن يؤدي إلى التراجع عن الخريطة الزمنية

 

ومن المتوقع أن تتضمّن تلك التعديلات التحوّل إلى النظام الجمهوري، بدلاً من النظام المختلط الذي يملك فيه البرلمان نفوذاً واسعاً، وأن يقتصر دور الرئيس على إدارة الشؤون الخارجية، وتمثيل الدولة، وهو النظام الذي أضرّ بتونس في ظلّ تواجه قوتين غير منسجمتين في الرئاسة والبرلمان خلال الفترة الماضية.

اقرأ أيضاً: حريق في المقر الرئيسي لحركة النهضة... ما القصة؟

وكان لافتاً الصمت الذي اعترى حركة النهضة عقب خطاب الرئيس، فالحركة، حتى كتابة التقرير، بعد أكثر من (16) ساعة من الخطاب، لم تصدر بياناً واحداً رسمياً يُعلّق على الخطاب أو يكشف التوجه المقبل، ورغم أنّ ذلك التوجه أو النهج الذي ستسلكه الحركة متوقع ومعلوم، بداية من الرفض، وصولاً إلى الإذعان، ومحاولة لملمة أوراقها، فإنّ تأخير صدور بيان رسمي بذلك يعكس القلق والتريث والتفاوض، أو التواصل مع قوى أخرى بحثاً عن موقف موحد.

وسبق أن جرّبت حركة النهضة مسار التظاهر عقب قرارات الرئيس في تموز (يوليو) الماضي، والمغالاة في الرفض، والتهديد المبطن أو الصريح، لكنّها بعد أيام قليلة أدركت صفرية ذلك المسار، خصوصاً في ظلّ المظاهرات المواجهة التي كانت تنطلق تأييداً للرئيس التونسي، وربما لاح في أفقها السيناريو المصري، الذي أسفرت فيه مواجهة الجماعة للنظام عن القضاء عليها وموتها إكلينيكياً، وأرادت الحركة أن تتجنبه.

اقرأ أيضاً: باحث تونسي يقارن بين "الموساد" و"النهضة" في التخلص من الخصوم

وانطلاقاً من الموقف ذاته، فإنّ الحركة والمعارضة، التي اتسعت في ظلّ اتساع الفجوة الزمنية بين القرارت الأولى للرئيس والجدول الزمني، تعلمان أنّ التعويل على التظاهرات ربما يمثل ضغطاً، لكن من المستبعد أن يؤدي إلى تراجع عن تلك الخريطة.

 

قاسم بلمبارك: النهضة تسعى حالياً لتركيز جهودها على منع إجراء انتخابات نيابية مبكرة، كونها قد تؤثر على وجودها على الساحة السياسية عموماً

 

وبالتالي، يبقى أمام حركة النهضة سبيل واحد، وهو إخراج شهادة ميلاد جديدة ضمن صفوف المعارضة، عبر الاستعداد للانتخابات المقبلة، ومحاولة الدخول في تحالفات تضمن للحركة تمثيلاً جيداً في البرلمان التالي؛ كي لا تخرج تماماً من المشهد.

ويمثل ذلك الخيار تحدياً أمام الحركة، في ظلّ الانشقاقات الواسعة التي ضربتها، والأزمة الداخلية التي تعيشها.

في غضون ذلك، يرى المحلل السياسي قاسم بلمبارك أنّ النهضة تسعى حالياً لتركيز جهودها على منع إجراء انتخابات نيابية مبكرة، كونها قد تؤثر على وجودها على الساحة السياسية عموماً، لافتاً إلى أنّ الحركة في ظلّ أزماتها الداخلية غير قادرة على خوض معركة انتخابية جديدة، لا سيّما أنّ الخلافات بين قياداتها ستحدّ من قدرتها على حشد أنصارها في الشارع.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة وملف تسفير الجهاديين... كيف يكذب علي العريض؟

ويضيف بلمبارك، بحسب ما أورده "مرصد مينا"، أنّ الحركة تتأثر بشكل كبير بتطورات المشهد الإقليمي، وتراجع نفوذ الإخوان المسلمين عموماً، وتبدلات الموقف التركي وانتقاله إلى ضفاف بعيدة عن دعم الإخوان المسلمين، وهو ما قد يؤثر على وضع الحركة داخل تونس، سواء على مستوى دوائر الحكم، أم على الحياة السياسية ككل، لافتاً إلى أنّ قرارات سعيد، على الرغم من إثارتها الجدل من الناحية القانونية، إلا أنّها بنسبة كبيرة تنسجم مع توجهات طيف سياسي كبير داخل تونس؛ الذي يتبنّى فكرة إقصاء انفراد الإخوان المسلمين في السلطة.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يلعب بآخر أوراقه.. فهل احترقت مراكب النهضة؟

أمّا عن الإمكانيات التي تمتلكها الحركة للخروج من المأزق الحالي، فيشير بلمبارك إلى أنّها إمكانيات محدودة، خاصة أنّها فشلت في تحريك الشارع طيلة (4) أشهر ماضية، معتبراً أنّ الحركة من المرجح أن تنصاع في نهاية المطاف إلى مسألة الانتخابات المبكرة.

الإعلان عن جبهة معارضة

غداة إعلان الرئيس عن الخريطة السياسية، أعلنت (14) شخصية سياسية تونسية عن تأسيس "اللقاء الوطني للإنقاذ"، الذي يهدف إلى توحيد الجهود بين القوى الوطنية لبلورة خطة إنقاذ اقتصادي واجتماعي.

وتبدو اللهجة المعارضة التي تتناول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الأكثر قدرة على البقاء، خصوصاً في ظلّ ما يعانيه المواطن التونسي من أزمات أدت إلى ارتفاع معدل التشاؤم.

وقد كشف البارومتر السياسي لشهر كانون الأول (ديسمبر)، الذي أعدّته مؤسسة سبر الآراء "سيغما كونساي" بالتعاون مع جريدة "المغرب"، كشف تراجعاً مهمّاً في مؤشر التفاؤل عند التونسيين بحوالي (30) نقطة خلال شهرين.

اقرأ أيضاً: على أنقاض النهضة.. مناورة إخوانية بحزب جديد في تونس

وبحسب البارومتر السياسي، فقد بلغت نسبة المتفائلين من المستجوَبين 46%، وتتعادل لأوّل مرّة منذ 25 تموز (يوليو) مع منسوب التشاؤم، المقدّرة نسبته بـ 47%، بحسب ما أورده موقع صدى البلد. من جانب آخر، ووفق الباروميتر السياسي الصادر في جريدة المغرب الصادر في 14 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، فإنّ 47% من التونسيين المستجوَبين يعتبرون أنّ تونس تسير في الطريق الخطأ.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية