الخطاب الديني الرقمي والترويج للتطرف

الدين والتكنولوجيا

الخطاب الديني الرقمي والترويج للتطرف


14/02/2018

يتحول الاختلاف إلى تطرّف، في حال رفض طرفٌ رأي الآخر ومارس عنفاً لفظياً "مكتوباً" أو مصوراً ضده، وهذا العنف في الخطاب، ينتقل بسهولةٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، ويجد له صدى من خلال تكراره وتبنّي فئات من المتلقين له، خصوصاً من قبل من يسمّون بـ"الدعاة الجدد".

الفيسبوك متنفساً

ويمتاز موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بانتشاره العالمي الواسع، وتفوقه خلال العقد الأخير  على عددٍ كبيرٍ من وسائل الإعلام والتواصل التي باتت تعتبر تقليدية بعد أن منح الموقع لمستخدميه مساحة "حرة" تمكنهم من استعمال النصوص والصور وملفات الفيديو التي يمكن أن يتم بثها مباشرة من أي مكان ولكل مكانٍ في العالم، إضافة لتميزه بإبقاء "المحتوى" لكل مستخدم متاحاً للتفاعل والتبادل بين المستخدمين في كل وقت.

وفي إحصائية أخيرة لموقع " www.internetworldstats.com"، فإن مستخدمي أو أصحاب الحسابات بموقع فيسبوك في منطقة الشرق الأوسط تجاوز حاجز الثمانين مليون مستخدم "86.700.000" حتى تاريخ 26 حزيران (يونيو) 2017، وفي الأردن مثلاً، يوجد أكثر من أربعة ملايين شخصٍ يملكون حساباتٍ على الموقع، بحسب الإحصائية نفسها.

انطلق المتشددون على مواقع التواصل الاجتماعي من أرضيةٍ رقمية مهّد لها الإسلام السياسي

وبسبب نتائج تظهرها مثل؛ هذه الإحصائية وغيرها، اتجهت معظم وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية من صحف ومجلات سواء أكانت سياسية أو ثقافية أو علمية أو سواها، لنشر رسائلها وموادها على الموقع الذي يتيح لها الوصول لأكبر عددٍ ممكنٍ من الناس، ومن هنا، فإنّ المواد الدينية التي يقدمها أفراد أو مؤسسات أو حتى حركاتٌ متشددة، وجدت طريقها هي الأخرى عبر الموقع، الذي أدرك مروجو الخطاب الديني أياً كان هدفهم، أهميته.

خلال الربيع العربي منح فيسبوك، بسبب تمتعه بحرية التعبير، الفرصة للحركات الإسلامية لنشر خطابها

الجهل "التواصلي"

فبعد شاشة التلفاز، والراديو والصحافة، صار للدعاة صفحاتهم التي تجذب المتلقين، لأهدافٍ مختلفة يحملونها، ويتيح لهم موقع فيسبوك الذي "منح ديموقراطية غير مسبوقة" أن يقوموا بنشرها، ويرى الباحث المغربي في علم الاجتماع الديني والسياسي عكاشة بن المصطفى في بحث له بعنوان "الإسلاميون ومواقع التواصل الاجتماعي" أنّ جيل الإسلاميين الجدد "أكثر انفعالاً وتوتراً"، وأن وسائل التواصل تشكل حقلاً مثالياً لهم لخلق بيئة تكوينية سريعة.

ويوضح بن المصطفى، في بحثه، أسباب انتشار الجهل والتطرف في المجال الرقمي، فيرى "عدم مرور هؤلاء الإسلاميين بمراحل مؤسسية وثقافية طويلة، يحتاجها حاملو الفكر الديني حتى تتشكل رؤيتهم ويتضح كيانهم الذاتي والاجتماعي"، مبيناً أنهم "يعتمدون في تكوينهم على عددٍ محدود من الكتب والمجلات والقراءات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي"، وهو ما يؤدي إلى انتشار الجهل والتطرف وانتشار معلومات غير صحيحة وفتاوى سريعة وسهلة.

منحت وسائل التواصل فرصةً لتلفيق أي مواد مكتوبة أو مرئية وتحطيم بعض القيم الدينية والمجتمعية

وبينما تسمح وسائل التواصل للإسلاميين وبعض الدعاة الجدد بانتقاء مراجعهم وشيوخهم وتحررهم من الانتماء لمؤسسة بعينها، وتوظيف خطابهم، وفق مصالح ما، فإنهم وكما يرى الباحث، يتمكنون من "مأسسة الكذب، بدءاً من استخدامهم الأسماء المستعارة في الدخول والتفاعل"، وهو ما يمنح، وفق الباحث، "فرصة لتلفيق أي مواد دينية أو غير دينية، مكتوبة أو مرئية، وتحطيم بعض القيم الدينية والمجتمعية بحد ذاتها؛ كالصدق والنزاهة".

منصات للكذب والتحريض

وبصعود أحداثِ "الربيع العربي"، بدأ تأثير فيسبوك أكثر وضوحاً، فهو الذي سمح للأفراد بالتواصل وحرية التعبير، وسرعة انتشار الأحداث وتبادلها، وإنشاء تكتلاتٍ شعبية أو سياسية مختلفة بسرعة وسهولة، لكنه وبالمقابل، منح بفضل ميزاته هذه، الفرصة للحركات الإسلامية لنشر خطابها مستغلةً "الضعف السلطوي" في بعض البلدان العربية، لتقوم بالترويج لشعاراتٍ من قبيل "الإسلام هو الحل"، دون أن يتضح مدى نزاهة ما يحتويه خطابها الديني والسياسي على الإنترنت وموقع فيسبوك تحديداً.

وتورد صحيفة "العرب" اللندنية واحداً من الأمثلة على هذا النوع من الاستغلال، خلال تقرير نشرته بتاريخ 15 آب (أغسطس) 2013، حول نشر جماعة الإخوان المسلمين على مواقع التواصل الاجتماعي أخباراً مغلوطة قامت ببثها قناة "الجزيرة" القطرية بعد تصاعد المظاهرات ضد حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، "بتحويل المظاهرات المعارضة لجماعة الإخوان المسلمين إلى مؤيدة، كما "بالغت في تصوير الاعتداءات على اعتصامات الإخوان".

تسمح وسائل التواصل للإسلاميين وبعض الدعاة الجدد بانتقاء مراجعهم وشيوخهم وتحررهم من الانتماء لمؤسسة بعينها

وأورد التقرير أنّ "القناة عرضت مقطع فيديو للشيخ حافظ سلامة يؤيد فيه الرئيس مرسي، ثم اتضح بعد ذلك أن مقطع الفيديو كان قديماً".

وفي حالات أخرى كحالة الداعية الإخواني يوسف القرضاوي، فإن فتاواه يتم تداولها بين الناس على مواقع التواصل الاجتماعي حتى لو كانت تدعو "للتحريض على العنف والقتل"، كما جاء في تقريرٍ منشورٍ على موقعِ قناة العربية بتاريخ 9 حزيران (يونيو) 2017. وتأتي سهولة انتشار الفتاوى بسبب وجود من يتبناها، ويدعم أصحابها مثل القرضاوي وسواه.

ترويج التطرف رقمياً

ويرى الباحث اللبناني المختص بالحركات الإسلامية هيثم مزاحم في ورقة بحثيةٍ له نشرها مركز المسبار على موقعه الإلكتروني في شباط (فبراير) 2015 أنّ "الجهاديين أفادوا من فوضى الربيع العربي"، ومن وجود أرضية إسلامية رقمية ربما مهدها الإسلام السياسي، ولم يكتفوا بالترويج للتطرف والكراهية، بل حاولوا أيضاً "رصد ردود الأفعال على خطابهم المتشدد واستقطاب الشباب ومحاولة مخاطبتهم بأحدث الوسائل التكنولوجية".

وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت للمتطرفين رصد ردود الأفعال على خطابهم المتشدد واستقطاب الشباب بأحدث الوسائل التكنولوجية

مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً موقع فيسبوك، تحاول منذ منتصف العام 2017، رصد وإزالة أي خطاب كراهية وعنف على منصاتها، سواء أكان دينياً أم غير ذلك، فيما تتجه دراساتٌ عديدة، للتحذير من خطر تكثيف أي خطابٍ متطرفٍ رقمي، يمكن أن تظهر آثاره المدمرة على أرض الواقع، كما كشفت تقارير عالمية في الآونة الأخيرة، منها تقرير معهد "سوفان" الأمني، المنشور خلال تشرين الأول (أكتوبر) 2018، الذي أشار إلى وجود ما لا يقل عن 7000 مقاتل في تنظيم داعش الإرهابي تم تجنيدهم من بلدان الشرق الأوسط.

تكثف المؤسسات الدينية كالأزهر نشاطها في الوقوف ضد المواد الدينية التي يتم استغلالها بترويج العنف

حلول من جنس المشكلة

ويتلخص موضوع الخطاب الديني الرقمي، في كونه لا يخضع لرقابة مؤسسية علمية وأخلاقية واضحة، ولعب دوراً في تصعيد خطابٍ متشددٍ ومتطرف بفضل وجود أرضيةٍ رقمية من الفتاوى والتشريعات والآراء الدينية الخاضعة لمصالح الأفراد أو جماعاتِ الإسلام السياسي، في بيئةٍ تسمح بحرية التعبير والتواصل الحر من ناحية، وبعلمنة ونشر التطرف كأي سلعةٍ رقميةٍ من خلال صورٍ ونصوصٍ ومقاطع فيديو مصورة.

أما الحلول، فإنها كما يبين تقرير معهد "سوفان"، من جنس المشكلة؛ إذ تكثف المؤسسات الدينية والاجتماعية كالأزهر في مصر، أو دولٌ كالإمارات العربية المتحدة، والأفراد الفاعلون، نشاطهم وخطابهم في الوقوف ضد المواد الدينية المفبركة أو التي يتم استغلالها بترويج العنف، وتقوم بتحديد مصادر التشريع والفتوى الإسلامييَن، بحيث يكون التسامح والتعايش والتواصل، حالةً اجتماعية صحية في المجتمع الرقمي، تماماً مثلما في الحياة اليومية، خصوصاً أن احتكار الحقيقة الذي يتبعه أمثال بعض "الدعاة الجدد" وحركات الإسلام السياسي، يهدف عادة لخدمة مصالحهم السياسية والمادية، مهما تكلف ذلك من تدمير لبنية المجتمعات، كما حاول أن يوضح هذا التقرير.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية