الانتخابات الأمريكية: لماذا يسعى الإخوان لسرقة أصوات المسلمين؟

الانتخابات الأمريكية: لماذا يسعى الإخوان لسرقة أصوات المسلمين؟


01/11/2020

لطالما كانت الانتخابات الأمريكية مثيرة للاهتمام والمتابعة، غير أنّ الانتخابات المقبلة ذات أهمية خاصة، ففي ظل احتمالات وصول إدارة ديمقراطية للبيت الأبيض بعد أيام قليلة، ارتفعت حرارة الانتخابات الأمريكية وتجاوزت كل التوقعات. فترامب الذي حاز على أصوات المسلمين في الانتخابات السابقة قد يخسرها بسبب تحركات المنظمات الإخوانية في المجتمع الأمريكي، وقناعاتهم بأنّ "جو بايدن" سوف يمثل امتداداً لسياسة الرئيس السابق "باراك أوباما" ووزيرة خارجيته "هيلاري كلينتون" كمساند لتيار الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين)، والدفع بعودتهم إلى الساحة السياسية إن لم يكن إلى الحكم، وهذا بعكس الرئيس "دونالد ترامب" الذي لم يدعم الإخوان المسلمين ولم يفتح لقياداتهم أبواب البيت الأبيض.

ولم يعد خافياً حصول "بايدن" على دعم كبير من المنظمات الإسلامية، وخاصة تلك التي لها روابط تاريخية مثيرة للجدل مع جماعة الإخوان المسلمين، مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، كما قام عدد من كبار المسؤولين المسلمين بإعلان دعمهم لبايدن، من بينهم عضوة الكونغرس "إلهان عمر" ذات الأصول الصومالية وأول مسلمة محجبة تدخل الكونغرس، وكذلك عضوة الكونغرس "رشيدة طليب" الأمريكية من أصل فلسطيني، وهما ديمقراطيتان، وكذلك المدعي العام لولاية مينيسوتا "كيث إليسون" الديمقراطي أيضاً، وقاموا بتحركات كثيفة لجمع أصوات المسلمين لصالح بايدن بتويتر والسوشيال ميديا، وهو ما يُعدّ توظيفاً للدين الإسلامي في ظاهرة انتخابية جديدة على المجتمع المسلم الأمريكي.

ترامب الذي حاز أصوات المسلمين بالانتخابات السابقة قد يخسرها بسبب تحركات المنظمات الإخوانية

وفي سياق استجداء الديمقراطيين لأصوات المسلمين الأمريكيين، غازلهم "بايدن" باستخدامه المصطلح الإسلامي "إن شاء الله" في مناظرته الأولى مع ترامب، والتي عقدت في ٢٩ سبتمبر، وفي الأيام الأولى من انطلاق حملته الانتخابية، إضافة إلى تسجيله مقطع فيديو يحث المسلمين على الانضمام إلى حملته، واستشهد بحديث للنبي محمد، عليه السلام، يحث فيه المسلمين على أن يكونوا فاعلين بشكل إيجابي في تغيير الوضع القائم إذا كان لا يرضيهم.

اقرأ أيضاً: الإخوان والانتخابات الأمريكية (2 من 4): فترة أوباما العصر الذهبي لجماعات التطرف

وحول تحركات الإخوان المدعومة من شخصيات أمريكية مسلمة للتواصل مع الكتل التصويتية المسلمة، وآثار تلك الأنشطة على السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، يقول الباحث والخبير في الشأن الأمريكي، الدكتور حسام حسن: "لعب الديمقراطيون الدور الرئيسي في دعم الإخوان وصعودهم للحكم في منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث "الربيع العربي"، وتغافلوا عن حقيقة أساسية وهي أنّ جماعة الإخوان المسلمين هي مصدر الفكر المتطرف للجماعات الإرهابية"، موضحاً في حديثه لـ"حفريات": "لذا تمثل انتخابات 2020 فرصة مناسبة أمامهم للعودة، وقد توافقت هذه المصالح مع مصالح الديمقراطيين للحصول على أصوات المسلمين، فتحركت شخصيات بارزة في أوساط الجاليات العربية والإسلامية مثل النائبة إلهان عمر، ورشيدة طليب، وهما عضوتان في مجلس النواب الأمريكي، لحشد الأصوات لجون بايدن، وذلك بسبب انتمائهما للحزب الديمقراطي".

إلهان عمر

وأكد حسن أنّ "أصوات كتلة الناخبين المسلمين في الانتخابات الأمريكية لا تمثل قوة تصويتية مؤثرة أو كبيرة، فبشكل عام، ونظراً لعدم وجود أرقام رسمية حول المسلمين الأمريكيين، لأنّ الإحصاء الرسمي الأمريكي لا يتضمن خانة الديانة، هناك أرقام غير رسمية تشير إلى أنّ عدد المسلمين في الولايات المتحدة ما بين 3.3 مليون إلى 6.5 مليون أمريكي، ولا يعرف على وجه الدقة حجم الأفراد المسجلين كناخبين من بين هؤلاء، ولو افترضنا أنّ من بين هؤلاء من 3-4 مليون مسجل في جداول الاقتراع، فمن غير المحتمل أن يذهب جميعهم للتصويت في الانتخابات، ومن ثمّ فإنّ وزن الناخبين المسلمين ككتلة تصويتية لا يُعتبر مؤثراً أو حاسماً في الانتخابات، وإنما كتلة تصويتية يسعى المرشّحون للحصول على أصواتها".

لم يعد خافياً دعم بايدن من المنظمات الإسلامية خاصة ذات الروابط التاريخية المثيرة للجدل مع جماعة الإخوان

وأوضح حسن "أنّ الإخوان سيعملون مرّة أخرى على القيام بجهودهم، "كلوبي" إسلامي، لدفع الإدارة الأمريكية للضغط على بعض دول المنطقة، لإعادتهم إلى الساحة السياسية والاجتماعية، لكنّ هذه الجهود لن تؤثر كثيراً على الإدارة القادمة، التي يتوقع أن تكون واقعية وبراجماتية في تعاملها مع بعض ملفات وقضايا المنطقة. فتكرار أسلوب إدارة باراك أوباما في التعامل مع جماعات الإسلام السياسي في الفترة من 2008-2012 من غير المحتمل أن يتكرّر مرّة أخرى.

اقرأ أيضاً: هل يكون بايدن طوق النجاة للإخوان المسلمين؟ وما هي وعوده للجماعة؟

من جهته يقول الخبير المتخصص في الشأن الأمريكي الدكتور عمرو عبد العاطي: "بداية علينا أن نعترف بأنّ الوزن الانتخابي للمسلمين ضعيف جداً مقارنة بأقليات أخرى موجودة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وتتراوح نسبة المسلمين داخل الولايات المتحدة بين 1% إلى 2%، من إجمالي عدد السكان البالغ 330 مليون نسمة؛ أي إنّ أعداد المسلمين تتراوح ما بين 3,3 مليون إلى 6,6 مليون، ويصل عدد الناخبين المسلمين إلى مليون ناخب من إجمالي الناخبين الأمريكيين، وعلينا أن نعرف كذلك أنّ المسلمين في الانتخابات السابقة دعموا ترامب، لأنه تبنّى خطاباً محافظاً ضد الإجهاض، وهو مع تخفيض الضرائب على المواطن، وتقليل معدل البطالة، والمواطن المسلم الأمريكي ينتخب كأمريكي يهتم للشأن الداخلي أكثر من اهتمامه بقضايا خارجية".

في سياق استجداء الديمقراطيين لأصوات المسلمين الأمريكيين غازلهم بايدن باستخدامه تعبير "إن شاء الله"

وأضاف عبد العاطي في حديثه لـ"حفريات": "ثمّة تحوّل في مزاج الناخب المسلم الأمريكي بعد تصريحات سابقة لترامب ضد المسلمين وعدم السماح لهم بالدخول إلى أمريكا وتفتيش بعض المساجد، فاستغلت الفرصة منظمات أمريكية مسلمة مثل؛ "كير" وشخصيات مسلمة في الكونغرس الأمريكي مثل؛ إلهان عمر ورشيدة طليب للتحرك ضد ترامب وشنّ حملة ضده والدعوة لانتخاب بايدن، هذه الحملة تأتي ضمن خطة استراتيجية بالتركيز على الحصول على أصوات الأقليات، ومنهم المسلمون، رغم أنّ المسلمين ليسوا متركزين في ولاية واحدة، وهذه ميزة وعيب؛ ميزة لأنهم بهذا يتحولون إلى كتلة مطلوبة في كثير من الولايات، وعيب لأنها من المحتمل ألّا تكون مؤثرة في العملية الانتخابية بشكل منفرد".

رشيدة طليب

وتابع عبد العاطي محذراً: "ثمّة أمر خطير في هذه التحركات، فلا التصويت لترامب ولا لبايدن يمثل خطراً، فكلاهما محكوم بسياسات عامة للإدارة الأمريكية لا يمكن تجاوزها، لكنّ الخطر الحقيقي يتمثل في تدخل تركيا بصورة أساسية كلوبي له تأثير على التنظيمات الإسلامية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية مثل "كير" و"الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية - إسنا"، والمراكز الثقافية الإسلامية، والمؤسسات الخيرية الإسلامية التي تستطيع أن تتواصل مع المواطن المسلم الفقير وهم أغلبية، ممّا يؤثر على توجهات المواطن المسلم الأمريكي وتشكيل وعيه ورؤيته".

 حسام حسن: الإخوان سيعملون ثانيةً كلوبي إسلامي لدفع الإدارة الأمريكية للضغط على دول بالمنطقة

ويضيف: تركيا تقدّم نفسها على أنها دولة تطبّق نموذج الإسلام السياسي الناجح في التعامل مع الغرب ومع قضايا المسلمين، فتقوم بتمويل المنظمات الإسلامية المختلفة والمساجد والمراكز الإسلامية ذات التوجه الإخواني، وهو الأسلوب الإخواني نفسه المتبع في مصر وغيرها من البلاد العربية، ممّا يمكن معه اختراق المجتمع المسلم الأمريكي من قبل منظمات الإخوان المدعومة مالياً، واكتساب ثقة الجهات الرسمية بغرض الحصول على شرعية سياسية، تتحول بها المنظمات الإخوانية إلى ممثل للجالية المسلمة، ممّا قد يمكنهم من توظيف وتحويل المجتمع المسلم الأمريكي إلى ورقة إخوانية في لعبة السياسة الأمريكية".

اقرأ أيضاً: ماذا لو خسر ترامب.. هل تتحرك ميليشيات وتثير الفوضى

وفي هذا السياق يقول أستاذ العبري الحديث بجامعة الإسكندرية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الدكتور أحمد فؤاد: "إنّ مشهد الانتخابات الأمريكية يزداد تعقيداً كلما اقتربنا من مشهد النهاية، ففي الوقت الذي يؤيد فيه بايدن الجالية اليهودية، نظراً لكونه مؤيداً لإسرائيل، تقوم عضوتا الكونغرس الأمريكي إلهان عمر ورشيدة طليب بدعوة المسلمين للتصويت له في استغلال واضح لهويتهما الدينية"، موضحاً في تصريحه لـ"حفريات" أنّ "حظوظ بايدن قائمة، ولا يمكن الارتكاز لاستطلاعات الرأي الحالية، فكثير من الاستطلاعات تمّ التشكيك في نزاهتها، بل هي انعكاس لتوجهاتها السياسية، فضلاً عن أنّ الفارق يتقلص لصالح ترامب".

عمرو عبد العاطي: ثمّة تحوّل في مزاج الناخب المسلم الأمريكي بعد تصريحات سابقة لترامب ضد المسلمين

وأضاف فؤاد: "إنّ استخدام أصوات المسلمين لصالح بايدن هو امتداد للتعاون مع المعسكر الإسلامي وإدارة الديمقراطيين في عهد باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كيلنتون، وعلى افتراض أنّ بايدن فاز في الانتخابات الرئاسية، ووصل إلى سدة الحكم، فلا يمكن لعقارب الزمن أن تعود إلى الوراء والعودة إلى ما قبل "الربيع العربي"، ودعم فصائل الإخوان المسلمين في دولهم والعمل على وصولهم إلى الحكم، أو التصعيد بحدّة تجاه الأنظمة العربية والرغبة بشدة في التدخل في الشأن الداخلي والحديث المتكرر عن حقوق الإنسان كذريعة لتهديد الأنظمة، فالمتغيرات الدولية أكبر من أن تُختزل في توجهات بايدن ووعوده الانتخابية للمسلمين".

اقرأ أيضاً: أمريكا والإخوان.. "عقد زواج عرفي" بين المصالح والمطامع

وأكد فؤاد أنّ استغلال الوجوه المسلمة ذات الأصول العربية في الدعاية لبايدن ربما لن يكون بتلك القوة التي يتخيلها الديمقراطيون، "فهي منعدمة التواصل مع مجتمعاتها الأصلية، ولا يعنيها الشأن العربي ولا الإسلامي، إنما يعنيها مرشحها الديمقراطي، إضافة إلى عزوف الناخب المسلم الأمريكي عن التحرك وفق إيديولوجيا إسلامية، لكنّ الخوف أن تكون تلك التحركات غطاء لكي تنفذ المنظمات الإخوانية إلى المجتمع الأمريكي، والتي تروّج للإسلام السياسي".

والجدير بالذكر أنّ جماعة الإخوان كتنظيم كان لها تواجد قوي بالمجتمع الأمريكي منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أنّ هذا التواجد تراجع بشكل كبير بعد اعتقال أحد أفراد الجماعة في إحدى مدن ولاية فيرجينيا، وتمّ العثور في منزله على 80 صندوقاً تتضمّن وثائق تمثل أرشيف الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، وإحدى الوثائق التي عثر عليها تمّ تقديمها كوثيقة في المحاكمة، هذه الوثيقة أفرج عنها في العام 2007، وكانت بمثابة خطة استراتيجية للإخوان في الولايات المتحدة، وكان عنوانها "مذكرة توضيحية: حول الهدف الاستراتيجي العام للمجموعة في أمريكا الشمالية".

 أحمد فؤاد: استغلال الوجوه المسلمة العربية الأصول بالدعاية لبايدن ربما لن يكون بتلك القوة التي يتخيلها الديمقراطيون

وكتب هذه المذكرة العام 1991 عضو في جماعة الإخوان المسلمين في أمريكا الشمالية وتمّت الموافقة عليها من قبل مجلس الشورى والمؤتمر التنظيمي للإخوان، ومن ثمّ تلقت جمعيات ومنظمات الجماعة ضربة قوية بعد ملاحقتها قضائياً داخل الولايات المتحدة في القضية المعروفة باسم قضية "مؤسسة الأرض المقدسة"، إحدى أهم القضايا التي شهدتها محكمة فيدرالية أمريكية، وتمّ فيها توثيق رؤية الإخوان حول كيفية التمكين داخل المجتمع الأمريكي واختراقه من الداخل.

اقرأ أيضاً: أمريكا والإخوان.. تاريخ لا ينتهي

لذا، تعمل الجماعة لإعادة تموضعها في المجتمع الأمريكي مستغلة العناصر المسلمة في الكونغرس الأمريكي، والساعية لتأييد بايدن والحشد له، بتقديم نفسها كمعاون له، على أمل السماح لهم بالتحرك، وتكوين جمعيات شبابية وطلابية، ما يوفر أرضية خصبة للتشدّد الفكري، وفق مراقبين. 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية