الخريف يعصف بالتنظيم في أوروبا: تشريعات نمساوية لحظر أنشطة الإخوان

الخريف يعصف بالتنظيم في أوروبا: تشريعات نمساوية لحظر أنشطة الإخوان


12/07/2021

إجراءات قانونية وتشريعية جديدة تلاحق جماعة الإخوان في أوروبا، بهدف حظر أنشطتهم وتحجيم نفوذهم المتنامي منذ عقود؛ بفعل تشكيلهم حواضن اجتماعية من خلال المراكز الثقافية والدعوية.

هذا التطور بعث بمخاوف جمّة داخل أوساط سياسية عديدة، حذرت من التأثيرات الناجمة عن صعود الإسلام السياسي في الغرب، لا سيما أنّ موجات العمليات الإرهابية ارتفعت معدلاتها مؤخراً.

معضلة الإخوان في أوروبا

وبحسب التقرير الحقوقي الصادر عن مرصد مكافحة الإرهاب، في نيسان (أبريل) الماضي، فإنّ أوروبا تواجه تحديات أمنية هائلة، في ظلّ معدلات العنف المتزايدة على خلفية انتشار جماعات الإسلام السياسي، ولفت التقرير إلى أنّ "جماعة الإخوان في أوروبا تملك القدرة على التكيف والمرونة، لذا، شهدت جماعة الإخوان تراجعاً كبيراً في أعقاب تشديد دول أوروبا بإجراءاتها ضدّ الواجهات التي يعمل خلفها الإخوان والإسلام السياسي بكلّ أطيافه".

ويضيف التقرير أنّ "عام 2020 يعدّ الأسوأ في تاريخ الجماعة في أوروبا، بعد أن خضع كثيرون منهم إلى الرصد والمراقبة من قبل أجهزة استخبارات دول الاتحاد الأوروبي، أبرزها بريطانيا فرنسا وألمانيا، والتي رأت أنّ جماعة الإخوان تمثّل خطراً قائماً على النظام الديمقراطي في دول أوروبا".

اقرأ أيضاً: النمسا تصعد حملتها على الإسلام السياسي.. وألمانيا تدعمها

إذاً، لم يكن القرار الذي أصدرته النمسا بخصوص حظر أنشطة جماعة الإخوان أمراً مباغتاً، وذلك في ظلّ التوصيات المستمرة من قبل المراكز الحقوقية والبحثية، التي تشدّد على ضرورة تجميد أنشطة الجماعات الإسلاموية، وتتبع الجهات التي تعمل معها، بشكل غير معلن وسرّي، وتحت أغطية دينية ودعوية وخيرية وثقافية متفاوتة.

لماذا التضييق على الإسلام السياسي؟

وقبل أيام، دشّن المجلس الوطني في النمسا قانوناً جديداً لجهة مكافحة الإرهاب والتطرف، بينما يهدف إلى تقوية الدور الذي تقوم به أجهزة ومؤسسات الدولة لتصفية أنشطة "التنظيمات الإرهابية وملاحقة مموليها"؛ إذ إنّ وزير الداخلية، كارل نيهمر، قال إنّ التشريعات الجديدة تستهدف "تغليظ العقوبات على البيئات الحاضنة للمتطرفين، وتسهل عملية مراقبتهم، إضافة إلى رصد ومراقبة خطاب الكراهية والتشدّد الديني، واستغلال شبكة الإنترنت لهذه الأغراض".

هذه الإجراءات، وإن تأخر وقتها، إلا أنّها ستزيد من حالة الحصار على التنظيم وأنشطته في هذه الدول، وسيقوي جهود الدول الأخرى في مواجهة هذه الكيانات الإرهابية

وتابع نيهمر: "البرلمان وافق على الإلزام بوضع السوار الإلكتروني في الكاحل، في حالة الإفراج المشروط عن المدانين بالإرهاب، كما تتضمن الحزمة التشريعية أيضاً الاعتراف بالجريمة الجنائية ذات الدوافع الدينية".

وفي حديثه لـ "حفريات"، يشير الدكتور محمد ربيع، الباحث في العلوم السياسية، إلى أنّ قانون حظر نشاط جماعة الإخوان في النمسا لم يكن وليد اليوم، بل استغرق صدور هذا للقانون شهوراً طويلة، تمّ خلالها العمل على دراسة القانون وآليات تطبيقه، إضافة إلى رصد المخاطر التي شكّلتها جماعة الإخوان في الدول الأوروبية، وتاثيرات تلك الجماعة على الأمن القومي الأوروبي، حيث إنّ "الإخوان ارتكبوا جرائم عديدة في تلك الدول، ومن بينها الجرائم الإخوانية في تحريض الشارع النمساوي على التظاهر من أجل دعم تركيا، وغيرها من أعمال العنف والقتل".

الباحث المصري في العلوم السياسية محمد ربيع

 ويردف ربيع: "يرى البعض أنّ الخطوة النمساوية متأخرة بعض الشيء، غير أنّها جاءت في توقيت صعب للغاية؛ إذ يعدّ صدور هذا القرار بمثابة ضربة موجعة وحاسمة بحق الجماعة الإرهابية، في ظلّ تخلي الدول المانحة عنها، حيث فقدت بذلك الملاذات الآمنة لها، والدعم المادي الذي سبق وحظيت به".

فقدان الإخوان لملاذاتهم الآمنة

اللافت أنّ هناك اتجاهاً متزايداً لمواجهة مخاطر الإسلام السياسي في أوروبا، بنسخته السنية أو الشيعية؛ حيث قامت ألمانيا بإدراج حزب الله اللبناني (بجناحيه السياسي والعسكري) على قوائم الإرهاب، قبل نحو عام، كما حظرت منظمة "أنصار الدولية"، إحدى أذرع جماعة الإخوان، مطلع أيار (مايو) الماضي، وذلك بعد أن كشفت المخابرات الألمانية وجود صلات عضوية وارتباطات رئيسة بين "تنظيم أنصار الدولية وأخطر التنظيمات الإرهابية العالمية، من بينها جبهة النصرة وحركة الشباب الصومالية".

الجهاد الحضاري في أوروبا أو إستراتيجية الإخوان لتدمير الغرب

تواجه جماعة الإخوان، وأذرعها في الدول الأوروبية، حالة من الضغط المكثّف، بعد أن شرعت النمسا في حظر أنشطتها، ومراقبة مصادر تمويلها، وقد جاءت هذه الإجراءات ضمن الإستراتيجية الأوروبية الخاصة بمواجهة هذه التنظيمات والجمعيات والمساجد التابعة لها في هذه الدول، بحسب الدكتور مصطفى صلاح، الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسية، وذلك بعد أن تزايدت العمليات الإرهابية بالغرب، واستهداف الأمن والاستقرار في عواصمها المختلفة، ويشرح لـ "حفريات": "هناك سلسلة من الإجراءات الأوروبية التي سوف يتمّ تعميمها على دول الاتحاد لمواجهة هذه التنظيمات على المستوى القانوني والسياسي والإعلامي والاجتماعي، الأمر الذي من شأنه تعزيز مواجهة انتشار هذه الجماعات، أو ما يعرف بالجهاد الحضاري في الدول الأوروبية، التي تعدّ ضمن الإستراتيجية الإخوانية للتمدّد في الدول الغربية، ومن المؤكد أنّ هذه الإجراءات ستتبعها مجموعة أخرى من القرارات الخاصة بقضايا اللاجئين، الذين تستثمرهم هذه الجماعات في تحقيق أهدافها".

بالنسبة إلى الإخوان فإنّ "هذه الإجراءات، وإن تأخّر الوقت في اتخاذها، إلا أنّها ستزيد من حالة الحصار على التنظيم وأنشطته في هذه الدول، بل ودعم الدول الأخرى في مواجهة هذه الكيانات الإرهابية، وذلك على ضوء أنّ دوافع اتخاذ النمسا لهذه القرارات ترتكز على أنّ جماعة الإخوان تعدّ الحاضنة الفكرية الأم لمختلف الجماعات الإسلاموية المتشددة والراديكالية، كما تتزايد أهمية هذه القرارت كونها تأتي تأكيداً على المبررات التي اتخذتها الدول العربية، في مواجهة هذا التنظيم"؛ يقول صلاح.

معضلة حقيقية

وضمن السياق ذاته؛ يواجه التنظيم معضلة حقيقية فيما يتعلق بتواجده في القارة الأوروبية، خاصّة بعد أن انحصر تواجده في الدول العربية، وتم اعتبار هذه الدول الأوروبية بمثابة انطلاقة جديدة للتنظيم؛ للحفاظ على قواعده وهيكله التنظيمي، كما يشير الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، ومن ثمّ فمن المرجح أن تزيد هذه الإجراءات من تفكّك التنظيم وتشرذمه، بما قد يؤثر في مستقبل تواجده هناك.

الدكتور محمد ربيع لـ"حفريات": قانون حظر نشاط جماعة الإخوان في النمسا لم يكن وليد اليوم، بل استغرق هذا القانون شهوراً طويلة، تمّ خلالها دراسة آليات تطبيقه

ويختتم: " كانت الدول الأوروبية، منذ خروج أفراد الجماعة من الدول العربية، بمثابة البديل الآمن لهم؛ من خلال استثمار المناخ الديمقراطي، وحرية الحركة في ممارسة أنشطتها، التي أضرت كثيراً باستقرار هذه الدول، كما أنّ أهمية هذه الإجراءات تتمثل في أنّها تأتي بالتزامن مع دعوات قيادات الجماعة لأفرادها بالذهاب إلى الدول الأوروبية، بعد أن شرعت تركيا في محاصرة بعض الأنشطة الخاصة بالتنظيم، في ظلّ احتمالية التقارب مع مصر".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية