الرئيس التونسي يعيد الاعتبار لسيدي بوزيد موطن "الانفجار الثوري"

الرئيس التونسي يعيد الاعتبار لسيدي بوزيد موطن "الانفجار الثوري"


20/12/2021

للمرة الأولى منذ عام 2011، تحيي محافظة سيدي بوزيد ذكرى الثورة كعيد وطني منصوص عليه بالدستور، يوم 17 كانون الأول (ديسمبر)، أي تاريخ إحراق محمد البوعزيزي نفسه بالمحافظة، وذلك بدل 14 كانون الثاني (يناير)، وهو تاريخ هروب الرئيس الراحل زين العابدين بن علي نحو المملكة العربية السعودية.

خطوة اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي  شدّد على أنّ "الانفجار الثوري انطلق من سيدي بوزيد، لكن، للأسف، تمّ احتواء الثورة حتى يتم إقصاء الشعب عن التعبير عن إرادته وعن الشعارات التي رفعها".

اقرأ أيضاً: اقتصادية أم سياسية... ما الرسائل التي تحملها زيارة تبون لتونس؟

ويعد هذا الطلب الأكثر إلحاحاً في مطالب جهة سيدي بوزيد، التي نادت منذ 2011، بضرورة إنصافها وكتابة تاريخ الثورة من بدايته، وعدم تجاهل شرارة التحركات التي انتهت بقلب نظام حكم بن علي بعد أن أمضى 23 سنة من الحكم الفردي، غير أنّ النظام الذي تولى الحكم منذ الثورة، مضى في تجاهل هذا المطلب، وواصل اعتبار 14 كانون الثاني (يناير) اليوم الرسمي لذكرى الثورة.

سيدي بوزيد تساند قيس سعيّد

توجّه محمد نجيب كوكا، مدير المهرجان الدولي 17 ديسمبر للحرية والكرامة؛ إلى أنّ ''الهيئة تقف إلى جانب الرئيس لتحقيق أهداف الثورة طالما يقاوم الفساد''، داعياً إيّاه إلى إنقاذ ''المدرسة العمومية الضامنة للمصعد الاجتماعي ومنظومة الصحة العمومية وإنهاء معضلة الحضائر والعمل الهشّ، وإنقاذ التعليم العالي ليكون بمواصفات عالمية ومقاومة للتطبيع والدفاع عن استحقاقات الجهة ".

سيدي بوزيد تحيي ذكرى الثورة

 وقال مدير المهرجان؛ إنّ سعيّد أعاد الدر إلى معدنه بإقرار 17 ديسمبر تاريخ الثورة عيد وطنياً، رغم تحمله الأذى من "المخاتلين" الذين تنكروا للوطن واستقووا بالأجنبي ضدّ الدولة التونسية''.

وأضاف: "إحياء هذه الذكرى هو لاستخلاص العبرة بأنّ إرادة الشعب أقوى من المؤامرات الداخلية والخارجية، وأنّ فضل مدينة سيدي بوزيد في اندلاع الثورة لا ينكره أي أحد، حيث يؤكد المؤرخون أنّ ثورة 17 ديسمبر ثقّفها المهمّشون وهمّشها المثقفون".

تجمع التونسيون في شارع الحبيب بورقيبة، للاحتفاء بقرارات الرئيس قيس سعيّد، وإعلان دعمهم لها، رافعين شعارات "معك للنهاية"، و"أنتم تتظاهرون من أجل حزب ونحن نتظاهر من أجل وطن

من جانبه، قال يوسف الجلالي الناطق باسم هيئة المهرجان؛ إنّ ذكرى الثورة لهذا العام مميّزة جداً لدى أهالي سيدي بوزيد، خصوصاً على المستوى النفسي، بعد إنصافهم وإعادة الاعتبار لتاريخ الصورة، التي انطلقت من هذه المحافظة، التي عانت عقوداً من التهميش في ظلّ نظام بن علي".

وأكّد الجلالي، لـ "حفريات"؛ أنّ تاريخ الثورة كان رهينة لمجموعة من الأطراف السياسية التي كانت تسيطر على الحكم، خدمةً لمصالحها الحزبية، بالتنسيق مع أطراف خارجية، لافتاً إلى أنّ هذه الأطراف خسرت كلّ الامتيازات التي كانت تتمتع بها، وهي اليوم تعمل على حشد المحتجين للتشويش على ذكرى الثورة.

اقرأ أيضاً: تونس بلا إخوان.. محطات مضيئة في "عشرية سوداء"

وأكد وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، لدى افتتاحه مهرجان إحياء الثورة من سيدي بوزيد، أنّ  تاريخ 17 كانون الأول (ديسمبر) رجع إلى أصله إلى سيدي بوزيد، بعد أن كان ملف الثورة مهملاً، في الرفوف وهو ما يعتبر خطوة نحو تصحيح المسار، مشيراً إلى أنّ الحكومة الحالية جاءت للإصلاح ولها مشروع لكامل الشعب التونسي.

الغضب ما يزال يطبع الاحتفالات

ذكرى اندلاع ثورة الحرية والكرامة تأتي هذه السنة وسط وضع استثنائي متواصل، فرضته قرارات تموز (يوليو) الماضي، حيث يتواصل الجدل السياسي بين مدافع عن الرئيس قيس سعيّد وإجراءاته واقتناعه بأنّه ماض بالبلاد نحو برّ الأمان، ومعارض له، في وقت ما تزال فيه شعارات الثورة الغاضبة مرسومة على جدران المدينة، ويعدّ التشغيل أهم ما خُطّ عيها، خصوصاً بعد إلغاء الرئيس للقانون عدد 38 والقاضي بتشغيل من تجاوزت بطالتهم 10 سنوات.

قيس سعيّد يغير تاريخ عيد الثورة إلى 17 ديسمبر

في غضون ذلك، نفّذ عاطلون عن العمل ممن طالت بطالتهم وقفة احتجاجية بساحة محمد البوعزيزي بسيدي بوزيد للمطالبة بحقهم في التشغيل، وتنديداً بقرار إلغاء قانون التشغيل الاستثنائي من قبل رئيس الجمهورية.

اقرأ أيضاً: تونس: الحزب الدستوري الحر يعيد ملف اتحاد علماء المسلمين إلى الواجهة

ويرى عضو الاتحاد الجهوي للمعطلين عن العمل بسيدي بوزيد، وسيم جدي، أنّ شباب الجهة خرجوا اليوم للاحتجاج بسبب غياب برامج و مشاريع واضحة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وغياب إجراءات عملية وعاجلة فيما يتعلق بالتنمية والتشغيل، وبتغيير منوال التنمية الحالي بآخر تضامني اجتماعي بمضمون وطني.

 وقال في تصريحه لـ "حفريات": "كلّ المطالب التي رُفعت اليوم تتعلق بتطبيق الاتفاقيات والقوانين بما في ذلك قانون التشغيل الاستثنائي، وملف المفروزين أمنياً، فضلاً عن ملف الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل، وملف أساتذة التربية البدنية المعطلين عن العمل، وغيرها من الاتفاقيات التي تم إبرامها مع الحكومات السابقة".

المحلل السياسي جمعي القاسمي لـ"حفريات" الرئيس سعيّد أوجع الأطراف السياسية الحاكمة وألحق بهم ضرراً، بعد قراراته التي انطلقت منذ 25 تموز (يوليو)، خاصة النهضة، التي أبعدها عن الحكم

ولم يتحول سعيّد إلى محافظة سيدي بوزيد، بعد أن كان من المرجح أن يشارك في إحياء ذكرى الثورة، والإعلان عن مجموعة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً أنّه زار المحافظة أكثر من مرتين منذ توليه الرئاسة، أواخر 2019.

اختبار للمعارضة

وتعدّ ذكرى الثورة موعداً حقيقياً لاختبار المعارضة التونسية في الشارع وقدرتها على الحشد ضدّ سياسة الرئيس، وضدّ خريطة الطريق التي أعلنها يوم 13 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، خصوصاً بعد الدعوات المستمرة للنزول إلى الشارع في يوم الثورة، في إطار ما أسموه "مواطنون ضد الانقلاب"، حيث تجمع أكثر من ألف شخص في جزء من شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس.

أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي

ورفع المحتجون شعارات مناهضة للرئيس قيس سعيّد، ولإمكانية الرجوع إلى نظام الحكم الفردي، مطالبين بضرورة العودة إلى الدستور والمؤسسات الدستورية، وقرروا لاحقاً الاعتصام بشارع الحبيب بورقيبة (الشارع الرئيسي للعاصمة تونس)، ورفعوا شعار "اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام"، فيما تشير بعض المعطيات إلى أنّ المحتجين ينوون نصب خيام من أجل تنفيذ الاعتصام.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة في اختبار "الحياة أو الموت" في تونس: الانتخابات أو الشارع

وانتقد الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، التعامل الأمني مع الاحتجاجات المعارضة للرئيس ومحاولة منعها، معتبرا أنّ قيس سعيّد يواصل في منهج تقسيم التونسيين والمضي في الانقلاب على الدستور وعلى الديمقراطية.

وقال الشابي، في تصريحه لـ "حفريات"، إنّ الأحزاب التي خرجت اليوم للاحتجاج تسعى إلى التصدي "للانحرافات الخطيرة التي يقوم بها قيس سعيّد، والتي تنسف مقومات الدولة المدنية الديمقراطية"، معتبراً أنّ سعيّد يستغل أجهزة الدولة لتنظيم وقفات لأنصاره، مقابل رفض معارضيه.

سعيّد يوجع المنظومة

وكان سعيّد قد أعلن، بداية الأسبوع الحالي، مواصلة تجميد البرلمان، وتنظيم استفتاء وطني حول إصلاحات دستورية، يوم 25 تموز (يوليو) المقبل، إضافة إلى إجراء انتخابات تشريعية في 17 كانون الأول (ديسمبر)، كما كشف عن تنظيم مشاورات "شعبية" عبر الإنترنت، بداية من كانون الثاني (يناير) المقبل، بشأن الإصلاحات التي يجب إدخالها على النظام السياسي القائم بالبلاد.

قرارات لاقت معارضة كبيرة من قبل بعض الأحزاب، وفي مقدمتها حركة النهضة وشركائها في الحكم، التي ظلّت في الحكم لعشر سنوات متتالية، اتّهمت خلالها بإدخال الإرهاب إلى تونس، وبالتورط في الاغتيالات السياسية، وتكوين جهاز أمني سرّي يشرف على العمليات الإرهابية.

أحزاب وسياسيون يحتجون ضد قيس سعيّد في ذكرى الثورة

ويرى المحلل السياسي جمعي القاسمي؛ أنّ الرئيس سعيّد أوجع الأطراف السياسية الحاكمة وألحق بهم ضرراً، بعد قراراته التي انطلقت منذ 25 تموز (يوليو)، خاصة حركة النهضة، التي أبعدها عن الحكم وحاول فضحها، على الأقل في الشارع السياسي.

اقرأ أيضاً: الأمل لتونس والدمار لـ"الإخوان"

وأشار القاسمي إلى أنّ الرئيس ما يزال يحاول التخلّص من المنظومة التي حكمت البلاد بعد الثورة، ومن جميع خصومه، لكن بعض الأسباب السياسية والقانونية صعّبت ذلك، مؤكداً أنّ الاحتجاجات التي خرجت اليوم ضدّه، تؤكد أنّ خصوم الرئيس ما يزالون قادرين على التحرّك والنشاط.

هذا وخرج مئات التونسيين، الجمعة 17 كانون الأول (ديسمبر)، في شارع الحبيب بورقيبة، للاحتفاء بقرارات الرئيس، وإعلان دعمهم لها، رافعين شعارات "معك للنهاية"، و"أنتم تتظاهرون من أجل حزب ونحن نتظاهر من أجل وطن"، و"لن ندفع ديون المنظومة الفاسدة"، مطالبين بتحرير القضاء وبدستور جديد.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية