العراق: لماذا أجمع القادة السياسيون على خطورة استهداف السفارة الأمريكية؟

العراق: لماذا أجمع القادة السياسيون على خطورة استهداف السفارة الأمريكية؟


30/09/2020

اتفق قادة العملية السياسية ومسؤولو الدولة العراقية على ضرورة حصر السلاح "المنفلت"، وضبط الملف الأمني، وعدم استهداف السفارات الأجنبية، تتقدمها السفارة الأمريكية في العاصمة بغداد. الاتفاق يأتي للمرة الأولى في تاريخ العملية السياسية، نتيجة التشظي السياسي القائم على أساس أيديولوجي مذهبي وقومي في العراق، الذي لم يشهد استقراراً منذ تغيير نظام صدام حسين، في نيسان (أبريل) 2003.


الحشد الشعبي يتبرّأ ممن يستغلّ اسمه سياسياً ويؤكد التزامه بأوامر الحكومة.. والصدر يدعو لتشكيل لجان تحقيقية بشأن استهداف البعثات الدبلوماسية وسط ترحيب من الكاظمي 



الدعوة لتهدئة الأوضاع الأمنية تأتي هذه المرة من أطراف محسوبة على الجانب الإيراني، وعلى محور ما تسمى "المقاومة"، رغم أنّ القوة التي تستهدف البعثات الدبلوماسية الغربية في العراق هي من المحور ذاته، في خطوة يراها مراقبون أنّها تطور سياسي جديد لدى القيادات الراديكالية الشيعية تحديداً، خاصة أنّ تلك القيادات كان منهجها العملي هو "ضرب التواجد الأجنبي" في البلاد.

الاتفاق العراقي المحلي دفع بهيئة الحشد الشعبي إلى الإعلان الرسمي عن خضوعها لقيادة القائد العام للقوات المسلحة، مع إجراء تغييرات في هيكلية الحشد، طالت بعض القيادات، التي توصف بـ "التطرف"، في إشارة إيجابية من قيادة الحشد إلى رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، والرأي العام المحلي والدولي.
الرئاسات الثلاث : إعلان الحرب من اختصاص الدولة
تنامي ظاهرة السلاح المنفلت في العراق، دعا الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان) إلى الاجتماع، والخروج بعدة توصيات، منها وجوب حصر السلاح بيد الدولة.

اقرأ أيضاً: بعد أربعة عقود من الدم: هل انتهت الحرب العراقية الإيرانية؟
بيان مشترك للرئاسات، خرج عقب الاجتماع، أكّد على "ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وحماية البعثات الدبلوماسية والتصدي للأعمال الخارجة عن القانون ضدّ أمن البلاد وسيادتها"، وشدّد على أنّ "التطورات الأمنية التي حدثت في الآونة الأخيرة من استمرار استهداف المراكز والمقرات المدنية والعسكرية، وتواصل أعمال الاغتيال والخطف بحقّ ناشطين مدنيين، إنّما تمثل استهدافاً للعراق وسيادته".

 

 الخزعلي: لا نرى مصلحة في ضرب السفارة الأمريكية حالياً.. وكتل سنّية تطالب الحكومة بحماية المواطنين وضيوف العراق، وتدين من يستغلّ المنظومة الأمنية لدوافع سياسية 



واضاف البيان؛ "الاجتماع أكّد أنّ إعلان الحرب هو من اختصاص مؤسسات الدولة العراقية التشريعية والتنفيذية المستندة الى القانون والدستور، وأنّ المجتمعين أكدوا أنّ المنحى الذي تتجه إليه أعمال الجماعات الخارجة على القانون ضدّ أمن البلاد وسيادتها، يمثل منحىً خطيراً يعرّض استقرار العراق إلى مخاطر حقيقية".

اقرأ أيضاً: انهيار الفساد في العراق.. هل بات وشيكاً؟

وتابع البيان: "الاجتماع دعا إلى رصّ الصفوف واتخاذ مواقف موحدة وجادة وحاسمة، لمنع المزيد من التداعيات، واتخاذ الإجراءات العملية الكفيلة بضمان الاستقرار الأمني، والمجتمعون أكّدوا على تمسّك العراق بمخرجات الحوار الإستراتيجي مع الولايات المتحدة واتفاق إعادة الانتشار من العراق خلال مراحل زمنية متفق عليها"، لافتاً إلى أنّ "الاجتماع رأى أنّ التطاول على مقام المرجعية مرفوض ومدان".
الحشد: لسنا معنيين بالصراعات السياسية
ودفعت هيئة الحشد الشعبي باتجاه تكريس سلطة الدولة، التي دعا إليها اجتماع الرئاسات الثلاث، وذلك عبر بيانٍ رسمي أعلن براءته من الصراعات السياسية والاستهداف العسكري للتواجد الأجنبي الدبلوماسي في العراق.

وقالت الهيئة في بيان؛ إنّ "هيئة الحشد الشعبي، قوة عسكرية عراقية رسمية ملتزمة بجميع الأوامر التي تصدر عن القائد العام للقوات المسلحة، وتمارس عملها وفق السياقات والقوانين التي تسري على المؤسسات الأمنية العراقية كافة".

وأكّدت؛ أنّها "ليست معنية بأيّة صراعات سياسية، أو أحداث داخلية، تجري في البلد، كما أنّها ليست مسؤولة عن جهات تستخدم اسمها لأغراض التشويه والتسقيط والقيام بعمليات مشبوهة، ونشاط عسكري غير قانوني، يستهدف مصالح أجنبية أو مدنية".

اقرأ أيضاً: الأحزاب والمحاصصة.. حصان طروادة في قيامة العراق

وعن هذا الموقف الحشدي الجديد، يعلّق المحلل السياسي ثائر الزاملي، بأنّ "الحشد أصبح يعي خطورة زجّهِ السياسي المتعمَّد من قبل أطراف متطرفة داخله، لهذا هو يسرع للتخلص من المطبات التي وقع فيها".
ويضيف لـ "حفريات": "هذا البيان العقلاني يأتي من رئيس الحشد، وهو فالح الفياض، على اعتباره شخصية سياسية غير عقائدية تتعاطى مع الظروف وفقاً لمصالحها، سواء كانت مع إيران أو غيرها"، مبيناً أنّ "الفياض يحاول أن يثبت لرئيس الحكومة سيطرته على مؤسسته الأمنية، وأنّها في سياق الدولة".
وأكّد الزاملي أنّ "هيئة الحشد قد أطاحت مؤخراً بشخصيات متطرفة تسنّمت مناصب عسكرية، منها القيادي في سرايا الخراساني في بغداد، حامد الجزائري، في بغداد والقيادي في مليشيا بدر بمحافظة نينوى، وعد القدو".
الصدر يدعو للتحقيق والكاظمي يرحّب
دعا الزعيم التيار الصدري، مُقتدى الصدر،  إلى تشكيل لجنة للتحقيق في الخروقات الأمنية التي تتعرّض لها البعثات الدبلوماسية والمقار الرسمية للدولة، وبما يضرّ بسمعة العراق.
وقال الصدر، في تغريدة له على تويتر: "ندعو إلى تشكيل لجنة ذات طابع أمني وعسكري وبرلمانية للتحقيق في الخروقات الأمنية التي تتعرّض لها البعثات الدبلوماسية والمقرات الرسمية للدولة، بما يضرّ بسمعة العراق في المحافل الدولية".

وأكّد أنّه "على اللجنة أن تعلن نتائج التحقيق للرأي العام ضمن سقف زمني مُحدّد، كي يتمّ أخذ الإجراءات القانونية والتنفيذية اللازمة حيال ذلك".
من جانبه، رحّب رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، بدعوة مقتدى الصدر، وقال في تغريدة: "ندعم المُقترحات التي قدّمها الصدر بتشكيل لجنة أمنية وعسكرية وبرلمانية للتحقيق في الخروقات التي تستهدف أمن العراق وهيبته وسمعته والتزاماته الدولية".

اقرأ أيضاً: العراق: هل تطيح إصلاحات الكاظمي بسلطة الدولة العميقة؟
وأضاف: "نؤكد أنّ القانون فوق يد الخارجين عليه، مهما ظنّ البعض عكس ذلك، وأنّ تحالف الفساد والسلاح المُنفلت لا مكان له في العراق".
وفي سياق التغريدتين، علق الزاملي: "ما جدّية الصدر في قولهِ، والجميع يعلمون أنّه المستثمر السياسي البارز للأزمات"، مبيناً أنّ "ترحيب الكاظمي يأتي في سياق الاتكاء على طرف سياسي قوي في مواجهة الميليشيات الأخرى".
الخزعلي في خطاب "مناور ومختلف"
في غضون ذلك، فاجأ بيان لزعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي (قيادي في تحالف الفتح النيابي ولديه 15 مقعداً)، الشارع المحلي بدعوتهِ إلى عدم ضرب السفارة الأمريكية، رغم مناصرتهِ المتكررة  في السابق للقوى المليشياوية التي تستهدفها، وأمن البعثات الدبلوماسية الأجنبية الأخرى.
وقال الخزعلي: "مع كلّ الملاحظات المهمة والخطيرة، فإننا لا نرى مصلحة في استهداف مبنى السفارة الأمريكية حالياً، ليس لأنّها هيئة دبلوماسية، حالها حال باقي الهيئات الدبلوماسية الأخرى، بل لأنّ هذا الاستهداف يمكن أن يستَغل إعلامياً للمساس بهيبة الدولة وسيادتها".

وأضاف: "الحرب مع العدو المحتل فيها أوراق أخرى، ولا يحتاج المقاومون الآن إلى ورقة استهداف هذا المقرّ".
لكنّ مراقبين سياسيين، وصفوا خطاب الخزعلي بـ "المناور والمختلف"، وأكّدوا أنّه يميل للجانب السياسي على الجانب العسكري المعتاد في حركته.
ويقول الباحث الأمني طلال الخالصي لـ "حفريات"؛ إنّ "الخزعلي يودّ أن يثبت للخارج العراقي وبالخصوص الجانب الغربي، أنّه مع سياقات الدولة العراقية ويقترب من وجهة نظر الحكومة العراقية المدعومة من واشنطن".

اقرأ أيضاً: هل يعيد الانسحاب الأمريكي من العراق السطوة لميليشيات ايران؟
ويؤكّد أنّ "الخزعلي، بخطابهِ المناور والمختلف هذا، يخشى العقوبات القادمة على أموالهِ وحركته، لهذا هو يحاول أن يجد منطقة حياد بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك طبعاً بالتنسيق مع إيران". 

كتل سنّية تحذّر
من جانب آخر؛ حذّرت كتلة تحالف القوى العراقية (المظلة السياسية السنّية في البرلمان) من استمرار السلاح المنفلت أو العناوين التي تستغل انضواءها في المنظومة الأمنية لاستهداف المواطنين وضيوف العراق.

اقرأ أيضاً: الخميني.. الذي أفتى بتدمير العراق

ودان النائب، مثنى السامرائي، في بيان للتحالف "استمرار تداعيات الأزمة السياسية – الأمنية، وما يترتب عليها من تدخلات، سواء على مستوى أمن الوطن والمواطن، مع استمرار خروقات السلاح المنفلت والقصدية في زعزعة هيبة الدولة ومكانتها، لحسابات خارجية، أو على مستوى علاقات العراق الخارجية، مع تصاعد وتيرة استهداف ضيوف العراق من البعثات الدبلوماسية الشقيقة والصديقة".
وأكّد النائب عن محافظة صلاح الدين؛ أنّه "لم يعد من المقبول السكوت على تكرار الخروقات الأمنية، من تهديد واغتيال، خطف وتغييب، قصف عشوائي استهداف بعثات، وأمام مسمع ومرأى القوات والأجهزة الأمنية، وفي أغلبها تشير أصابع الاتهام لتشكيلات وجماعات وفصائل وأحزاب منضوية في منظومة الأمن والدفاع العراقية"، مبيناً أنّ "من يريد جرّ البلاد إلى محاور الصراع الدولي الإقليمي، وفرض أجندات بقوة السلاح، لن يكون شريكاً في بناء دولة المواطنة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية