المغرب: هل تسعى "العدل والإحسان" لملء فراغ هزيمة "العدالة والتنمية"؟

المغرب: هل تسعى "العدل والإحسان" لملء فراغ هزيمة "العدالة والتنمية"؟


15/12/2021

شهدت الذكرى التاسعة لوفاة مؤسس جماعة العدل والإحسان، المحظورة في المغرب، والقريبة من فكر جماعة الإخوان المسلمين، الشيخ عبد السلام ياسين، فعاليات سياسية وندوات وأنشطة كبيرة نسبياً مقارنةً باحتفالات الأعوام السابقة للمناسبة نفسها، وهو ما رأى فيه متابعون؛ أنّ الجماعة تريد استغلال فراغ الساحة السياسية من الإخوان، بعد الهزيمة الثقيلة للذراع السياسي لحركة التوحيد والإصلاح الإخوانية، حزب العدالة والتنمية، في الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية الأخيرة.

ويبدو أنّ الجماعة، التي تتخذ موقفاً صدامياً ضدّ النظام الملكي، وجدت فرصةً لتنشيط دورها السياسي، بعد أن أخفق الإخوان، الذين يؤمنون بالعمل الإصلاحي تحت عباءة الملك، خاصةً أنّ العقد الماضي الذي ترأس فيه الإخوان الحكومة، شهد تمرير قضايا سياسية واجتماعية تعارض أيديولوجيا الإخوان المسلمين بتنويعاتهم كافة، مثل: التطبيع مع إسرائيل، وتقنين زراعة القنب الهندي. لهذا وجدت الجماعة المتشددة فرصةً لتسويق خطابها الصدامي، مستغلة هزيمة من تبنوا نهجاً إصلاحياً في الانتخابات، وكأنّ لسان حالها يقول "تنازلكم لم يشفع لكم".

ذكرى وفاة المرشد

وعلى مدار يومَي 11 و12 من شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، نظمت جماعة العدل والإحسان المغربية، المحظورة رسمياً، ندوة حولية بعنوان "المغرب وسؤال المشروع المجتمعي" وكانت الفعالية الرئيسة متزامنة إحياء الذكرى التاسعة لوفاة مؤسس ومرشد الجماعة الأوحد، الشيخ عبد السلام ياسين، والذي توفي في 13 من الشهر ذاته، عام 2012، وانقسمت إلى عدّة محاور، وهي: سؤال الدولة والحكم، وسؤال القيم المجتمعية، وسؤال التنمية.

المؤسس الراحل لجماعة العدل والإحسان، عبد السلام ياسين

وتحت العنوان السابق، عقدت الجماعة العديد من الندوات، التي تناولت خلالها رؤية المؤسس والمرشد الراحل حول الإصلاح، والتي تقوم على إصلاح النفوس، وإصلاح الحكم، ورؤية تربوية لمعيشة الإنسان في الدنيا، وغيرها من الرؤى التي تتفق مع الجماعات الدينية، والتي تتميز عنده بالنزعة الصوفية.

جماعة العدل والإحسان التي تتخذ موقفاً صدامياً ضدّ النظام الملكي، وجدت فرصةً لتنشيط دورها السياسي، بعد أن أخفق الإخوان، الذين يؤمنون بالعمل الإصلاحي تحت عباءة الملك

وفي كلمته الافتتاحية للندوة، وصف الأمين العام للجماعة، محمد عبادي، مشروع الشيخ ياسين، بأنه "يسعى إلى تحرير الإنسان من عبودية غير الله، ليحقق وظيفته في هذه الدنيا؛ وظيفة العبودية ووظيفة الإعمار. مشروع يدعو إلى تأسيس مجتمع تبنى قواعده على العدل والإحسان والشورى، يضمن الحرية والأمن والكرامة لكلّ أفراد المجتمع، أطلق عليه صاحبه، كما سمعنا، "العمران الأخوي"؛ لأنّه يؤاخي بين المواطنة الإيمانية والمواطنة الجغرافية، ويصهرها في بوتقة واحدة، ويربطها برباط الأخوة القائمة على التعاون والتآزر والتكافل".

مشروع دون رؤية

ويقول الباحث السياسي والناشط اليساري، حميد باجو: "مشروع جماعة العدل والإحسان هو ذاته مشروع الشيخ عبد السلام ياسين، وهو لا يتجاوز مرحلة تشخيص المشاكل التي يعلمها الجميع، ولا تملك قيادات الحركة سوى ترديد مقولات للشيخ، ومنها قوله: "الداء هو مرض النفوس؛ الكبر والعجب والأنانية وحبّ الدنيا وشهواتها، والحلّ هو التربية"، لكن ما هو البرنامج المرحلي للجماعة؟ وأين خطة العمل التي قد تجابه بها الواقع الحالي؟".

اقرأ أيضاً: "جماعة العدل والإحسان": واجهة إخوانية جديدة في العراق

ويردف باجو، في حديثه لـ "حفريات": "حديث الأمين العام للحركة هو مجرد كلام للموعظة والإرشاد، قد يطلقه أيّ متمكّن من الخطاب الديني، ويبدو أنّه ما يزال يعيش في جلباب الصوفي، ولم يرد بعد أن ينزل إلى معمعة السياسة، لكن لماذا يقحم أتباع الجماعة الآخرين في السياسة، وهم لا يملكون أيّ  برنامج سياسي؟".

الباحث باجو: حديث الأمين العام للحركة مجرد كلام للموعظة والإرشاد

وأشار إلى أنّ "الجماعة لا تملك سوى الخروج كلّ فترة بدعوة ما، مثلاً: دعوة "القومة" عام 2006، والمشاركة في حراك 20 شباط (فبراير) لعام 2011، دون برنامج سياسي، ما جعل شباب الجماعة يخرجون منها، ويقتصر حضورهم السياسي على رئيس الدائرة السياسية في الجماعة، والذي يعبّر عن مواقف شخصية أكثر منها مؤسسية".

وعلى مدار عقود عملت الجماعة على نشر دعوتها عبر المساجد والجامعات وحلقات التربية وفي النقابات، وتضمّ قطاعات منها: الشباب، والنسائي، والنقابي، والطلابي، والمكاتب الدراسية، ولها فروع في الأقاليم. وعام 1998؛ أسست الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، كجهاز من أجهزة الجماعة يتصدى للشأن العام، وألحقت كلّ مؤسسات الجماعة المهتمة بهذا المجال به.

صدام لا إصلاح

ويقول الصحفي والباحث الأكاديمي المغربي، نور الدين اليزيد: "فكر وإيديولوجيا جماعة العدل والإحسان تختلف عن التيارات الإسلامية؛ ببعدها الصوفي، لكن في الوقت نفسه، تعاطيها للعمل السياسي، وهو ما ينذر بأن يحصل لدى جماعات إسلامية أخرى، لا سيما التي تنشط في المجال السياسي، حيث نجدها ترفض، أو حتى تكفّر، الصوفية. ولأنّها جماعة إسلامية بخلفية صوفية وسياسية في الآن نفسه؛ فإن مَن يسمى مرشدها العام، يحظى بمكانة خاصة تتمتع بكثير من التبجيل والوقار، ويرى فيه الأتباع شيخاً لجماعتهم الدينية، وفي الوقت نفسه زعيماً سياسياً؛ بل زعيماً منافساً للملك، أو هكذا كان يتصور".

وتابع اليزيد، في حديثه لـ "حفريات":  "أبرز مقومات المرجعية لدى الجماعة، والتي تميّزها عن كثير من جماعات وتيارات الإسلام السياسي، هو رفضها للسرّية والعنف والاغتيال السياسي، وهي ثلاث "لاءات" ميزتها بتفرد غير مسبوق، وخدمها كثيراً، سواء من حيث مساعدتها على استقطاب المزيد من الشباب المتعطش للانتماء الدعوي، أو من حيث اكتساب احترام التيارات الأخرى السياسية، بما فيها العلمانية أو غيرها".

الأكاديمي نور الدين اليزيد: ثلاث "لاءات" ميّزت الجماعة

وأفاد بأنّهم "تيار إسلامي أشد من العدالة والتنمية (البيجيدي)، بل منهم من يعدّه حزباً علمانياً، ولا علاقة له بالمرجعية الإسلامية، وفي مرجعيتهم قد تعتبرهم ضمن خانة الإخوان، لكن الخصوصية المغربية وخصوصية الجماعة تجعلهم ينأون بأنفسهم عن مثل هذه التيارات الإسلامية، وفي أدبياتهم يدعون ويشترطون إصلاح النظام السياسي قبل التعامل معه بعكس البيجيدي الذي يركز على الإصلاح من داخل النظام".

هل يحلّون مكان البيجيدي؟

وفي كلمته، دعا الأمين العام للجماعة إلى "إنشاء حلف كحلف الفضول، يتعاهد أهله على نصرة المظلوم أياً كان، وعلى الوقوف صفاً واحداً في وجه الفساد والاستبداد". وبحسب أدبيات الجماعة فلن تكون الانتخابات أو العمل المسلح وسيلتهم للإصلاح، وربما يراهنون على الصعوبات الاقتصادية التي يعيشها المغرب، وهي صعوبات لا تعود في كليتها إلى الفساد والأهواء، كما يرددون، بل لها أسباب اقتصادية وعالمية لم تشر الجماعة إليها.

الناشط حميد باجو لـ"حفريات": حديث الأمين العام لجماعة العدل والإحسان مجرد كلام للموعظة والإرشاد، قد يطلقه أيّ متمكّن من الخطاب الديني يعيش في جلباب الصوفي

وانتقد الباحث حميد باجو دعوة الجماعة إلى التحالف مع بقية القوى السياسية، وقال: "أيّ حلف في المجال السياسي يتطلب بالضرورة وجود أرضيات سياسية رسمية للمتحالفين، حتى يكونوا على بيّنة فيمَ يتحالفون، وليس مجرد تعبير عن نوايا وأفكار عامة وظرفية".

وحول ارتباط الظهور القوي للجماعة هذا العام بهزيمة حزب البيجيدي الإخواني في الانتخابات، وخسارة تشكيل الحكومة بعد 10 أعوام من ترؤسها، قال: "رغم أنّ الفعالية جاءت بمناسبة ذكرى وفاة مؤسس الجماعة، إلا أنّهم أرادوا منحها بعداً خاصاً، كجواب أو ردّ على فشل حليفهم ومنافسهم الآخر في تيار الإسلام السياسي؛ حزب العدالة والتنمية".

وخلال جلسات الندوة، هاجم قياديون في الجماعة البرنامج التنموي، الذي سبق أن أعلنه الملك محمد السادس، وتبنته حكومة عبد العزيز أخنوش، وتناولت الندوات ملف حقوق الإنسان والحريات السياسية في المغرب، وملف الفساد، وإصلاح نظام الحكم.

الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، محمد عبادي

وكانت الجماعة دعت أعضاءها إلى تجنّب أيّة شماتة بحزب العدالة والتنمية عقب هزيمته الانتخابية الكبيرة، وفق ما ذكر موقع "هسبريس" المغربي. وحول تأثير هزيمة البيجيدي على مكانة الجماعة، قال المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، الباحث إدريس الكنبوري، لـ "هسبريس": "هزيمة العدالة والتنمية، هي انتصار للعدل والإحسان وأطروحتها التي ترى من خلالها أنّ الإصلاح من الداخل آيل للفشل".

وأفاد للموقع؛ بأنّ "الفشل الذي مني به حزب العدالة والتنمية وسقوطه المدوي من متصدر للانتخابات إلى المرتبة الثامنة، اختصر الطريق على العدل والإحسان، وسيحيي الدينامية من جديد في صفوفها". ونفى الباحث أن يحدث تقارب بين الجماعة والعدالة والتنمية، "إقدام الحزب على ذلك سيكون بمثابة رسالة سلبية إلى الدولة". وذلك لأنّ الجماعة محظورة، وتعادي النظام الملكي، بينما البيجيدي يعملون من داخل النظام.

وتأسست جماعة العدل والإحسان على يد الشيخ عبد السلام ياسين، عام 1981، باسم "أسرة الجماعة"، وكان الشيخ بدأ دعوته عام 1974، وتحولت إلى اسمها الحالي عام 1987، وبسبب دعوتها المعادية لنظام الحكم. ألقت الشرطة القبض على مؤسسها أكثر من مرة، وكذلك على عدد من قيادتها وأعضائها، ولم تؤسس الحركة حزباً سياسياً حتى الآن.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية