الهيمنة الإيرانية محنة للعراق والعرب

الهيمنة الإيرانية محنة للعراق والعرب


10/04/2021

باهرة الشيخلي

طوى شهر مارس أيامه وارتحل دون أن تتحقق القمة الثلاثية بين العراق ومصر والأردن. تحققت بدلاً عنها قمة على مستوى وزراء الخارجية للبلدان الثلاثة.

الميليشيات الموالية لإيران كانت وراء ذلك، كما يتداول الشارع العراقي، بتعكيرها أجواء القمة والدفع باتجاه إرجائها وفشلها تالياً، فمن المشهورات (البديهيات) في لائحة السياسة الخارجية للدولةً الإيرانية أنها خططت منذ زمن طويل لتطويق البلدان الأربعة (العراق، سوريا، لبنان، اليمن)، ومحاولة إشغالها في الداخل لتصفية الجبهة المعارضة للنفوذ الإيراني، وعزل هذه الدول، على وجه الخصوص، عن الوطن العربي. ويذكر الجميع أن إيران حاولت، منذ بداية ثورتها 1979، اختراق الجدار المصري ولم تكفّ عن زرع خلايا تحت غطاء أضرحة آل البيت وما يسمى بـ”نقابة الأشراف”، وحاولت ذلك مع الأردن من خلال ضريح الصحابي جعفر بن أبي طالب في الكرك، ولكنها لم تفلح بسبب يقظة السياسة الأردنية ورفضها الإغراءات التي قدمتها إيران.

حاولت إيران كذلك إضعاف الجامعة العربية ومؤسساتها لتفكيك العلاقات العربية البينية باصطناع المجلس الأعلى للصحوة الإسلامية، وطوال السنوات من 2003 حين احتلت الولايات المتحدة وحلفاؤها بلاد الرافدين وحتى سنة 2021 لم يكن من مصلحة ولاية الفقيه، مذهبيًّا وسياسيّا واقتصاديا وإستراتيجيا، إخراج العراق من عزلته، بعبارة أخرى من فك أسره من الطوق الإيراني، ورأت إيران في أي تقارب عربي عراقي، وإن كان صورياً، دعماً للجبهة الوطنية (انتفاضة الشباب) وإضعافاً لجبهة الولاء السوداء.

قد تكون لدى مصطفى الكاظمي نيات صادقة في تخليص العراق من النفوذ الإيراني عبر ما يسعى إليه من التقارب مع الفضاء العربي من خلال اتفاقه على التعاون المشترك ومد جسور علاقات متينة مع المملكة العربية السعودية، التي انقطعت منذ ثلاثين عاماً بسبب احتلال العراق للكويت، لكن عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد سابقاً الدكتور عبدالرزاق الدليمي يرى أن جزءاً من محاولة رئيس الوزراء الجديد للتواصل مع الحلفاء المحتملين هو محاولة تخفيف قبضة إيران على السياسة العراقية، ومنح العراق دوراً وهوية إقليمية أوسع، بالرغم من أن الكاظمي زعم أنه يعمل على إبعاد العراق عن سياسة المحاور، وهذا، كما زعم، في مصلحة الشعب العراقي.

قد يكون منهج التوازن والاعتدال وتعزيز التعاون، وبخاصة في العلاقات الاقتصادية مع الأنظمة العربية، ضمانةً لمصلحة العراق، إلا أن هذا التوجه أثار مخاوف نظام طهران وعملائه في العراق الذين مازالوا يمسكون بمعظم روافع السلطة. وعادة ما نسمع من الحكومات إيرانية الهوى والسلوك التي تفرض على العراق أنها تهتم بتطوير العلاقات التجارية مع الدول في المنطقة وإعادة إعمار البنية التحتية لبلاد النهرين وتوسيعها، والاهتمام بقطاع الكهرباء، وعندما أيقن العراقيون أنهم يسمعون من هؤلاء الكلام المكرر ولا يرون شيئاً على أرض الواقع زادت حدة رفضهم للنظام وحكوماته ما أدى إلى حدوث انتفاضات كبيرة على مدى العامين الماضيين، وهذه المرة جاءت من وسط العراق وجنوبه.

ليس جديداً التقارب العراقي مع الأردن ومصر، إذ سبق أن قام تحالف في نهاية ثمانينات القرن الماضي، إلا أنه انفرط بعد دخول العراق إلى الكويت واستمرت العلاقات العراقية – الأردنية بوتيرة فرضتها عوامل الجغرافيا والتقارب بين القيادات العراقية والأردنية، وبقى للأردن حضوره، حتى بعد احتلال العراق، علماً أن الأردن يتمتع بعلاقات جيدة مع شركائه جميعا بحكم موقعه الجغرافي، وهذا ضروري للتعاون التجاري والطاقة والبنية التحتية بين الأردن ومصر والعراق، حيث يمكن تأسيس قناة للتجارة عبر سيناء (بما في ذلك ميناء نويبع) والعقبة الأردني إلى العراق، فضلاً عن تكامل الشبكات الكهربائية للدول الثلاث. كما أن عمان تسعى من جهتها إلى تحرير الاتفاقات المتعثرة مع العراق، مثل تفعيل منطقة صناعية مشتركة على الحدود الأردنية العراقية (التي تأخرت بسبب جرّ الأقدام العراقية) وإنشاء خط أنابيب لتصدير النفط العراقي من البصرة إلى العقبة.

إن أي نجاح لمسعى الكاظمي في تحقيق التقارب العربي مرهون بنجاحه في حصر السلاح بيد الدولة وتخليص الجسد العراقي من الميليشيات وهيئة الحشد الشعبي، التي تعمل بنظام مزدوج فهي تخضع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة عندما تقتضي مصلحتها ذلك وتنفذ الأجندة الإيرانية عندما تأمرها إيران، وقد نشر موقع “ديفينس وان” الأميركي تقريراً أفصح عن مخاوف حقيقية تساور كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين من أن تدفع “الميليشيات المارقة” في العراق الدولة إلى حرب أهلية داخلية. ونقل التقرير عن قائد قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا الجنرال بول كالفرت قوله “أعتقد أن هناك تهديدَين رئيسيّين للعراق في الوقت الحالي: الأول هو الميليشيات، والثاني هو الاقتصاد”، معتبراً أن “الميليشيات أدت إلى إحباط صناع القرار الأميركيين والعراقيين، ففي واشنطن تتلخص المشكلة بأن بعض الجماعات المسلّحة تتلقى الدعم والتوجيه من طهران من حين إلى آخر”، وهو بذلك يشير إلى أنه “برغم أن بعض الميليشيات الرئيسيّة تتوحد في الأهداف المشتركة مثل إخراج القوات الأميركية من العراق، إلا أنها منقسمة بشأن مسألة النفوذ الإيراني في العراق”.

هذه الحقائق تشير إلى أن المخاوف من احتمال قيام حرب أهلية في العراق بعيدة، لكنها ستكون حرباً بين الميليشيات نفسها، وهناك احتمال لدى الكثير من العراقيين أن حرباً ستقوم قبل إجراء الانتخابات المقبلة بين نوري المالكي زعيم حزب الدعوة وبين التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين السياسي مقتدى الصدر.

هل للقادة العرب مشروع لإعادة العراق إلى الحضن العربي؟

ذلك هو السؤال الذي ينبغي أن يطرح، ففي الوقت الذي يروج فيه إعلام النظام في بغداد أن العرب تخلوا عن العراق فإن المعروف أن من جاءت بهم الولايات المتحدة على ظهور دباباتها لحكم العراق لم يكونوا طلاب عروبة، بل جاءوا محاربين للعروبة لأن أغلبهم من الشعوبيين الذين تمتد جذورهم إلى إيران، بل إنهم إيرانيون أكثر من إيران نفسها من حيث الولاء، وأن تخليهم عن العرب كان قبل وصولهم إلى السلطة. ومؤتمرا لندن وصلاح الدين للمعارضة يشهدان على تبني نظام المحاصصة الطائفية الذي ألغى صفة العروبة في الدستور العراقي فيما يعد توافقاً مع أجندة إيران، مما يعني أن حكام العراق، بمن فيهم الكاظمي، قد تخلوا عن كل ما هو عربي بمحض إرادتهم ليكون العراق امتداداً لمشروع ولاية الفقيه الذي يعدّ فضاء الطائفة بديلاً عن الوطن، كما يقول الدبلوماسي السابق والكاتب والمحلل السياسي طلال بركات، الذي يرى أنه برغم ذلك فإن وزير خارجية مصر يصف العراق بأنه أحد قلاع العروبة من دون التفريق بين الأمس واليوم، كون العراق اليوم  ليس فقط محتلاً سياسياً واقتصادياً من إيران وإنما محتل ثقافياً وأيديولوجيا لارتباطه عقائدياً بولاية الفقيه التي تتقاطع مع فكرة العروبة.

يعني ما يقوله بركات أن الكاظمي ليس أسير أجندة الميليشيات الموالية لإيران، وإنما الميليشيات وحكومة الكاظمي منظومة واحدة وهي جزء من المشروع الإيراني المناهض للعرب، لأن الحكومة هي التي تمول الميليشيات بالتجهيزات والمال والسلاح وأن أي دعم لهذه الحكومة يعني دعماً للميليشيات الموالية لإيران، لذلك يفترض قبل الحديث عن احتضان العراق وأحلام التكامل الاقتصادي واتفاقيات الربط الكهربائي والأمن القومي أن يتم تحرير العراق أولاً من سطوة إيران وأذرعها، لأنه لن تقوم للعرب قائمة إلا بتحرير العراق من المشروع الإيراني المسكوت عنه أميركياً وعربياً، ذلك المشروع الذي جعل العراق أداة تنفيذ وجسرا لتدمير الأمة العربية. فهل يعقل أن القادة العرب غير مدركين للحالة السياسية التي يعيشها العراق أم أن هناك تغاضياً مقصوداً عن المشهد العراقي من أجل مصالح اقتصادية؟

جميع المحاولات السابقة والاتفاقيات الساعية للتقارب العراقي - العربي فشلت بسبب سيطرة إيران على مؤسسات الدولة العراقية، وقد لمس العراقيون أن أي مشروع اقتصادي في العراق إذا لم يصب في مصلحة إيران يكون مصيره الفشل، ويتعين أن يدرك الجميع استحالة إعادة العراق إلى الحضن العربي قبل تطهيره من هيمنة إيران ومن عملائها وميليشياتها التي تتحكم في البلاد، وينبغي أن تكون هناك خطة عربية لتطهير العراق من الهيمنة الإيرانية.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية