انطلاق مؤتمر للمساعدات بسقف منخفض.. هل ينفد صبر فرنسا من لبنان؟

انطلاق مؤتمر للمساعدات بسقف منخفض.. هل ينفد صبر فرنسا من لبنان؟


02/12/2020

لا يُتوقّع الكثير من المؤتمر الذي تنظمه فرنسا اليوم، بمشاركة الأمم المتحدة، لبحث ضخّ مزيد من المساعدات إلى لبنان، فالمشهد اللبناني المُعقد والعاجز عن تشكيل حكومة منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) الماضي، يجعل التوقع من المؤتمر متواضعاً، بعدما أكدت باريس مراراً أنها لن تقدّم شيكاً على بياض إلى بيروت.

اقرأ أيضاً: لبنان بين فرنسا "المنقذة" وتسلّط "حزب الله"

وربطت فرنسا عقب انفجار المرفأ بين تقديم الدعم لإعادة الإعمار وبين تحقيق إصلاحات سياسية، وشدّدت على أنها وغيرها من الدول المانحة لن تقدّم أموالاً لا تضمن مواضع إنفاقها، في إشارة إلى عدم السماح بوقوع المساعدات في يد حزب الله.

وأتاح مؤتمر عاجل في 9 آب (أغسطس) الماضي تحريك مساعدات بقيمة 250 مليون يورو للبنان، غير أنه أرجأ المساعدات الأكبر إلى حين حلحلة الوضع السياسي.

وسوء الأوضاع التي يعاني منها لبنان، والتي فاقمها انفجار المرفأ ولم يبدأها، إذ كان لبنان يعاني وضعاً متأزماً قبل ذلك، رفع آمال إمكانيات حدوث اختراقات في المشهد اللبناني، تصبّ في صالح ما طمح إليه الشارع عند انتفاضته في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2019، حين رفع شعار "كلن يعني كلن"، في إشارة إلى رفض الطائفية والثورة على الفساد السياسي.

اقرأ أيضاً: لبنان: "فيتو" مسيحي ضد تعديل قانون الانتخابات النيابية

غير أنّ الطائفية والفساد السياسي والتحجّر بحثاً عن مصالح خاصة استطاعت الصمود أمام كافة التحديات، مرسّخة سطوة لطبقة سياسية لم تُلقِ بالاً للأوضاع المتأزمة أو رغبات الشارع، حتى تشرذمت الأخيرة وخارت قواها، فيما الأولى تزداد تأزماً وتعقيداً.

الطائفية والفساد السياسي والتحجّر استطاعت الصمود أمام كافة التحديات، مرسخة سطوة لطبقة سياسية لم تُلقِ بالاً للأوضاع المتأزمة أو رغبات الشارع

وقبيل انعقاد المؤتمر، الذي يفترض أن يناقش ما تمّ التوصل إليه خلال الشهور الماضية، فإنّ شيئاً على الأرض لم يتحقق، حيث يتعثر رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري في تشكيل الحكومة، في ظلّ تمسك التيار الوطني الحر (الكتلة المسيحية الأبرز) وحزب الله وحركة أمل (وهما الكتلتان الشيعيتان) بحصصهم، وليس فقط الحصة من حيث عدد الوزارات، ولكن تمسّكهم بوزارات بعينها.

وفيما يتمسك حزب الله بحقيبة المالية، فإنّ التيار الوطني الحر يتشبث بحقيبة الطاقة، والحريري يقف عاجزاً عن تحقيق اختراق في المشهد، أو تلبية طموحات صديقته باريس.

يأتي ذلك في وقت يرى فيه البنك الدولي أنّ معدّل نمو الناتج المحلي الإجمالي في لبنان يتراجع بشكل حاد ليصل إلى 19.2 % العام الحالي، بعد انكماشه بنسبة 6.7% في العام الماضي، في حين أدّى انهيار العملة إلى معدلات تضخم تجاوزت حدّ 100%.

وقد حمّل البنك الدولي، في تقريره حول لبنان، السياسيين مسؤولية "الكساد المتعمد" للاقتصاد الوطني، مؤكداً أنّ أي تمويل للانتعاش الاقتصادي يستوجب استعادة الثقة بين الأطراف كافة، بحسب ما أورده موقع "ميديا مونيتور".

يرى البنك الدولي أنّ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في لبنان يتراجع بشكل حاد ليصل إلى 19.2 % العام الحالي، بعد انكماشه بنسبة 6.7 % في العام الماضي

وكان وفد من الإدارة الإقليمية للبنك قد التقى أمس الرئيس اللبناني ميشيل عون.

واتهم التقرير صانعي السياسات اللبنانيين بتعمّد التأخر في اتخاذ إجراءات إصلاحية فعّالة، ما أدى إلى تعرّض الاقتصاد لكساد شاقّ وطويل.

واعتبر التقرير أنّ المساعدات الدولية والاستثمار الخاص يشكّلان ضرورة لتحقيق الانتعاش وإعادة الإعمار الشاملين، لكنه ربط أيّ تمويل للانتعاش الاقتصادي بوجوب استعادة ثقة كل المواطنين والمستثمرين والمانحين بالحكومة اللبنانية.

وصرّح المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي، ساروج كومار جاه، بأنّ غياب التوافق السياسي حول الأولويات الوطنية يعيق بشدة قدرة لبنان على تنفيذ سياسات إنمائية متبصرة طويلة الأجل.

اقرأ أيضاً: لبنانيون يسخرون من وزير الصحة.. ما علاقة حسن نصر الله؟

وأضاف: يتعيّن على الحكومة الجديدة أن تنفّذ على وجه السرعة استراتيجية ذات مصداقية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي، مع اتخاذ تدابير قصيرة الأجل لاحتواء الأزمة، واتخاذ تدابير متوسطة إلى طويلة الأجل للتصدي للتحديات الهيكلية.

صبر باريس ينفد

وفيما حمل تقرير البنك الدولي مؤشرات كافية على أنّ المانحين لن يغدقوا المساعدات على لبنان طالما ظلت الأوضاع على ما هي عليه، فإنّ باريس الممتعضة من الوضع، لم تكتفِ بالإشارات، فقد أصدر قصر الإليزيه بياناً قبل ساعات من إطلاق المؤتمر يشير إلى أنّ صبر باريس يكاد ينفد، إذا لم يكن قد نفد بالفعل.

اقرأ أيضاً: لبنان: أزمة سياسية على خلفية التدقيق الجنائي بالمصرف المركزي

وقالت الرئاسة الفرنسية: إنّ أيّاً من الإجراءات بموجب خريطة الطريق الفرنسية المقترحة لمساعدة لبنان على حلّ أزمته السياسية والاقتصادية لم تُنفّذ، لافتة أيضاً إلى أنه لم يتمّ إحراز "أي تقدّم" فيما يتعلق بمراجعة حسابات مصرف لبنان المركزي، بحسب ما أورده موقع "سكاي نيوز".

وأكد مسؤول بالرئاسة الفرنسية أنّ القوى العالمية ستواصل الضغط على الطبقة السياسية في لبنان لتنفيذ الإصلاحات الضرورية للنهوض بالبلد من الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي يمرّ بها، والتي زادت بعد الانفجار الضخم الذي وقع في مرفأ بيروت في شهر آب (أغسطس) الماضي.

ويحمل التأكيد على استمرار الضغط إشارة إلى أنّ الفرصة ما زالت سانحة لتراجع السياسيين في لبنان عن جمودهم.

اقرأ أيضاً: تعديل قانون الانتخابات لا ينهي الانقسام الطائفي في لبنان

وفي غضون ذلك، أشار المسؤول إلى أنه غير مقتنع بأنّ العقوبات الأمريكية سيكون لها أي أثر فيما يتعلق بالمساعدة على تشكيل حكومة ذات مصداقية، قادرة على تنفيذ إصلاحات من شأنها إتاحة مساعدات مالية دولية.

وكان نواب برلمانيون لبنانيون قد أوضحوا أنّ العقوبات الأمريكية الأخيرة المفروضة على قيادات لبنانية، هي السبب في عرقلة تشكيل الحكومة. وقال النائب عن كتلة حركة أمل (بزعامة رئيس المجلس النيابي نبيه بري) حليف حزب الله: إنّ الولايات المتحدة تفرض شروطاً وإملاءات على تشكيل الحكومة اللبنانية، وإنّ واشنطن تسعى من خلال العقوبات لفرض إرادتها على القرار السيادي في لبنان، بحسب وكالة أنباء الأناضول.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية