بسبب الفساد والهدر وسوء الإدارة: العراقيون بلا رواتب

بسبب الفساد والهدر وسوء الإدارة: العراقيون بلا رواتب


12/10/2020

دفعت الحكومة العراقية بورقة الإصلاح الاقتصادي إلى البرلمان، لمواجهة أكبر تحدٍّ ماليّ يواجه العراق منذ انخفاض أسعار النفط، منذ نيسان (أبريل) الماضي ولغاية الآن، وتعزى محاولة الحكومة إلى تقليص حجم الإنفاقات التشغيلية، وتتقدّمها رواتب موظّفي الدّولة العراقية التي تتفاوت بين درجة وظيفية وأخرى.

ووجّهت رئاسة مجلس النواب العراقي، بتحديد موعد لاستضافة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، ووزير المالية، علي علاوي، على خلفية تأخير رواتب الموظفين، وسحب مشروع الموازنة من المجلس.

الحكومة العراقية تقدّم ورقة للإصلاح الاقتصادي تطال رواتب الموظفين المختلفة من وزارة لأخرى.. ورئاسة البرلمان العراقي توجّه بتحديد موعد لاستضافة الكاظمي وعلاوي لمعرفة أسباب تأخير الرواتب

وكانت الحكومة العراقية قد اقترضت نحو 19 مليار دولار، من خارج البلاد وداخلها، لمعالجة الأزمة المالية الخانقة جرّاء انهيار أسعار النفط، ولتأمين رواتب الموظفين لثلاثة أشهر، وجاء ذلك بإجماع نيابي، في 24 حزيران (يونيو) الماضي.

ويعتمد العراق على عائدات بيع النفط لتمويل نحو 95% من نفقات الدولة، في حين فشلت الحكومات، السابقة والحالية، في تنويع الموارد المالية للبلاد من حيث الصناعة والزراعة.

ورقة الإصلاح الاقتصادي

يعاني العراق، بعد عام 2003، من إخفاق حكوماته في تنويع موارده المالية، واكتفائها بموارد النفط، فضلاً عن فوارق المرتّبات بين موظفي الوزارات المختلفة، خللٌ وصل إلى ذروته، مما جعل حكومة مصطفى الكاظمي إلى الدفع بورقة إصلاحية لاقتصاد البلاد عموماً.

الحكومة توّجه بوصلة مشكلة تأخير دفع الرواتب إلى مجلس النواب، وهو بريء منها

وعن مضامين الورقة، يقول النائب حسان توفيق الركابي؛ إنّها "الورقة الإصلاحية التي قدّمتها حكومة الكاظمي، تأتي من أجل تحسين الواقع الاقتصادي المحلي، وركزت على جانبين مهمين للغاية من أجل تطبيقها خلال الفترة القصيرة القادمة؛ الأول: إيقاف الهدر في النفقات العامة للدولة، على سبيل المثال؛ نشتري الغاز الإيراني المستورد بـ 3 أضعاف ثمنه، ثم نعطيه لشركة إنتاج الكهرباء في منطقة "بسمايا"، لتبيع الطاقة للحكومة الكهرباء بـ 3 أضعاف ثمنها، وفي هذا هدر كبير للمال العام".

اقرأ أيضاً: الحكومة العراقية بين مطرقة ميليشيات إيران وسندان الضغوط الأمريكية

وأضاف لـ "حفريات": "الجانب الآخر والمهم في الورقة الإصلاحية، يتلخص بتعظيم الإيرادات العامة، سواء الضريبة المباشرة أو الكمركية، فضلاً عن تحديد سلم جديد للرواتب، لتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية، للحدّ من التفاوت الحاصل في رواتب الوزارات والمؤسسات الحكومية".

استضافة وهجوم نيابيِّان

إلى ذلك، وجهت رئاسة البرلمان العراقي، بتحديد موعد لاستضافة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ووزير ماليّته علي علاوي، للوقوف على أسباب تلكؤ الحكومة في صرف رواتب الموظفين، وعدم دفعها لمشروع الموازنة للعامَين الحالي والمقبل.

اقرأ أيضاً: لماذا ترتفع حالات الانتحار بين الشباب العراقي؟

النائب جبار اللامي، هاجم الموقف الحكومي من تأخير الرواتب، وقال لـ "حفريات": "الحكومة توّجه بوصلة مشكلة تأخير دفع الرواتب إلى مجلس النواب، وهو بريء منها"، لافتاً إلى أنّ "وزير المالية تعهّد قبل استلامه منصبه بتقديم ورقة بيضاء للإصلاحات الاقتصادية الشاملة، رغم الدعوات المتكررة له بتقديمها باعتبارها من صميم عملنا، والآن يقدمها متأخراً".

اقرأ أيضاً: كيف استقبل العراقيون لقاء مبعوثة أممية مع قائد في الحشد الشعبي؟

وأكّد أنّ "الحكومة ووزارة المالية، وضعتا مهلة شهرَين بعد التصويت لتقديم الورقة الإصلاحية لقانون الاقتراض، لكن لم يحصل أيّ شيء للبرلمان"، مبيناً أنّ "الطامة الكبرى هي أنّ المالية تطالب بالاقتراض مرة أخرى".

المالية تطالب بالاقتراض مرة أخرى

وتساءل النائب قائلاً: "ما الفائدة من الوزارة وكادرها المتقدم والمستشارين، إذا كان عملها هو الاقتراض وتوزيع الرواتب دون أيّة حلول أخرى؟"، مشيراً إلى أنّ "رئيس البرلمان وجّه بتحديد موعد لاستضافة الكاظمي وعلاوي لمعرفة سبب تأخير الرواتب وتأخر دفع الموازنة الحالية والمقبلة".

خبير مالي: الشهر القادم بلا رواتب

وفي السياق ذاته، رجّح خبراء ماليون عراقيون، إمكانية تكرار تأخر رواتب الموظفين وزيادة نقمة الشارع المحلي، وتراجع سيولة العراق المالية، جراء تخبّط السياسيات المالية في البلاد.

ويقول الخبير المالي حامد الساعدي، لـ "حفريات": إنّ "موظفي الدولة العراقية سيعانون من الأزمة ذاتها التي عانوها خلال الشهر الفائت"، مؤكّداً أنّ "اقتصاد العراق بشكل عام يعتمد في النسبة الأكبر منه على سلعة ريعية، أي أنّ تحديد الأسعار خارج إرادتنا"، مبيناً أنّ "أيّ اقتصاد ريعي في العالم تكون مخاطره أكبر وقدراته في مواجهة التحديات الاقتصادية أضعف؛ لذلك فإنّ تعرض اقتصاد البلاد إلى صدمات مالية سيبقى مستمراً".

الخبير المالي باسم أنطون لـ "حفريات": العراق لا يعيش مشكلة نقص أموال بالأساس؛ بل يعاني من الهدر وسوء الإدارة للموارد والإنفاق والفساد في غياب متخصصين بالموازنة

وأضاف: "انتقال العراق من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد متنوع ضرورة إستراتيجية، من خلال استثمار ما لدينا من قدرات في قطاعات كثيرة، ومنها الزراعة والصناعة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي الذي سيوفر ثلاثة أمور إيجابية ومهمة، هي؛ امتصاص البطالة، وإتاحة العملة الصعبة، ناهيك عن تداعياتها في دعم سعر صرف الدينار، وجعل مستوى مواجهة الانتكاسات الأقوى محتملة".

وأكّد أنّ "أزمة الرواتب لن تحلّ ما دمنا نعتمد على النفط بنسبة كبيرة جداً في تمويل ميزانية البلاد".

المالية النيابية تقدم حلولاً للمستقبل

من جانبها، طرحت اللجنة المالية في البرلمان العراقي، عدة خطوات لتامين رواتب الموظفين خلال الأشهر القادمة، أبرزها؛ السيطرة على واردات المنافذ الحكومية التي دائماً تقع في قبضة "الفاسدين".

اقرأ أيضاً: الكاظمي يتحدث عن علاقة العراق بأمريكا... ماذا قال؟

وقال رئيس اللجنة، هيثم الجبوري، في تصريح صحفي: "لا بدّ من اتخاذ خطوات حقيقية، منها التحرك من قبل الحكومة واستثمار علاقاتها مع الخارج لإعادة المليون برميل الذي استقطع من الحصّة العراقية"، وأضاف: "كون المليون برميل على الأسعار الحالية، سيوفر لنا تقريباً تريليوناً ونصف الترليون، أي ما يقارب 30% من الرواتب لموظفي الدولة، وهو مبلغ ليس بالسهل؛ لذلك بالإمكان معالجة الوضع من خلاله، فيما لو تحركت الحكومة للفترة المقبلة".

انتقال العراق من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد متنوع ضرورة إستراتيجية

وأشار إلى "أهمية اتخاذ خطة واضحة لزيادة الإيرادات، كتفعيل الجمارك والضرائب والجباية والرسوم، التي هي في أمسّ الحاجة إلى التفعيل".

وبشأن المنافذ الحدودية، قال الجبوري: "الحلّ الوحيد للسيطرة على الجمارك هو الحوكمة الإلكترونية، وأتمتة الإجراءات في المنافذ الحدودية، وإبعاد متجاوزي القانون والمسيطرين على المنافذ، فضلاً عن إبعاد بعض العشائر المسيطرة على المنافذ؛ هذه هي الإجراءات الحقيقية".

فساد سياسي وراء الفوضى المالية

من جانب آخر، أكّد محللون اقتصاديون عراقيون؛ أنّ ترهّل الدولة العراقية بالكادر الوظيفي يعود إلى هيمنة القوى السياسية على الوزارات وإطلاق التعيينات لـ "محازبيها" على حساب السياسة المالية المخصصة لكلّ وزارة.

ودعا المحلل الاقتصادي باسم أنطون  إلى "ضرورة مشاركة متخصصين في كتابة موازنات العراق؛ لأنّ الكتل السياسية تجهل القدرات الاقتصادية، فما يكتب على الورق لا ينفَّذ، هناك قوى سياسية تقف ضدّ الإصلاح لأنّه يضرّ بمصالحها"، مبيناً أنّ "هناك معوقات لمنع تشريع قانون الخدمة الاتحادي لأنّ الأحزاب تريد أن تبقى مسيطرة على ملف التعيينات".

اقرأ أيضاً: العراق: لماذا أجمع القادة السياسيون على خطورة استهداف السفارة الأمريكية؟

وأكّد أنطون؛ أنّ "العراق لا يعيش مشكلة نقص أموال بالأساس؛ بل يعاني من الهدر وسوء الإدارة للموارد والإنفاق والفساد"، وأشار إلى أنّ "هناك 8 ملايين عراقي لا يملكون رواتباً، أو راتباً تقاعدياً، أو ضماناً اجتماعياً"، موضحاً أنّه "إذا لم يتم النهوض بالقطاع الخاص عبر تحريك السوق؛ فـإنّ 50٪ من نشاطات السوق مخفية، وممكن وضعها تحت عنوان السوق الرمادي، لأنّها لا تظهر في القوانين والأنظمة أو يستحصل منها ضرائب ورسوم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية