بعد أن تجاهله الغرب: هل يتّجه أردوغان نحو الصين؟

بعد أن تجاهله الغرب: هل يتّجه أردوغان نحو الصين؟


04/10/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

اعتاد الرئيس التّركي، رجب طيّب أردوغان، الإدلاء بتصريحات صادمة فيما يخصّ بكين، والتّعبير عن دعمه الصّريح للأقلّية الإيغوريّة في الصين، وهي جماعة مسلمة في شينغ يانغ تتحدّث التّركيّة في غالبيتها، وتتعرّض لانتهاكات مروّعة لحقوق الإنسان.

وفي عام 2009، عندما كان رئيساً للوزراء، قال أردوغان: "ما يحدث في الصّين، ببساطة، عبارة عن إبادة جماعيّة"، ولم تكن تلك مجرّد كلمات فارغة؛ فقد كانت تركيا ملاذاً آمناً للإيغور الفارّين من الاضطّهاد، منذ أن سيطر الحزب الشيوعيّ الصّينيّ على شينغ يانغ، عام 1949، وتستضيف تركيا أكبر عدد من الإيغور في الشّتات في العالم.

اعتقلت تركيا مئات الإيغور وأرسلتهم إلى مراكز التّرحيل، وهكذا تحوّلت تصريحات أردوغان إلى كلام لا طعم له من النّاحية الدّبلوماسية، تماماً مثل أيّ تغطية متعلّقة بالإيغور في الصّحف الرسمية

ثمّ وقع تغيّر مفاجئ وغير متوقّع؛ ففي عام 2016، ألقت تركيا القبض على عبد القادر يابكان، وهو ناشط سياسيّ بارز من الإيغور، يعيش في البلاد منذ عام 2001، وشرعت في تسليمه.

تسليم المجرمين

وفي عام 2017؛ وقّعت كلّ من تركيا والصّين اتفاقيّةً تسمح بتسليم المجرمين حتّى إن كانت الجريمة المزعومة غير قانونيّة فقط في أحد البلدين، ومنذ أوائل عام 2019؛ اعتقلت تركيا مئات الإيغور وأرسلتهم إلى مراكز التّرحيل، وهكذا تحوّلت تصريحات أردوغان إلى كلام لا طعم له من النّاحية الدّبلوماسية، تماماً مثل أيّ تغطية متعلّقة بالإيغور في الصّحف الّتي يُسيطر عليها أردوغان وأنصاره.

إنّ التحوّل الملحوظ لأردوغان له تفسير بسيط؛ نظامه والاقتصاد التركيّ في أزمة.

ومع وجود عدد قليل من الأصدقاء الآخرين، تعتمد أنقرة على بكين لإصلاح الأوضاع، وهذا يتطلّب الالتزام بما تطرحه بكين من نقاط، ومشكلات أردوغان في تصاعد؛ فقد تضرّر الاقتصاد التركيّ بشدّة من جراء جائحة فيروس كورونا، الّتي دمّرت السّياحة، القطاع الاقتصاديّ الأساسيّ في البلاد، وفي الوقت الذي يُشدّد فيه أردوغان سيطرته على البنك المركزيّ والمحاكم، يتقلّص الاحتياط الأجنبي، ويتزايد العجز التّجاري، وتغرق الليرة التركيّة.

لقد كانت تركيا ذات يوم نموذجاً للدّيمقراطية والتّنمية الاقتصاديّة في المنطقة، والآن تُعدّ دولةً تسلّطية.

مؤشّر الديمقراطية الليبرالية

 في مؤشّر الديمقراطية الليبرالية، الذي يصنّف معهد "في-ديم"، التّابع لجامعة "غوتنبرج" الدّول وفقاً له، تحتلّ تركيا الآن مرتبة ضمن العشرين الأدنى، ما يجعلها أقرب إلى الصّين منها إلى الدّول المتقدّمة، التي كانت تطمح إليها في السّابق، ومن جانبهم، يبتعد المستثمرون والشركات الغربية، الذين انجذبوا في السّابق إلى سرعة نموّ اقتصاد تركيا وتعداد سكّانها.

اقرأ أيضاً: سلطوية أردوغان التركي ودرس ديغول الفرنسي!

إنّ شهية الصّين للتوسّع في غرب آسيا وأوروبا تمنح أردوغان شريان الحياة؛ فقد توسّع التّعاون بشكل كبير؛ فمنذ عام 2016، وقّع البلدان 10 اتفاقيّات ثنائيّة، تشمل الصّحّة والطّاقة النّوويّة، وتُعدّ الصّين الآن ثاني أكبر شريك استيراد لتركيا بعد روسيا، وبين عامي 2016 و2019، استثمرت الصّين 3 مليارات دولار في تركيا، وتعتزم مضاعفة ذلك بنهاية العام المُقبل، وأصبح التدفّق النقدي من الصّين أمراً بالغ الأهميّة لنظام أردوغان، وعزّز يد الرئيس في الّلحظات الحاسمة، وعندما انخفضت قيمة الليرة بأكثر من 40%، عام 2018، قدّم البنك الصناعي والتجاري الصيني، وهو مملوك للدّولة، للحكومة التركيّة، قروضاً بقيمة 3.6 مليار دولار لمشروعات الطّاقة والنّقل الجارية.

وفي حزيران (يونيو) 2019، في أعقاب الانتخابات البلديّة في إسطنبول، التي أشارت إلى انهيار شعبيّة أردوغان، قام البنك المركزي الصيني بتحويل مليار دولار، وهو أكبر تدفّق نقديّ بموجب اتفاقيّة مُبادلة بين البنكين المركزيين في البلدين، والّتي جُدّدت آخر مرّة، عام 2012، وفيما تضاءلت شعبيّة أردوغان هذا العام، وسط أزمة فيروس كورونا والتّراجع الحادّ للعملة، حضرت الصّين لإنقاذه مرّةً أخرى، في حزيران (يونيو).

"اليوان" الصّينيّ لتسديد المدفوعات التركية

والآن، تسمح بكين للشّركات التّركيّة باستخدام "اليوان" الصّينيّ لتسديد المدفوعات التّجاريّة، ممّا يتيح لها سهولة الوصول إلى السّيولة الصّينيّة، وهي خطوة أخرى إلى الأمام في التّعاون المالي بين البلدين.

تقدّم مبادرة الحزام والطّريق الصّينيّة لتركيا مصدراً جديداً للأموال النقديّة، وتقدّم لبكّين موطئ قدم إستراتيجي على البحر المتوسّط، وكجزء من مبادرة بناء البنية التّحتية، أكملت تركيا خطّ سكّة حديديّة يمتدّ من قارص، شرق تركيا، عبر تبليسي وجورجيا، إلى باكو، عاصمة أذربيجان، على بحر قزوين؛ حيث يرتبط الخطّ بشبكات النّقل الموصلة إلى الصّين.

اقرأ أيضاً: القدس وتفسير أردوغان المُختل للتاريخ العثماني

وفي عام 2015؛ اشترى اتّحاد صينيّ 65% من ثالث أكبر محطّة للحاويات في تركيا، الّتي تُدعى كومبورت في إسطنبول، واكتسب موقعاً محوريّاً في نقل الحاويات، كما ساعد المستثمرون الصّينيون، أيضاً، في إنقاذ مشاريع أردوغان العملاقة سيّئة الإدارة؛ ففي كانون الثّاني (يناير) 2020، اشترى اتّحاد صيني 51% من جسر يافوز سلطان سليم، الذي يربط أوروبا وآسيا عبر مضيق البوسفور، بعد فشل توقّعات الإيرادات والرّغبة في رحيل الاتحاد الإيطالي التّركي، المسيطر على الجسر.

تساعد مشاريع مبادرة الحزام والطريق في دعم أردوغان بطرق أخرى؛ فقد عزّزت إستراتيجيّة تركيا لتأكيد نفسها، باعتبارها ممرّاً للنّقل، وعزّزت السّمعة السياسيّة لأردوغان، من خلال التّرويج له كشخص يمكنه تطوير البنية التحتية وجذب الأموال والقيام بمشاريع واسعة النّطاق، ويستمرّ تدفّق الأموال؛ حيث خصّصت مؤسّسة تأمين الصّادرات والائتمان الصينيّة، هذا العام، ما يصل إلى 5 مليارات دولار لصندوق الثروة التّركي، لاستخدامها في مشاريع مبادرة الحزام والطريق، وتُثير الشفافيّة والمُساءلة المحدودتان للصّندوق مزيداً من المخاوف بشأن وجهة الأموال وقدرة تركيا على السّداد.

مبادرة الحزام والطّريق

قطاع الطاقة، وهو قطاع آخر كان تطويره أساسياً في تعزيز سلطة أردوغان، شهد استثمارات أكبر تحت مظلّة مبادرة الحزام والطّريق، وتُقدّم الصّين 1.7 مليار دولار لبناء محطّة هونوتلو لتوليد الطاقة، التي تعمل بالفحم، على البحر الأبيض المتوسّط، والتي من المتوقع أن تُنتج 3% من الكهرباء في البلاد عند اكتمالها، وتخطّط أنقرة لتوقيع اتفاق مع شركة تكنولوجيا الطاقة النّووية الحكومية الصينية لبناء ثالث محطة للطاقة النووية في تركيا.

شركة "هواوي"، التي صُنّفت على أنّها تهديد للأمن القومي، في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، بسبب علاقاتها بالحكومة والجيش في الصين، لا تواجه مثل هذه المعارضة في تركيا

إلى جانب البنية التحتيّة؛ يشمل التعاون الصينيّ التركيّ تعميق العلاقات العسكرية والأمنية الثنائية، بما في ذلك في مجال الاستخبارات والحرب الإلكترونية.

إنّ صاروخ "بورا" الباليستي التركي، الذي صنّع على غرار الصاروخ الصّيني "بي-611"، الّذي طُرح عام 2017، ونُشر في العملية العسكرية التركية ضدّ حزب العمّال الكردستاني، في أيار (مايو) 2019، هو نتاج تعاون دفاعي ثنائي، إضافة إلى مشاركة ضباط عسكريين صينيين في مناورات "أفسس" العسكرية التركيّة، عام 2018.

شركة "هواوي"، التي صُنّفت على أنّها تهديد للأمن القومي، في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، بسبب علاقاتها بالحكومة والجيش في الصين، لا تواجه مثل هذه المعارضة في تركيا، وقد نمت حصتها في السّوق التركيّة من 3% فقط عام 2017 إلى 30% عام 2019، والمزاعم حول استخدام الصّين للبنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية من أجل أغراض المراقبة والقمع مثيرة للقلق بشكل خاصّ في تركيا؛ حيث يعتمد السكان على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات، بسبب الرقابة الصّارمة على القنوات الإعلامية الأخرى.

اقرأ أيضاً: أردوغان يضع العنصرية والتعصب والعداء في صدارة اللعبة السياسية

وفي عام 2016، استحوذت شركة تكنولوجيا صينيّة أخرى، تُدعى "زد تي إي" على أكثر من 48% من "نيتاس"، وهي الشّركة المصنعة الرئيسة لمعدّات الاتّصالات في تركيا، وتُدير "نيتاس" مشروعات محوريّة، بما في ذلك الاتّصالات السّلكيّة واللاسلكيّة في مطار إسطنبول الجديد، ورقمنة البيانات الصحية الوطنيّة.

موطئ قدم إستراتيجي في تركيا

في الوقت الحالي، يبدو تعزيز العلاقات بين الصّين وتركيا مفيداً لكلا الجانبين؛ فقد وجدت الصّين موطئ قدم إستراتيجي للغاية في تركيا، التي هي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، وتمتلك سوقاً كبيراً للطاقة والبنية التحتية وتكنولوجيا الدفاع والاتصالات، السلكية واللاسلكية، على مفترق طرق أوروبا وآسيا وأفريقيا. بالنّسبة إلى تركيا وأردوغان، تتيح الصّين الموارد التي تمسّ الحاجة إليها لتمويل المشروعات العملاقة رفيعة المستوى، والحفاظ على قشرة التنمية، على الرغم من الواقع الاقتصادي العاجز تحت هذه القشرة، وبالقدر نفسه من الأهمية؛ تساعد الأموال الصينية أردوغان في تجنّب طلب المساعدة من المؤسّسات التي يُهيمن عليها الغرب، مثل صندوق النّقد الدّولي، الأمر الذي من شأنه أن يتطلّب منه الالتزام بإصلاحات وتدابير أخرى قد تقوّض سيطرته غير المقيّدة على اقتصاد البلاد.

هناك سبب آخر يجعل تركيا والصّين في علاقة أكثر إحكاماً؛ إذ تتجاهل الدّول الغربيّة، بشكل متزايد، كلتا الدولتين، بسبب ممارساتهما المناهضة للديمقراطيّة في الدّاخل، وتوسّعهما في الخارج؛ فكلتاهما لا تحظيان بأصدقاء كثيرين في منطقتهما، وكلتاهما، أيضاً، تشتركان في رؤية لتحدّي هيمنة الولايات المتّحدة ووجود نظام دولي قائم على المؤسّسات الغربية.

إنّ ضحايا الشراكة الإستراتيجية الصينيّة التّركيّة الناشئة، هم الإيغور والمنشقّون السّياسيون في البلدين، وأمثال هؤلاء تتطلّب حمايتهم وجود أنظمة سياسيّة متجاوبة؛ حيث تُحمى الحقوق والحرّيات من خلال المؤسسات والعمليات الدّيمقراطية، دون جعلها تحتلّ مرتبة ثانويّة مقارنة بالبقاء الاقتصاديّ والنّمو.

 

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

أيكا ألمدار أوغلو، سلطان طيبي، "فورين بوليسي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية