ترامب أم "كورونا"؟

ترامب أم "كورونا"؟


23/03/2020

عاصم عبد الخالق
دروس التاريخ تقول إنه كلما ازداد هلع الجماهير التفت بقوة حول الزعيم الذي تستمد منه الشعور بالطمأنينة

بعد أن تنكشف الغمة وينحسر الوباء؛ ستظهر الحسابات الختامية. وبعيداً عن الخسائر البشرية التي لا تقدر بثمن، ستكون هناك قائمة طويلة من الرابحين والخاسرين في الاقتصاد كما في السياسة. ستجني شركات الأدوية والمستلزمات الطبية أرباحاً هائلة في مقابل خسائر ضخمة لشركات وقطاعات أخرى. وسيحصد قادة دول مكاسب مهمة؛ بارتفاع شعبيتهم؛ وتعاظم فرص بقائهم في مناصبهم؛ بفضل قيادتهم الناجحة للأزمة أو دهائهم في استثمارها. في المقابل سيقضي الوباء على المستقبل السياسي لآخرين لم يكونوا عند مستوى التحدي.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يكون استثناء؛ فإما أنه سيربح ويعاد انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أو تكون تلك نهاية عهده. وينقسم المعلقون الأمريكيون حول أي الاحتمالين الأرجح. الفريق الذي يعتقد أن الفيروس سيقضي على المستقبل السياسي لترامب لديه مبررات قوية؛ أهمها ضعف وتأخر إدارته في الاستجابة للأزمة، واستهانته وتهوينه من خطورة «كورونا» عند بداية انتشار الوباء. وكعادة ترامب تعمد إطلاق معلومات مغلوطة أو ناقصة أو حتى خاطئة عن المشكلة في باديتها.

بل إن صحفياً يُدعى ماشا جيسين وهو من أصول روسية يرى أن تعامل ترامب مع أزمة «كورونا» يشبه إلى حد كبير تعامل السلطات السوفييتية مع كارثة انفجار مفاعل تشيرنوبيل النووي عام 1986. في الحالتين لم تتحرك الأجهزة الحكومة سريعاً، وحاولت إخفاء الحجم الحقيقي للكارثة.

ويلخص ما كتبه الصحفي بيتر وينر في مجلة «اطلانتك» الانتقادات الموجهة لترامب؛ بسبب سوء تعامله مع الأزمة، على الرغم من تحسن أداء الإدارة كثيراً بعد ذلك. ويرى أن الفشل الأكبر لترامب كان عجزه عن إظهار قدرته على إدارة الأزمة ليس فقط داخلياً؛ ولكن على المستوى الدولي كقائد مفترض للعالم.

وجاء عنوان مقالته ملخصاً لنبوءته وهو «رئاسة ترامب انتهت». وعلى الرغم من أنه من المحافظين وعمل مع ثلاث إدارات جمهورية، فإن وينر لا يخفي رأيه السلبي في ترامب حتى قبل انتخابه في 2016. ويعده غير لائق للمنصب من النواحي العقلية والنفسية والفكرية والعاطفية والأخلاقية. ويكاد لا يترك نقيصة إلا ألصقها به؛ مثل: الكذب، الحقد، الأنانية، عدم الاستقرار العاطفي، الفشل في القيادة، الافتقار للقدرة على التعلم من الأخطاء، الجهل.

في المقابل هناك من يعتقدون أنه سينجو. وقد قدمت مجلة «نيويوركر» تقريراً شاملاً في هذا الاتجاه ربما يكون أفضل ما نشرته الصحف الأمريكية. تقر المجلة كل الانتقادات الموجهة إلى ترامب بشأن أدائه السيئ، إلا أنها تذهب إلى نتيجة مغايرة وهي أنه سينجح في استثمار خوف الأمريكيين؛ بل سيغذي مخاوفهم ليضمن التفافهم حوله، وهي لعبة يجيدها وسبق أن لجأ إليها عندما أثار مخاوفهم من اللاجئين والمهاجرين وربط وجودهم بالإرهاب والبطالة.

تستهل المجلة تقريرها بالقول إن ترامب فعل خمسة أشياء منذ انتخابه؛ هي: إطلاق مبادرات استعراضية؛ التشويش والكذب؛ إغداق المديح على نفسه؛ تخويف مواطنيه؛ توجيه التهديدات. وفي خطابه الأول عن الأزمة فعل 4 من هذه الخطايا؛ المبادرات كانت في حظر الطيران مع أوروبا. الكذب كان في ادعائه بالرد السريع والفاعل على الأزمة وقد اقترن ذلك بثناء مفرط على قيادته وجهوده التي وصفها بالأكثر قوة وشمولية. أخيراً ألهب مخاوف المواطنين من العالم عندما وصف الفيروس بأنه وافد، مشيراً أولاً إلى أوروبا قبل أن يصفه بعد ذلك ب«الفيروس الصيني».

يرى التقرير أن الوباء الذي يغذي النزعة السلطوية لدى ترامب تفشى في وقت مناسب له قبل الانتخابات؛ لذلك لن يفعل إلا ما فعله من قبل بشحن مشاعر مواطنيه ضد كل ما هو أجنبي وتغذية مخاوفهم. المجتمع الخائف هو المجتمع المناسب لهذا النوع من القادة. ودروس التاريخ تقول إنه كلما ازداد هلع الجماهير؛ التفت بقوة حول الزعيم الذي تستمد منه الشعور بالطمأنينة، وهو من جانبه سيقدم نفسه باعتباره المنقذ الوحيد. ومهما أطلق من أكاذيب سيصدقونه. الخائفون لا يفكرون بعقولهم ولا يبحثون في هذه اللحظة عن الحقيقة؛ بل عن الأمن.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية