تركيا تختنق بعزلتها: هل يتصاعد عنف أردوغان وعبثه؟

تركيا تختنق بعزلتها: هل يتصاعد عنف أردوغان وعبثه؟


15/10/2020

بعد فترة من الهدوء سادت منطقة شرق المتوسط، التي أصبحت أحدث البؤر الملتهبة بالعالم، عادت تركيا لمناكفاتها المعتادة؛ إذ أعلنت البحرية التركية، أنّ سفينتها أوروتش، ستجري مسحاً زلزالياً يستمر عشرة أيام، ورأت الخارجية اليونانية، في بيان لها، أنّ تحرك تركيا لإجراء عمليات مسح في شرق البحر المتوسط، جنوب جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، تصعيد كبير للتوتر يهدّد السلام والأمن في المنطقة.

اقرأ أيضاً: أردوغان يواصل إرسال مرتزقته إلى ليبيا وأذربيجان.. تعنت واستخفاف بالقرارات الدولية

ورغم كلّ تهديدات الاتّحاد الأوروبي لتركيا، فإنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يكفّ عن تهوّره المعتاد، والذي سيؤول إلى المزيد من الاختناق الاقتصادي لبلاده.

البراغماتية التركية

خلال الأسابيع الأخيرة سادت حالة من الهدوء في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط، مدفوعة بما يبدو أنّه تراجع وانسحاب تكتيكي، بعد أن كان سباقاً تنافسياً على موارد الطاقة؛ إذ تمّت في الأشهر القليلة الماضية عدة مناورات بحرية من قبل دول المتوسط (تركيا، فرنسا، اليونان، مصر).

 وفي مقال نشره المراسل الدبلوماسي، لشبكة التليفزيون البريطاني "BBC"، جوناثان ماركوس؛ أوضح أنّ ما يحدث في المتوسط هو أمر خطير ومعقّد، ويهدّد بتفاقم خطوط الصدع القائمة في المنطقة، ورغم أنّ الصراع يحمل عنوان استكشاف الغاز، فإنّ جذور المشكلة تحمل عمقاً أكبر، فنحن أمام صراع طويل الأمد بين تركيا واليونان، يتمّ إحياؤه الآن في سياق جديد، حقيقته تنافس إقليمي أو جيوإستراتيجي، يضع تركيا، الأكثر عنفاً في الأزمة، في مواجهة لاعبين متّحدين؛ إذ إنّ المعركة تمتدّ من ليبيا عبر مياه المتوسط إلى سوريا وما وراءها.

لا تنفكّ الصراعات تهدأ في أيّة منطقة من المناطق التي تدسّ تركيا فيها أنفها، ولم تتورّع أنقرة عن إمداد أذربيجان بالميليشيات الإرهابية، التي أصبحت تركيا أكبر متعهّديها

ويعزو ماركوس مخاوفه من الأزمة المتنامية، إلى أنّه مع اندماج الدول واتّحادها لمعارضة الطموحات التركيّة، فإنّ شعور تركيا بالعزلة يتعمّق، ما ينذر بأنّ عنفها سيتصاعد أكثر فأكثر، من أي وقتٍ مضى، كما أنّ التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط، تبرز أيضاً تحولاً آخر في المنطقة (تراجع قوة الولايات المتحدة)، أو ربّما بشكل أكثر دقّة، تراجع الاهتمام الإستراتيجي لإدارة ترامب بما يجري هناك.

 وبحسب الكاتب الصحفي والباحث في الشأن التركي الليبي، محمد حسن عامر؛ فإنّ نظام أردوغان يعيش الآن أكثر لحظاته الحرجة، لما يعيشه من صراعات خارجية على عدة جبهات، يسعى إليها سعياً لإلهاء الشارع السياسي، عما يدور بأروقة أجهزة الدولة من فساد أُتخمت به المؤسسات المالية، وأضرّ بالحياة اليومية للمواطن التركي، بعد أعوام سادت فيها حالة من الرخاء الاقتصادي.

اقرأ أيضاً: أدوات أردوغان لإثارة الأزمات وافتعال الحروب

يقول عامر لـ "حفريات": "تركيا باتت الآن أمام تحالف خطير، يحقّق لأردوغان هذه السياسية، من خلال التحالف مع حزب الحركة القومية، وهو حزب أقرب إلى التطرف في توجهاته نحو القومية التركية، لتكون تركيا أمام تحالف اليمين الديني مع التيار القومي المتشدّد، وهو تحالف خطير، ولنا أن نتخيل، التحالف بين التيار الديني والتيار القومي، والذي غلب عليه التشدّد، ليشمل عناصر معروفة بعلاقتها بتنظيم داعش الإرهابي، وغيره من الجماعات المتطرفة، وصولاً إلى علمانيي التيار القومي المتشدّد".

دائرة مغلقة من الصراعات

لا تنفكّ الصراعات تهدأ في أيّة منطقة من المناطق التي تدسّ تركيا فيها أنفها، التي كان آخرها إقليم، ناغورني كاراباخ، المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان،  فلم تتورّع تركيا عن إمداد أذربيجان بالميليشيات الإرهابية، التي أصبحت تركيا أكبر متعهّديها في المنطقة، وهو ما يعلّق عليه عامر قائلاً: "لذلك نجد أردوغان، على سبيل المثال، يشعل المعركة تلو الأخرى في الخارج، وكانت البداية بنقض وعوده للأكراد وانقلابه عليهم، عندما هدّدوا مقاعده البرلمانية، لينقل الحرب ضدّهم إلى الخارج في سوريا والعراق، والحديث الدائم عن العدو الخارجي والمؤامرة على تركيا ليكسب المزيد من الدعم".

وكلّما هدأت الأوضاع في سوريا؛ اتجه أردوغان إلى ليبيا ليشعل النزاع هناك، ولما يبدو في الأفق من أجواء تسوية سياسية، يتجه الرئيس التركي، الآن، إلى القوقاز ليذكي نار الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، ويلعب على وتر الانتماء للقومية التركية (الطورانية)، في إطار دعمه لأذربيجان (ذات الأغلبية الشيعية)، في مواجهة أرمينيا (المسيحية)، وهو ليس إلّا لنيل مكاسب اقتصادية، تتمحور حول بترول أذربيجان، لا أكثر، فالقومية مجرّد جسر يبرّر أطماعه الاقتصادية.

و كان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، علق بأنّ حصول تركيا على برنامج الطائرات الحربية "F-35"، بعد شرائها منظومة الدفاع الجوية الروسية "S- 400"، هو وسيلة ضغط أمريكية، حتى تسمح لتركيا بالتفكير ملياً في سياساتها الأكثر تعنتاً تجاه اليونان وقبرص بشكل خاص.

المحلل السياسي أحمد العناني لـ"حفريات": أردوغان سيقوم بعمل سياسة تهدئة، مرة أخرى،  بعيداً عن حرب البوارج البحرية، وبعيداً عن التواجد في المناطق الاقتصادية الخالصة

 وفي ظلّ عدم وجود تحرك أمريكي واضح وصريح تجاه تركيا، سعت ألمانيا لأن تكون حلقة الوصل بين طرفَي الأزمة، خاصة في ظلّ الميل الفرنسي الواضح إلى اليونان وقبرص، إلّا أنّ التحركات الأخيرة التي بدأت الولايات المتحدة في اتخاذها، والتي تجلّت في زيارة وزيرالدفاع الأمريكي إلى الجزائر، دفعت المحلّلين إلى القول بأنّ الولايات المتحدة تسعى لتجحيم الدور التركي، الذي تفشّى في المنطقة مؤخراً، لذلك تتحرّك أمريكا بخطوات محسوبة وبدقّة.

سياسة العصا والجزرة

أدرك الاتّحاد الأوروبي أنّ الجموح التركي، لا يمكن كبحه إلّا بسياسة العصا والجزرة، فهددّ تارة بعقوبات اقتصادية، وتارة أخرى بتحفيز تركيا على التهدئة، التي يمكن أن تناقش دول الاتّحاد الأوروبي من خلالها إمكانية انضمام تركيا مستقبلاً.

اقرأ أيضاً: عن أردوغان الطوراني العظيم

 وبحسب الباحث المختص بالشؤون الدولية، والمحلل السياسي، أحمد العناني، فإنّ اللهجة التي انتهجتها دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل مؤخراً، للتعليق على التعدّيات التي تمارسها تركيا بحقّ قبرص واليونان، هو ما جعل الرئيس أردوغان، يتراجع قبل أسابيع، ويعطي أوامر بانسحاب سفنه، التي كانت تنقّب وتقوم بمسح زلزالي، داخل المناطق الاقتصادية الخالصة لقبرص اليونانية، بالتالي كان هذا سبباً في انسحابها.

وينوه العناني، في تصريح لـ "حفريات" إلى أنه "في السابق كانت هناك وعود من المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي أوضحت أنّه في حالة الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وتغيير سياسة أنقرة المتعنتة تجاه جارتيها، سيكون هناك مجال للحديث عن الانضمام للاتّحاد الأووربي، بالتالي؛ فإنّ أردوغان لا يريد أن يضع عراقيل تجاه احتمالية الدخول إلى الاتحاد، والتي لطالما سعى إليها، كما أنّه يدرك جيداً، أنّ ألمانيا تحاول التزام الحياد تجاه بلاده، على العكس من الجانب الفرنسي، الأكثر تشدداً في علاقته المتوترة، في الفترة الأخيرة مع تركيا، وبالتالي انسحاب السفن كان رسالة ذات مدلول لدول الاتحاد الأوروبي، وتعني أنّهم يريدون التهدئة، مقابل إيجاد حلول، خاصة أنّ هناك مساعي للجلوس على طاولة المفاوضات، واتفاقات خاصة بالتنقيب عن طريق الاتفاق، بالتالي؛ جاء انسحاب السفن خوفاً من الاتحاد الأوروبي، بعد أن لوّح الاتّحاد بفرض عقوبات اقتصادية على الجانب التركي، لن يحتملها النظام، خاصة أنّ الاقتصاد يعاني من أزمة كبيرة، بالتالي، جاء الانسحاب على ألا يسبّب أردوغان مشكلات اقتصادية أكثر مما تعانيه البلاد".

اقرأ أيضاً: غاز القوقاز يورّط أردوغان في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان

وفي تقدير العناني، فإنّ "أردوغان سيقوم بعمل سياسة تهدئة، مرة أخرى،  بعيداً عن حرب البوارج البحرية، وبعيداً عن التواجد في المناطق الاقتصادية الخالصة، خاصة في تلك الأيام، وأظنّ أنّ ذلك نتيجة تحذيرات الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنت سابقاً أنّها لن تسمح بحدوث حرب بين دولتين في حلف شمال الأطلسي، لذلك هو لا يريد إغضاب الجانب الأمريكي، والذي أظهر في الآونة الأخيرة، دعماً واضحاً للجانب القبرصي، وأيضاً كان هناك في السابق حظر للسلاح، لكنّ أمريكا رفعته وسمحت بتصدير السلاح إلى قبرص، في دلالالة واضحة على دعم الولايات المتحدة لقبرص، هو أكثر ما تخشاه تركيا؛ لذلك فإنّها ستتراجع إلى الخلف حتماً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية