تركيا والحسابات الخاطئة

تركيا والحسابات الخاطئة


08/10/2020

يونس السيد

للوهلة الأولى تبدو تركيا وكأنها تحولت إلى دولة عظمى تصول وتجول في كل الاتجاهات.. من سوريا إلى العراق وليبيا ثم إلى شرق المتوسط، وأخيراً إلى القوقاز، مستغلة وجود أي تناقضات أو أي ثغرة في هذه الجهة أو تلك، لكن أيضاً وفق حسابات غير مدروسة أو خاطئة بمعظمها، ما يفسر سرعة تراجعها في معظم هذه الاتجاهات عند أول اصطدام جدي بالتوازنات الإقليمية والدولية.

«العثمانية الجديدة»، التي يقودها أردوغان لإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية البائدة، تحت ستار الدين والقومية، باتت هي محور المشروع التركي - العثماني الجديد، خصوصاً بعد صعود حزب «العدالة والتنمية» إلى السلطة، واعتقاده بأن انتهاء الحرب الباردة يتيح لتركيا، بحسابات معينة، لعب دور المايسترو على الصعيدين الإقليمي والدولي. واستطراداً وفرت أحداث ما سمي ب «الربيع العربي» إغراء جدياً لأنقرة لإطلاق هذا المشروع عبر التدخل في شؤون المنطقة. لكن حسابات أنقرة الانتهازية سرعان ما اصطدمت، إما برفض أغلبية شعوب المنطقة لهذه التدخلات، أو بالتوازنات والمصالح الإقليمية والدولية، وبالتالي فإن أوهام المشروع التركي - العثماني الجديد بدأت تتهاوى، أولاً مع سقوط جماعة «الإخوان» وانكفائها في معظم دول المنطقة، وثانياً عبر اصطدامها بالمصالح والتوازنات الإقليمية والدولية، ما دفعها في النهاية إلى التراجع في معظم، إن لم نقل كل، الملفات، التي حاولت التدخل فيها وحسمها لصالحها. لكن ثمة ملاحظة مهمة إزاء الحركة التركية بمجملها، بعد سقوط مشروع «الإخوان»، وهي تتبدى في عاملين أساسيين من بين عوامل أخرى، هما الحرب على الأكراد والاحتكاك مع روسيا، رغم العلاقات الظاهرية، وبالتالي فإن سوريا بالذات ستظل محور حسابات أنقرة في كل الملفات المفتوحة، ذلك أن الورقة الكردية مهمة جداً بالنسبة لأنقرة بذريعة محاربة الإرهاب واستمرار اللعب على التناقضات الروسية -الأمريكية والغربية عموماً في هذا الملف، وتبرير احتلالها لأجزاء واسعة في شمال شرقي سوريا، وهو ما يتصل أيضاً بما يحدث على جبهة إدلب شمال غربي البلاد، والضغوط الروسية المتواصلة لتطبيق الاتفاقات الموقعة بين الجانبين، خصوصاً أن تركيا تدرك أن تطبيق الاتفاقات لم يعد يطال سوى حلفائها من الجماعات الإرهابية، حيث لم يعد ثمة وجود ل«المعارضة المعتدلة» هناك. هذا الاحتكاك الروسي التركي انتقل إلى ليبيا، وساهم إلى جانب جهود قوى إقليمية ودولية في كبح جماح ميليشيات الوفاق، ودفع الجميع للبحث عن تسوية سياسية للصراع. والأمر نفسه حدث في شرق المتوسط حيث تراجعت تركيا وعادت إلى المربع الأول في البحث عن حلول سياسية بعدما اصطدمت بالتوازنات الإقليمية والدولية. وليس بعيداً من هذه الحسابات، المغامرة التركية غير المحسوبة أيضاً، بإشعال الصراع في القوقاز قرب الحدود الروسية، ودفع أذربيجان إلى توجيه ضربة شاملة ومفاجئة للسيطرة على إقليم ناجورنو كاراباخ، ويدخل في صلب هذا الاحتكاك، إرسال مرتزقة سوريين تحديداً وزجهم في صراع الإقليم، لكن مرة أخرى، تخطئ أنقرة في حساباتها، إذ يبدو أن منطق التسوية بات هو الأقرب لحل الصراع.

عن "الخليج" الإماراتية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية