تعرف إلى الخريطة الإسلاموية في تونس

تعرف إلى الخريطة الإسلاموية في تونس


12/07/2021

هناك ثلاثة اتجاهات إسلامية حركية في تونس، إضافة إلى الاتجاه التقليدي الصوفي، الذي لن نتوقف عنده في هذه المقالات الخاصة بدول شمال وغرب أفريقيا؛ لأنه غير معني بإثارة القلاقل السياسية والأمنية والاستراتيجية للدولة الوطنية، إضافة إلى أنّه يدين بالولاء لهذه الدولة، ولا توجد لديه ارتباطات مع الخارج، ضمن عوامل أخرى، تطلبت التوقف عند طبيعة الحركات الإسلامية في هذه الدول.

يتعلق الأمر بالاتجاه الإخواني، وهو أهم تيار إسلامي حركي في تونس، والأكثر حضوراً، سواء في مؤسسات الدولة أو في منظمات المجتمع المدني، بل وصل حضوره في العمل البحثي حتى في أمريكا؛ وهناك اتجاه سلفي جهادي على الخصوص، وأخيراً، هناك اتجاه إسلامي حركي، عنوانه الفرع التونسي لحزب التحرير، وإن كان أقلية، ولكن المؤتمر الإقليمي الكبير الذي نظمه في تونس، بعد اندلاع أحداث "الفوضى الخلاقة" [2011-2013]، كشف عن وجود نواة إسلامية تابعة لهذا المشروع.

سوف نركز في هذا التقرير على الاتجاهين الإخواني والسلفي الجهادي، وذلك لثلاثة اعتبارات:

ــ الأول أنّ الاتجاه الإخواني تغلغل كثيراً في مؤسسات الدولة السياسية، خاصة بعد تحولات ما بعد 2011، إضافة إلى أنّه أصبح لاعباً سياسياً ملهماً لباقي التجارب الإخوانية في المنطقة، وأخيراً؛ لأنه يضم أحد أهم المنظرين الإخوان، ويتعلق الأمر بالداعية الإخواني راشد الغنوشي، الذي يُستشهد بمواقفه وأعماله من طرف أتباع المشروع الإخواني، سواء في المنطقة العربية، أو حتى في أوروبا، كما هو الحال مع الفرع الفرنسي للإخوان المسلمين ("اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا").

الحركة الإسلامية في تونس مرت بعدد من التحولات التنظيمية والفكرية منذ نشأتها في نهاية ستينيات القرن الماضي

ــ أما الاعتبار الثاني، فإنه مرتبط بالمشروع السلفي الجهادي، الذي ظهر بقوة أيضاً في الساحة التونسية، مباشرة بعد اندلاع تلك الأحداث، إلى درجة أنّ نسبة الشباب التونسي الجهادي الذي شد الرحال إلى سوريا والعراق، كانت في المقدمة، متجاوزة نسبة الشباب السعودي والمغربي، [ذهب إجمالي 3 آلاف تونسي تقريباً إلى العراق وسوريا، في حين توجه ما يصل إلى 1500 إلى ليبيا] إضافة إلى أنّ تونس، محاطة جغرافياً بليبيا والجزائر؛ حيث تتمركز مجموعة من الجماعات الجهادية، دون إغفال أنّ بعض النخب السياسية التونسية، من حساسيات يسارية، تعرضت للاغتيال (حالة شكري بلعيد في 6 فبراير 2013 ومحمد البراهمي في 25 يوليو 2013)، وبالتالي، خطورة هذا المشروع ليست مسألة نظرية أو أكاديمية، وإنما خطورة ميدانية حقيقية.

اقرأ أيضاً: الخريطة الإخوانية في ليبيا.. هل يجدي الثوب الجديد؟

ــ لا يقل الاعتبار الثالث أهمية عن الاعتبارين السابقين أعلاه، خاصة أنه قاسم مشترك بين المشروع الإخواني والمشروع السلفي الجهادي، أقله أنّ الحركة الإسلامية في تونس مرت بعدد من التحولات التنظيمية والفكرية منذ نشأتها في نهاية ستينيات القرن الماضي. من الجماعة الدينية إلى الحزب السياسي، ومن المشروعات الكبرى في إقامة الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي إلى استيعاب الدولة الوطنية والمشاركة في إدارتها، موازاة مع بقاء تيار آخر للمشروع في الواجهة الجهادية، ولكن العقل الحاكم للحركة بقي دائماً ينظر إلى الإسلام بوصفه ديناً ودولة، ولا ينظر إلى السياسة إلا بوصفها امتداداً للدين، الأمر الذي أوقع الخصومة بينها وبين بقية الفرقاء الذين اعتبروها محتكرة لمشترك ثقافي يهم المجتمع كله وتجيره لحسابها كي تجني به مكاسب سياسية وسلطوية، مع الواجهة الإخوانية السياسية، وكسب المزيد من الأتباع والفروع مع الواجهة الجهادية، باعتبارها ورقة ضغط على باقي الفرقاء السياسيين والحزبيين ومنظمات المجتمع المدني.

المشروع الإخواني

بينما ينظر الكثير من الناس إلى حركة "النهضة" كحزب سياسي، يرى البعض الآخر أنها حركة دينية، والحال أنّ المشروع الإخواني بشكل عام، يجمع بين السياسة والدين، كنواة مؤسسة للمشروع، ولكنها تشتغل في أي قطاع مجتمعي، سواء تعلق الأمر بالقطاع النقابي أو الطلابي أو النسائي أو الإعلامي.. إلخ، وبالتالي، ينبغي أخذ هذا المحدد بعين الاعتبار في معرض قراءة المشروع، وأي قراءة تستبعد هذه "الشمولية" في طبيعة المشروع، سوف تسقط في قراءة أحادية أو اختزالية، من قبيل أنه مشروع دعوي ولديه واجهة سياسية، تغذي الدعوة، أو العكس، وهذه قراءات تصب في صالح أهداف المشروع، وتقدم الخدمة نفسها التي تقدمها وظيفة التقية التي يشتغل بها المشروع الإخواني، أيا كان، بما في ذلك إخوان أوروبا؛ فالأحرى إخوان المنطقة.

ثم إنّ السرّية التي طبعت تاريخ الحركة الإسلامية في تونس منذ نشأتها، تجعل من الصعب القبض على نوايا المشروع، بما في ذلك نوايا إعلان الحركة في مؤتمرها العاشر الذي عقد في أيار (مايو) 2016 عن فصل العمل السياسي عن العمل الدعوي (في الفترة نفسها تقريباً أعلن فيها المشروع الإخواني في المغرب عن النوايا نفسها، وفي الفترة التي أعلن فيها الفرع الفرنسي، عن تغيير الاسم من "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، نحو "اتحاد مسلمي فرنسا"، وجيب قراءة هذه النوايا والقرارات في سياق شمولي، يهم أداء التنظيم الدولي للإخوان، وليس في إطار وطني، يهم هذه الدولة أو غيرها).

 

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ واقع العمل الإخواني في الجزائر في الأعوام الأخيرة؟

كانت الحركة الإسلامية التونسية خليطاً بين مجموعة إخوانية تقليدية تتبع منهج جماعة الإخوان عقيدةً وسياسةً، بما فيها أفكار سيد قطب عن الحاكمية والجاهلية، ومجموعة سلفية صغيرة متأثرة بحركة المد السلفي التي ظهرت في بداية السبعينيات في مصر والخليج على يد الشيخ ناصر الألباني والجمعية الشرعية المصرية ومجموعة إسلامية عقلانية انشقت في أواخر السبعينيات بقيادة صلاح الدين الجورشي وحميدة النيفر، وبعض العناصر ذوي التوجه الصوفي ولاحقاً ظهر تيار شيعي داخل الحركة في عقب انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الخميني عرف بــ"خط الإمام".

السرّية التي طبعت تاريخ الحركة الإسلامية في تونس منذ نشأتها، تجعل من الصعب القبض على نوايا المشروع

ومع أنه يصعب على الحركة تحديد منهج التغير في مواجهة الدولة والمجتمع انطلاقاً من هذه الأرضية المؤسسة للمشروع، إلا أنّ التيار الغالب فيها كان متأثراً بأفكار الجناح القطبي في جماعة الإخوان المسلمين القائل بالحاكمية، وتكفير الحكام والجهاد ضدهم من أجل إقامة الدولة الإسلامية.

صحيح أنه لا يمكن مقارنة موقع حركة النهضة الحالي، فكرياً وتنظيمياً، بالجماعات الإسلامية الجهادية، لكن المراجعات التي تقدم عليها الحركات الإسلامية عموماً تكون دائماً رهينة بالسياق العام، الداخلي والإقليمي، ونتيجة متغيرات موضوعية وليست وليدة استعداد ذاتي، ويمكن أن نوجز بعض خصائص هذه المراجعات في أنّ أغلب المراجعات التي أقدمت عليها جماعات إسلامية سواء كانت سياسية أم جهادية، قد حدث وهذه الجماعات في أزمات ومحن أمنية وسياسية وقياداتها في السجون، لذلك فهي محاولة للخروج من الأزمة أكثر منها محاولة جادة للمراجعة. أي إنّها تقع في حيز التكتيكي وليست تغيرات استراتيجية جذرية؛ وعلى صعيد آخر، أثبتت دروس التجربة التاريخية أنّ هذه المراجعات شديدة الهشاشة ولم تصمد أمام المتغيرات السياسية.

على غرار بعض التجارب الإخوانية المغاربية، تجمع حركة النهضة بين المنهج الإخواني والاعتقاد السلفي، وسبق لراشد الغنوشي، المنظر الأول للمشروع الإخواني في تونس، وأحد أعمدة المشروع الإخواني في المنطقة، أن وضح هذه الجزئية في شرحه للعناصر الفكرية المكونة للحركة الإسلامية التونسية، قائلاّ: "إنّ هذا التدين بدوره تألف بين العناصر الآتية: المنهجية السلفية التي تقوم على محاربة البدع في مجال العقائد ورفض التقليد المذهبي في المجال الفقهي والعودة في ذلك كله إلى الأصل: الكتاب والسنة، وتقوم هذه المنهجية أساساً على أولوية النص المطلقة على العقل والفكر السياسي والاجتماعي الإخواني القائم على تأكيد شمولية الإسلام ومبدأ حاكمية الله سبحانه مبدأ العدالة الاجتماعية، ومنهج تربوي يركز على التقوى والتوكل والذكر والجهاد والجماعية والاستعلاء الإيماني".

 

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الخريطة الإخوانية في المغرب؟

وفي تعامل إخوان تونس مع الشق الجهادي للإسلاموية، لا تزال حركة النهضة مترددة بين نهجين متنافسين للتعامل مع السلفية الجهادية: يقوم الخيار الأول على تبعات السماح للسلفيين الجهاديين بالعمل بصورة علنية، حيث سيعدلون أفكارهم من خلال التفاعل مع الجماعات الإسلامية الأخرى، وبالتالي يمكن أن يكونوا رصيداً للحركة الإسلامية؛ أما الخيار الثاني، فلا ينظر إليهم باعتبارهم يشكلون تهديداً للعملية السياسية التونسية وحسب، بل يهدد أول تجربة لحركة النهضة في الحكم. في المرحلة الأولية التي أعقبت اندلاع "الفوضى الخلاقة"، كان الخيار الأول هو المهيمن، حيث سمحت النهضة للسلفيين الجهاديين بالعمل في المجال الديني.

من نقاط قوة مشروع حركة/ حزب النهضة، طبيعة هيكلة الحزب، والتي تنافس فيها هيكلة باقي الأحزاب السياسية، بل تتفوق عليها، ولا يمكن بالتالي مواجهة هذا المشروع، بهذه الهيكلة التي سنتوقف عندها لأهميتها، بأحزاب متواضعة الهيكلة أو متواضعة التنظيم، أو قائمة على مبادرات فردية لبعض الأعضاء، دون تشعب في الأداء الميداني والتنظيمي والمؤسساتي.

يتفرع المشروع الإخواني لحركة وحزب النهضة على المؤسسات التالية:

هناك أولاً "المؤتمر الوطني العام"، وهو السلطة العليا في الحزب ينعقد بصفة عادية مرة كل أربع سنوات واستثنائياً كلما دعت الحاجة إلى ذلك) ويتكون من مؤتمرين بالانتخاب ومؤتمرين بالصفة يضبطها القانون الأساسي، ومن مهامه/ أنه يسطر التوجه السياسي العام للحزب، ويصادق على سائر اللوائح المعروضة عليه؛ يتدارس تعديلات القانون الأساسي للحزب ويصادق عليها؛ ينتخب رئيس الحزب، ضمن مهام أخرى.

وهناك موازاة معه، على غرار ما نعاين في بعض الحركات الإسلامية المغاربية، من قبيل جماعة "العدل والإحسان"، "مجلس الشورى"، ويمثل هذا المجلس أعلى مؤسسة قرار بين مؤتمرين، وتتمثل مهامه وصلاحياته في تحديد السياسات العامة للحزب طبقاً لتوجهات المؤتمر الوطني العام، المصادقة على خطة العمل السنوية للحزب؛ المصادقة على الميزانية السنوية للحزب ومراقبة صرفها؛ تقييم ومراقبة عمل الهيئات التنفيذية للحزب؛ المصادقة على النظام الداخلي للحزب؛ قرار تشكيل تحالفات سياسية أو الانسحاب منها، ضمن مهام أخرى.

كانت الحركة الإسلامية التونسية خليطاً بين مجموعة إخوانية تقليدية تتبع منهج الإخوان عقيدةً وسياسة، ومجموعة سلفية صغيرة متأثرة بحركة المد السلفي التي ظهرت في السبعينيات في مصر والخليج

هناك أيضاً مؤسسة رئاسة الحزب، ومؤسسة المكتب التنفيذي، والذي يعتبر أعلى مؤسسة تنفيذية للحزب، وهو مسؤول على تنفيذ قرارات مجلس الشورى ويمارس مجموعة من الاختصاصات لعل أهمها ضمان حسن إدارة شؤون الحزب على الأصعدة السياسية والتنظيمية والإدارية والتواصلية والمالية، كما يضع برنامجاً لعمله السنوي ومشروع ميزانية الحزب ويعرضهما على أنظار مجلس الشورى للمصادقة عليهما، ويشرف أيضاً على الانتخابات ويحرص على النجاح فيها.

نجد أيضاً هيئة النظام والرقابة المالية؛ وهيئة الرقابة والتدقيق المالي؛ والكتلة البرلمانية، ومركز التفكير الاستراتيجي [ويتخصص في إعداد البحوث والدراسات اللازمة لترشيد القرار على مستوى الحزب في المسائل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والاستراتيجية وغيرها، وللحركة/ الحزب مركز يشتغل في الولايات المتحدة الأمريكية، منذ عقدين على الأقل، وهو "مركز دراسة الإسلام والديمقراطية"، ومقره واشنطن، والذي كان يترأسه إلى غاية الشهر الماضي، رضوان المصمودي، الذي يُلقب بـ"عراب الإخوان في واشنطن"]، إضافة إلى أكاديمية التكوين والتأهيل القيادي؛ تمثيليات الحزب في الخارج؛ وأخيراً، الهياكل المحلية والجهوية، وهي تمثيليات الحزب في المستويات الترابية بحسب التقسيم المعتمد في الدولة، تتكون من أعضاء تلك المحليات ومنخرطيها، في نطاق سياسة اللامركزية، بحيث تتاح لتلك الجهات والمحليات أدوار أكبر في تأطير المواطنين، وفي ربط العلاقات مع الهيئات ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب ومختلف الفعاليات، في ظل التوجهات العامة للحزب وقرارات مؤسساته.

بخصوص موضوع فصل العمل السياسي عن العمل الدعوي كما دعت إلى ذلك الحركة والحزب في نهاية 2016، فيجب أن نأخذ مجموعة اعتبارات أفضت إلى اتخاذ هذا القرار، والذي لا يُفيد أنه متحقق على أرض الواقع، كما تشهد على ذلك مجموعة من المؤشرات الميدانية، أقلها ما يوجد في مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال متابعة وقراءة الحسابات الرسمية لأعضاء الحركة والحزب في مرحلة الاستحقاقات الانتخابية، حيث نعاين خطاباً موحداً، بسبب التماهي بين العملين منذ لحظة التأسيس.

 

اقرأ أيضاً: كيف يمكن التعامل مع الظاهرة الإخوانية في أفريقيا؟

هناك بعض العوامل تقف نسبياً وراء اتخاذ ذلك القرار، من قبيل الحركة من السلطة وخسارتها لانتخابات عام 2014 وصعود غريمها "نداء تونس"، تبعات ما بعد حزيران (يونيو) 2013، مع سقوط جماعة ومشروع "الإخوان المسلمين" في مصر، تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" منظمة إرهابية من طرف السعودية (آذار/ مارس 2014) والإمارات (تشرين الثاني/ نوفمبر 2014)، وجود موازين قوى مختلة سياسياً واجتماعياً ضد الحركة، وبخاصة في مستوى النخب. فالحركة على الرغم من أنّ لها قواعد جماهيرية كبيرة إلا أنها ضعيفة في مستوى النخب الثقافية والإدارية والسياسية والإعلامية، إلا أنّ مُجمل هذه العوامل، لا تؤكد أنّ الأمر يتعلق بفصل نهائي وحقيقي، لأن العضو الإخواني الذي تربى على التماهي بين الدعوة والسياسة، لا يمكن أن ينتقل إلى مقام الفصل بمجرد صدور قرار رسمي عن الحركة أو الحزب.

 

اقرأ أيضاً: مضاعفات التحرر من السياج الإسلامي الحركي

تشمل الخريطة الإسلاموية في تونس، ما تقوم به منظمات العمل الأهلي أو منظمات المجتمع المدني، باعتبارها بوابة مجتمعية تساعد المشروع الإخواني في اختراق المجتمع، ويتعلق الأمر بمنظمات ناشطة تحت يافطة العمل الخيري في تونس، ظهر أغلبها بعد 2011، وخاصة بين عامي 2012 و2013؛ أي فترة حكم "الترويكا" بزعامة حركة النهضة، حيث تعمل على اختراق النسيج الاجتماعي وتقديم نفسها سنداً للمواطنين، قبل أن يتضح لاحقاً أنها أداة من أدوات حركة النهضة، ونجد ضمن هذه الجمعيات: منظمة "الإسلام يجمعنا" و"صفاقس الخيرية" و"رابطة العمل الخيري"، و"الإنصاف والعدالة " وغيرها.

 

اقرأ أيضاً: كيف أثرت أحداث "الربيع العربي" في الخطاب الديني؟

وكما عاينا في الحالة المغربية على الخصوص، مع تولي حزب "العدالة والتنمية" رئاسة حكومة "الربيع المغربي"، ومجموعة من الحقائب الوزارية، سوف يساهم الحضور الحكومي لحركة النهضة في تسهيل عقد شراكات بين هذه الجمعيات والوزارات المعنية بالتمويل، ومن ذلك، ما أعلن عنه رسمياً مثلاً، الشراكة بين وزارة الشؤون الدينية وجمعية "مرحمة للمشاريع الاجتماعية والخيرية"، وهي جمعية خيرية محسوبة على حركة النهضة؛ لأن مديرها التنفيذي، هو العضو السابق في مجلس الشورى بحركة النهضة محسن الجندوبي.

ومن بين الجمعيات الأجنبية التي ساهمت في تغذية هذا العمل الجمعوي الإخواني، نجد الدعم القطري، والصادر عن جمعية "قطر الخيرية" الناشطة في تونس والتي يترأسها عماد الدايمي مدير ديوان الرئيس السابق منصف المرزوقي.

المشروع الجهادي

مباشرة بعد الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، سوف تمرّ الحركة الجهادية هناك بمراحل مختلفة وهي الآن [ربيع 2021] في أكبر فترة هدوء منذ الثورة، على الأقل من حيث الهجمات الإرهابية. ولن تتصدر القضايا الأمنية أجندة تونس في عام 2021، لكن العدد الهائل من المواطنين الذين تم تجنيدهم في صفوف الجهاديين على مدى العقد الماضي يشير إلى أن التداعيات ستظل محسوسة لسنوات قادمة، حيث يتواجد معظم مقاتليها على جبهات أجنبية، ويتّخذ معظم المخططين للهجمات في صفوفها من الغرب مقراً لهم، كما أنّ أعضاءها مسجونون في عدة دول. أما الفرق الرئيسي الآن فهو أنّ أعداد المنضمين إليها أصبح أكبر بكثير. وعلى الرغم من الإنجازات التي حققتها الحكومة ضد الجهاديين على مدى السنوات الخمس الماضية [2015-2020]، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة تتعلق بإصلاح قطاع الأمن والسلطة القضائية ونظام السجون.

تشمل الخريطة الإسلاموية في تونس، ما تقوم به منظمات العمل الأهلي أو منظمات المجتمع المدني، باعتبارها بوابة مجتمعية تساعد المشروع الإخواني في اختراق المجتمع

نجد في مقدمة الجهاديين التونسيين، جماعة "أنصار الشريعة"، وفي فورة الحراك الثوري التونسي، وخروج جميع الإسلاميين من الكواليس والخفاء نحو العلن (من إخوان، سلفية تقليدية، سلفية جهادية، حزب التحرير.. إلخ)، وصل الأمر إلى السماح لجماعة "أنصار الشريعة" بتنظيم أكثر من 900 فعالية بين 2011 و 2013، شملت محاضرات دينية ومنتديات دعوة وتسيير قافلات خيرية، بل شارك أعضاؤها بشكل غير رسمي في أنشطة الحسبة ودعموا جناحاً عسكرياً سرياً درب أفراداً في ليبيا، ومن نتائج هذه الخبرة، أن شهدت تونس عدة هجمات جهادية واسعة النطاق بدءاً من عام 2015، إلى جانب هجمات أصغر حجماً بأسلوب المتمردين في الجبال القريبة من الحدود الجزائرية، وخاصة في ولاية القصرين.

في غضون العام الماضي (2020)، استمر النشاط الجهادي في الجبال في غرب تونس، إذ تأكد مقتل خمسة قياديين جهاديين: باسم الغنيمي، ومحمد حبيب حاجي، وحافظ رحيمي، وناظم الذيبي، ومحمد ونيس بن محمد الحاج، ولكن في المقابل، لم يُقتل أي من قادة "كتيبة عقبة بن نافع"، الفرع التونسي التابع لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، خلال العام الماضي،(حوالي 40 من أعضائه لا يزالون ناشطين في الجبال).

ساهمت ظروف جائحة "كوفيد-19" في عرقلة الخريطة الجهادية في تونس، إلا أنّ مساراتها التي سبقت الوباء تشير إلى أنّ تراجع عدد الهجمات قد يكون مؤشراً على ضعف تمر منه الجماعات، موازاة مع زيادة في عدد الاعتقالات المتعلقة بالجهاديين، ونلاحظ هنا أنه لم توفر وزارة الداخلية التونسية سوى القليل من الشفافية بشأن التفاصيل وراء هذه الاعتقالات.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية