توتر بين الصين وتركيا.. ما علاقة الإيغور والأكراد؟

توتر بين الصين وتركيا.. ما علاقة الإيغور والأكراد؟


06/01/2022

يبدو أنّ العلاقات التركية الصينية ستشهد مزيداً من التدهور في الأيام القادمة، ففي ظل إصرار الرئيس التركي على اتباع أساليب استفزازية لبكين، باستخدام ورقة المسلمين الإيغور بإقليم "شينغيانغ" للضغط على الصين، أو عرقلة مشروع الحزام والطريق الصيني، دعت بكين للتلويح باستخدام ملف الأكراد لوقف التهور التركي.

ظهر هذا جلياً في جلسة مجلس الأمن التي عقدت في  تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عندما اتهم خلالها نائب المندوب الدائم للصين "قنغ شوانغ" تركيا باحتلال الشمال السوري، ما اضطر نظيره التركي فريدون سينيرلي أوغلو إلى توجيه رد قاس قائلاً: نحن لا نأخذ الدروس ممن ينتهكون القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني في إشارة منه إلى معاناة "الإيغور" على يد قوات الأمن الصينية.  

بعدها تناولت أكثر من وسيلة إعلامية صينية أوضاع الأكراد في تركيا، مع الإشارة لحجم ما يتعرضون له من اضطهاد عنصري وقمع وحشي وتشريد وتهجير قسري، ليس فقط في الداخل التركي؛ بل في سوريا والعراق، موضحين أنّ تركيا لا تعترف بقوميتهم ولا تسمح لهم بممارسة لغتهم في النواحي الأدبية والتعليمية والثقافية، وكان مجرد التحدث باللغة الكردية جريمة جنائية حتى العام 1991.

اقرأ أيضاً: مسلمو الإيغور... اضطهاد صيني ومتاجرة تركية

كما تم الاحتفاء بمقاتل بريطاني-صيني يُدعى "هوانغ لي" يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً، مُستخدِمة صورة له على جبهات القتال نشرها على حسابه بموقع "سينا ويبو" (موقع تدوينات مُصغرة صيني يشبه تويتر) بُغية توثيق حضوره في الحرب السورية العام 2015. ولم يقتصر الأمر على التفاخر ببطولة "هوانغ لي" وحده، بل واندفع الإعلام الصيني بنفسه للإشادة بالمقاتلين الدوليين الذين ساعدوا القوات الكردية في حربها ضد تنظيم (داعش).

الصين تلوح باستخدام ورقة الأكراد تجاه استفزاز تركيا لها بقضية المسلمين الإيغور

هذا التصعيد يعد نوعياً في العلاقات التركية الصينية التي لم تكن قوية منذ البداية، فقد شهدت موجات من المد والجزر، بدأت سيئة بعد دخول أنقرة لحلف الناتو العام 1952، وطوال فترة الحرب الباردة، لهذا تأخر البلدان في إقامة علاقات دبلوماسية إلى العام 1971، ثم شهدت تحسناً ملحوظاً في فترة تسعينيات القرن العشرين؛ فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي قررت أنقرة اعتبار الصين أحد أسواق شراء السلاح، فتحسنت العلاقات الاقتصادية إلى درجة مقبولة.

اقرأ أيضاً: أردوغان يصيح ضد إسرائيل ويزأر في وجه شارلي إيبدو.. ماذا عن الإيغور؟

حاولت الصين أن تقترب من تركيا أكثر، وأدخلتها كشريك في الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة إقليمية متعددة الأطراف تقودها الصين وروسيا، تتمحور أهدافها حول تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين دول الأعضاء، ومحاربة الإرهاب وتدعيم الأمن ومكافحة الجريمة وتجارة المخدرات، ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي.

كما قام الرئيس الصيني "شي جين بينج" بزيارة لتركيا العام 2012، ووقَّع البلدان اتفاقيات اقتصادية وثقافية وتعليمية، ومع حلول العام 2018 كان عدد الشركات الصينية العاملة في تركيا قد تجاوز ألف شركة حسب موقع "روسيا اليوم".

 

اقرأ أيضاً: أمام المال تضيع الحقوق والقربى.. ذعر إيغوري من تقارب تركيا مع الصين

غير أنّ تركيا لم تثمّن تلك الجهود للتقارب، بل عملت على تقويض الأمن في الصين، فالمشروع التركي التوسعي في الشرق الأوسط أوقف مد الجسور بين البلدين، وهو يعتمد على ركيزتين: الأولى السيطرة على الدول العربية عبر دعم جماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية والتابعة له للوصول لسدة الحكم، والثانية السيطرة على دول وسط آسيا ذات العلاقة التاريخية والعرقية مع تركيا الطورانية، أو بما يسمى مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية (CCTS) ؛ وهي منظمة دولية تضم الدول الناطقة باللغة التركية، أسست في 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2009، والدول الأعضاء هي أذربيجان وتركيا وكازاخستان وقيرغيزستان.

هذا التصعيد يعد نوعياً في العلاقات التركية الصينية التي لم تكن قوية أصلاً منذ البداية

يعتمد المشروع التركي في دول وسط آسيا على رهان الحنين للعلاقات الثقافية بينهم وتركيا، إلا أنّ غالبية الدول الناطقة بالتركية ما تزال حتى اليوم تتعامل بمنطق المنفعة الاقتصادية، وتبحث عن مصالحها مع الصين، ولهذا تميل حكومات تلك الدول للاشتراك في مشروع "الحزام والطريق الصيني"، مع الحفاظ على قدر من المصالح أيضاً مع تركيا، وهو أمر تتفهمه الصين ولا تعارضه، وفي تقرير لمركز "دراسات تركيا الآن" نشر في أيار (مايو) الماضي، إنّ تزايد التوتر بين أنقرة وبكين، نشأ بسبب "الحزام والطريق".

 

اقرأ أيضاً: معاهدة صينية تركية تثير خوف الإيغور... هل يسلمهم أردوغان؟

أدركت الصين أنّ منظمة التعاون للدول الناطقة بالتركية، والتي غيّر الرئيس التركي اسمها إلى منظمة الدول التركية، لا تهدد مصالحها الاقتصادية فحسب، بل تستهدف التدخل في الشأن الصيني بالأساس، وذلك عبر دعم المتمردين الصينيين في إقليم شينغيانغ، ومساعدتهم على الانفصال، وتكوين دولة مستقلة باسم تركستان، بزعم مساندة المسلمين المضطهدين في كل مكان، ومن المعروف أنّ هذا الإقليم الذي يقع غرب الصين أكثر من نصف سكانه من المسلمين الإيغور، وعددهم يزيد على 50 مليون نسمة.

ومن أجل الاستعداد للتدخل في الإقليم، قامت تركيا باستغلال بيئة الحرب في سوريا وإدخال آلاف الإيغوريين الصينيين للقتال مع التنظيمات الإرهابية مثل؛ "داعش" و"القاعدة" في إدلب وشمال سوريا تحت لافتة "الحزب الإسلامي التركستاني"، وتجهيزهم للانتقال للإقليم الصيني، وشن حرب داخلية هناك، مع  احتضان عشرات الآلاف من الصينيين من الإيغور في تركيا.

 

اقرأ أيضاً: هل تبيع تركيا الإيغور مقابل لقاح "كوفيد-19" الصيني؟

ورغم محاولات الصين التقارب مع تركيا، ظلت سياسة تركيا تجاه الصين متذبذبة، فمرة تقوي علاقاتها الاقتصادية لحاجتها للقاح صيني ضد فيروس كورونا، وفي نفس الوقت تسمح لمئات من الإيغور المقيمين على أراضيها بالتظاهر أمام القنصلية الصينية في آذار (مارس) الماضي حسب  france24، احتجاجاً على زيارة وزير الخارجية الصيني لتركيا، كما رفعوا لافتات مناهضة للصين ورددوا شعارات تتهم الصين بالإبادة والفاشية.

أدركت الصين أنّ منظمة التعاون للدول الناطقة بالتركية لا تهدد مصالحها الاقتصادية فحسب بل والتدخل في شأنها الداخلي

دعم تركيا للإيغور يتم توظيفه حسب الحاجة، فكلما دعمت بكين اقتصاديات أنقرة وتحسنت العلاقات بينهما، أوقفت تركيا دعمها للإيغور وألقت القبض على بعض الرموز المقيمين لديها بمزاعم تتعلق بالإرهاب، وإذا توقف هذا الدعم تبنت قضية الإيغور وهددت الصين باللجوء إلى مجلس الأمن، ولا أحد يعرف على وجه الدقة المدى الذي يمكن أن تذهب إليه أنقرة في هذه القضية.

غير أنّ توقيع تركيا على البيان المشترك في الأمم المتحدة منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والذي أعربت فيه عن قلقها إزاء انتهاكات حقوق الإنسان ضد الإيغور" كان سبباً كافيا لأن تبدأ الصين بالرد على تركيا واتهامها بممارسات غير إنسانية ضد الأكراد والمقيمين منهم في شمال العراق وسوريا.

فهل ستسير تركيا إلى نهاية التصعيد مع الصين؟ رغم أنّها غير مؤهلة اقتصادياً لهذا الصراع مع هذه الدولة وحليفتها التقليدية روسيا، لتصنع مع دول المجلس التركي أحد محاور "حزام النار" الذي تريد الولايات المتحدة الأمريكية فرضه على الحدود الصينية مع جيرانها الآسيويين، ودعم حركة الانفصال الإيغوري، والزج بالحزب التركستاني وعناصره لإحداث هجمات إرهابية مسلحة في بإقليم "شينغيانغ" بغرض استنزاف الصين؟

أم تختار إنقاذ اقتصادها والتعاون مع بكين في مشروعات مبادرة الحزام والطريق، والتقليل من الروايات الإعلامية والخطب السياسية التي تتناول مآسي الإيغوريين في الإعلام التركي، واستئناف التعاون بين الوزارات التركية ونظيرتها الصينية من أجل تفعيل البرتوكولات والاتفاقيات التي تم توقيعها من قبل، مما سيسمح بتدفق الأموال الصينية على تركيا سواء لدعم الليرة، أو الاستثمار في البنية التحتية أو استقبال مزيد من الواردات التركية للسوق الصيني؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية