مسلمو الإيغور... اضطهاد صيني ومتاجرة تركية

مسلمو الإيغور... اضطهاد صيني ومتاجرة تركية


28/01/2021

من جديد، تطلّ قضية الإيغور المسلمين في الصين، أو ما يُعرف بقضية تركستان الشرقية، فقد أعلنت الخارجية الأمريكية على لسان وزير خارجيتها السابق مايك بومبيو أنّ الصين ارتكبت إبادة جماعية في قمعها للإيغور وجماعات أخرى غالبيتها من المسلمين، وترى منظمات حقوقية أنّ الصين احتجزت ما يصل إلى مليون شخص من الإيغور خلال الأعوام القليلة الماضية، داخل ما تُطلق السلطات الصينية عليه "معسكرات إعادة تأهيل"، وتشير تحقيقات أجرتها شبكة "بي بي سي" إلى أنّ السلطات تستغلّ الإيغور ليكونوا عمالة قسريّة.

في الوقت الذي يتعاطف فيه العالم مع الإيغور تتعامل تركيا مع قضيتهم بانتهازية سياسية

المثير، أنّه في الوقت الذي يتكاتف فيه العالم لمناصرة الإيغور، وكشف الممارسات الصينية اللّاإنسانية تجاههم، تتعامل تركيا مع قضيتهم بانتهازية سياسية فجّة، فتركيا التي قدّمت نفسها في وقت سابق نصيراً للمسلمين الإيغور، تستخدمهم اليوم ورقة ضغط تبتزّ بها الصين، ومن جهة أخرى ترسل مبعوثين إلى الصين للحصول على مساعدات اقتصادية مقابل تسليم الإيغور للصين.

وفي طريقها لابتزاز الصين، سمحت لعناصر من الإيغور بالتواجد في تركيا منذ العام 2012، حسب قناة "سوريا اليوم" المعارضة، التي تبث إرسالها من إسطنبول على غرار قناة الشرق الإخوانية، وقد وصل عددهم في تقارير غربية إلى قرابة 50 ألفاً، أوضحت أنهم يتمركزون في مناطق إدلب واللاذقية، وسمحت لعناصر مسلحة من الحزب التركستاني المرتبط بالقاعدة بالقتال في سوريا، وشاركوا بالفعل في عمليات قتالية متعددة، وأتاحت لهم إطلاق موقع باللغة التركية مقرّه تركيا لتجنيد الإيغور، وروّج موالون لتركيا أنهم سينتقلون إلى إقليم "شينجيانغ" لبدء عمليات قتالية.

صادق البرلمان التركي على اتفاقية أبرمها البلدان العام 2017 تسمح بتسليم الإيغور للصين

وبالفعل قام الحزب بعدة عمليات إرهابية، مثل التفجير الانتحاري بسيارة مفخخة في ميدان تيانانمين ببكين في تشرين الأول (أكتوبر) 2013، وهجمات طعن جماعية في محطات قطارات في مدينتي كونمينغ وقوانغتشو بجنوب شرق البلاد في آذار (مارس) وأيار (مايو) على التوالي، والتفجيرات الانتحارية المزدوجة في محطة القطار في أورومتشي، عاصمة شينجيانغ، في نيسان (أبريل) العام 2014، هذا حسب ما أورده موقع  مؤسسة جيمس تاون (Jamestown) التي تهتمّ بالأخبار الاستقصائية، ومن المؤكد أنّ وجودهم في سوريا والمشاركة في العمليات المسلحة المتعددة كوّنت لديهم خبرات قتالية وعسكرية ميدانية مناسبة، تجعلهم مؤهلين للدخول في حرب عصابات مع الدولة الصينية.

اقرأ أيضاً: أمام المال تضيع الحقوق والقربى.. ذعر إيغوري من تقارب تركيا مع الصين

وقد نجحت أنقرة في ابتزاز الصين، فحسب المرصد المصري "أظهرت بكين بالفعل تعاونها مع أنقرة، وقدّمت دعماً مالياً لدعم تركيا في مواجهة صعوباتها الاقتصادية"، على سبيل المثال، في العام 2018 قدّم البنك الصناعي والتجاري الصيني المملوك للدولة ICBC قرضاً بقيمة 3.6 مليار دولار لتركيا لدعم مشاريع الطاقة والنقل، بعد أن فقدت الليرة 40٪ من قيمتها، وأظهرت الصين رغبتها في دعم التنمية الاقتصادية التركية، كلّ هذا كان ثمناً لوقف دعم الإيغور وتسليمهم للصين، حسب اتفاقية صدّق عليها البرلمان التركي في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2020 وأبرمها البلدان العام 2017، وتسمح بتسليم الإيغور للصين، وتُعدّ طاجيكستان إحدى أهم الدول التي تقوم تركيا بإرسال الإيغور إليها، ثمّ تبدأ بكين باستلامهم، وقد رصدت "صندي تليجراف" البريطانية، عشرات الضحايا الذين تمّ نقلهم إلى الصين عبر هذه الحيلة.

بدأت مأساة الإيغور منذ عقود ماضية

بدأت مأساة الإيغور منذ عقود ماضية، ففي القرن الـ19 تعرّض إقليم تركستان، الواقع بين الإمبراطورية الصينية والإمبراطورية الروسية، لنزاع على نفوذ الدولتين، ومرّ بأحلاف وصدامات عسكرية انتهت بتقسيم الإقليم إلى تركستان الغربية وتركستان الشرقية، فحصلت روسيا على تركستان الغربية التي تضمّ دول (كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان)، وحصلت الصين على إقليم تركستان الشرقية، وأطلقت عليه اسم "شينجيانغ".

اقرأ أيضاً: هل تبيع تركيا الإيغور مقابل لقاح "كوفيد-19" الصيني؟

وفي العصر الشيوعي، رفضت بكين رغبة الإيغور بالانفصال، وعمدت إلى تغيير التركيبة السكانية عبر تهجير الإيغور وإحلال عناصر صينية في الإقليم، وبحسب أرقام الحكومة الصينية يضمّ الإقليم حوالي 21 مليون نسمة، منهم 11 مليوناً من المسلمين ينتمون إلى الإيغور، وبعض الأقليات مثل الكازاخ والقيرغيز والتتر والأوزبك والطاجيك، ويبلغ عدد السكان من أصل "الهان" العرق المسيطر في الصين 9 ملايين نسمة، أي حوالي %40 من سكان الإقليم، مع أنهم كانوا يمثلون %10 فقط في منتصف القرن الـ20، ويتحدّث الإيغور بلغة قريبة من اللغة التركية، ويُعتقد أنّ أسلافهم كانوا قد جاؤوا من موطن سابق للأتراك، هذا الجذر المشترك ساعد الإيغور على اختيار تركيا نصيراً لهم.

الدولة الصينية تستهدف الإيغور عبر تغيير التركيبة السكانية وتغيير الهوية المميزة للإقليم

ثار الإيغور أكثر من مرّة؛ الأولى في العام 1933، وتمّ القضاء على ثورتهم سريعاً بمساندة سوفييتية، والثانية العام 1944 عندما تمكّنوا من إقامة دولة تركستان الشرقية، وكان أول رئيس لها هو علي خان شاكر جان، واستمرّت الدولة 5 أعوام تقريباً، إلى أن تمّ القضاء عليها كذلك عام 1949.

 منذ ذلك التاريخ والدولة الصينية تستهدف الإيغور عبر تغيير التركيبة السكانية وتغيير الهوية المميزة للإقليم، وشملت هذه العمليات احتجاز وفصل الأطفال عن أسرهم، وممارسات قد تكون أسوأ من الإبادة الجماعية، وثمّة أدلّة تشير إلى اعتماد الحكومة الصينية تدابير وحشية كي تخفّض معدلات الإنجاب في أوساط الإيغور، ففي تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، أنَّ الآلاف من أطفال الإيغور تُرِكوا دون أهاليهم بعد إجبار آبائهم وأمهاتهم على دخول معسكرات الاعتقال والسجون ومنشآت الاحتجاز الصينية الأخرى، وذلك وفقاً لأدلة من وثائق حكومية في إقليم شينجيانغ. السجلات التي جمعها المسؤولون في جنوب شينجيانغ وحلَّلها الباحث أدريان جينج تشير إلى أنَّه جرى عام 2018 تصنيف أكثر من 9500 طفل، معظمهم من الإيغور في مقاطعة ياركند، باعتبارهم يشهدون "مشقة فردية" أو "مشقة مزدوجة"، بحسب ما إن كان احتُجِز أحد الأبوين فقط، أو كلاهما، تستهدف كبح تكاثر السكان المسلمين في الصين.

ثار الإيغور أكثر من مرّة

الجدير بالذكر، أنّ الممارسات الصينية تجاه الإيغور تحظى برفض عالمي واسع،  ففي كندا، حثّ نواب كنديون في حزب المحافظين، الحكومة الفيدرالية على الإعلان رسمياً أنّ الصين ترتكب إبادة جماعية وجرائم ضدّ الإنسانية بحقّ أبناء أقلية الإيغور، وقامت لجنة مشتركة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالكونغرس الأمريكي بإصدار بيان قالت فيه: "إنها ترجّح ارتكاب الصين "إبادة جماعية" ضدّ الإيغور والأقليات المسلمة الأخرى في إقليم شينجيانغ الغربي"، وفي برلين، العاصمة الألمانية، قامت مظاهرة ضدّ سياسات الصين تجاه الإيغور، عندما تجمّع عدد من أعضاء حزب "فريق تودينهوفر" أمام السفارة الصينية في برلين، ونظّموا وقفة احتجاجية للتنديد بسياسات الصين ضدّ الإيغور، وطالب المتظاهرون بمقاطعة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 التي ستقام في بكين، ورفعوا لافتات عليها عبارات من قبيل: "لا للألعاب، إذا لم يكن هناك حقوق"، "أوقفوا الإبادة الجماعية ضدّ الإيغور"، "أطلقوا سراحهم".

اقرأ أيضاً: معاهدة صينية تركية تثير خوف الإيغور... هل يسلمهم أردوغان؟

 وظهرت أيضاً دعوات لمقاطعة شركات عالمية تتورّط بالعمالة القسريّة للإيغور، وأورد موقع "سباكتيتر" البريطاني تقريراً تحدّث عن الأهوال التي يعيشها الإيغور في معسكرات الاعتقال، وكيف يستخدم الحزب الشيوعي الصيني الأقلية المسلمة في العمالة القسريّة ضمن مصانع ومنشآت عالمية مقامة في إقليم شينجيانغ، وهو ما دعا السيناتورة المتقاعدة باربرا بوكسر لإلغاء تعاونها مع شركة التكنولوجيا الصينية الشهيرة "هيك فيجن" المتخصصة في إنتاج كاميرات المراقبة والدوائر التلفزيونية المغلقة، وجاء موقف السياسية الديمقراطية المخضرمة باربرا بوكسر بعدما تلقت هجوماً عنيفاً من المجتمع العالمي ضدّ تسجيلها وكيلة للشركات الصينية، فغرّدت قائلة: إنها سوف تلغي تسجيلها وكيلة أجنبية للشركة الصينية التي تواجه اتهامات بالضلوع في مخاطر تتعلق بالأمن السيبراني، وتسهيل انتهاكات حقوقية ضدّ مسلمي الإيغور، وقام تطبيق تويتر بمنع حساب السفارة الصينية من التغريد يوم 9 كانون الثاني (يناير) الحالي، وحسب  BBC عربي، تمّ حذف التغريدة معتبراً أنها مسيئة وضدّ قواعد النشر.

اقرأ أيضاً: موتى الإيغور في الصين يخضعون لـ"قوائم انتظار" .. لماذا؟

اضطهاد الإيغور قضية تستحق الاهتمام والتكاتف والتضامن الإنساني معها، وتركها في يد تركيا جريمة إنسانية لا تقلّ بشاعة عن ممارسات الصين، وعلى العقلاء مناصرة المسلمين من الإيغور للحفاظ على دينهم وهويتهم، عبر المنظمات العالمية الإنسانية، وليس بدعم التنظيمات الإرهابية المسلحة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية