تونس: ملفات ثقيلة في انتظار المشيشي لا تستثني حركة النهضة

تونس: ملفات ثقيلة في انتظار المشيشي لا تستثني حركة النهضة


02/09/2020

حملت جلسة التصويت على منح الثقة لحكومة هشام المشيشي مؤشراً يعكس أنّ الأزمة السياسية المتعلقة بتموضع حركة النهضة في تونس، وصدامها مع الرئيس قيس سعيد، لم تُغلق أو تُحسم نهائياً، ما يعني أنه بخلاف ملفات ثقيلة ومرهقة تنتظر الحكومة بالفعل، ثمّة أزمة أخرى خامدة، لكنها قابلة للانفجار في أيّ لحظة.

وقد حاز المشيشي (48 عاماً) ثقة البرلمان أمس، بعد موافقة 134 نائباً من أصل 207 على حكومته، في وقت تعهّد فيه بـ "التقدّم في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ومحاربة الفساد، وإتاحة آلية تشارك البرلمان في متابعة تفاصيل تحقيق أهداف الحكومة".

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة يدير الغنوشي حركة النهضة

وحمل تعليق رئيس البرلمان التونسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، عقب منح الثقة، بقوله: "البرلمان قلب السلطة" وهو "قادر على سحب الثقة من الحكومة كما منحها" حمل مؤشراً على استمرار صراع السلطة في تونس، أو بمعنى أدق يشير إلى أنّ مهادنة النهضة ليست سوى مرحلة لكسب الوقت وإعادة ترتيب الأوراق.

حاز المشيشي (48 عاماً) ثقة البرلمان أمس، بعد موافقة 134 نائباً من أصل 207 على حكومته

وفي غضون ذلك، تروّج مواقع إعلام تابعة لجماعة الإخوان المسلمين أنّ ثمّة خلافاً وقع بين المشيشي والرئيس سعيد، عقب تكليف الأخير للأوّل برئاسة الحكومة، وأنّ الرئيس طلب من الأحزاب التصويت لإسقاط الحكومة، مع وعد بعدم إصدار قرار حلّ البرلمان.

اقرأ أيضاً: تصدع في صفوف حركة النهضة.. هل أطاح الغنوشي بعبد الفتاح مورو؟

ورأى مراقبون أنّ الحديث الدائر عن الخلاف بين الرئيس سعيد ورئيس الحكومة، الذي يُعدّ بالأساس من دوائر ثقة سعيد، ورجل قانون مثله، إمّا أنه يكشف عن محاولة من الحركة لاستقطاب المشيشي وإحداث وقيعة بالفعل بينهما، وإمّا أنه مراوغة من الرئيس التونسي لضمان تمرير الحكومة، في ظلّ الخلاف القائم بينه وبين حركة النهضة، حيث إنّ تصدير فكرة الخلاف بين الرئيس والحكومة سيدفع حركة النهضة إلى دعم الحكومة.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة الإخوانية إذ تضع تونس على مرجل ساخن

وقد تعهّد رئيس الحكومة التونسية خلال جلسة البرلمان أمس بالتعاون مع كافة الأحزاب، في الوقت الذي غازل فيه الشارع التونسي قائلاً: "الشعب التونسي يطالب بالحد الأدنى من العيش الكريم بعد 10 أعوام من ثورته (...)، حلم تونس الجديدة التي تضمن الحرّية والكرامة والإنصاف تحوّل إلى خيبة أمل وخداع ويأس، ممّا دفع بعض التونسيين إلى ركوب قوارب الموت. أساسيات الحياة الكريمة، مثل الطرق، ومياه الشرب، والمعلم والطبيب، ليست مضمونة الآن.

النهضة... صدام أم مهادنة؟

لم يتفاءل المراقبون بتعامل حركة النهضة مع حكومة المشيشي، حتى قبل منحها الثقة، حيث سبق أن أفاد سياسيون وإعلاميون توانسة لـ"حفريات" بأنّ خطة الجماعة منح الثقة لضمان عدم حلّ البرلمان، مقابل عرقلتها بعد مرور 6 أشهر، وبعدها يطرحون وثيقة لسحب الثقة منها كما حدث في حكومة إلياس الفخفاخ.

اقرأ أيضاً: مناورات حركة النهضة في تونس تقودها إلى عزلة سياسية

فيما يظلّ التساؤل: كيف سيتعامل المشيشي مع النهضة؟ الأقرب أنّ المشيشي سيسعى خلال الشهور الأولى إلى مهادنتها في محاولة للبحث عن حلول سريعة للاقتصاد المتدهور، والخروج بقرارات تكسبه جماهيرية وتلقى صدى في الشارع، أي تكوين ظهير يعزّز ظهير الرئيس، وبعدها ربما يتمّ التطرّق إلى الملفات الصدامية.

ويتمثل أبرز تلك الملفات في "التنظيم السرّي للإخوان في تونس"، والمتهم بارتكاب عمليات اغتيال في مراحل مختلفة، ومطلب تصنيف الجماعة إرهابية.

حمل تعليق رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي عقب منح الثقة مؤشراً على استمرار صراع السلطة في تونس

ويرى العديد من المتابعين أن تعيين المشيشي لشخصية مستقلة على رأس وزارة الداخلية مثل المحامي توفيق شرف الدين، ورجل القانون محمد بوستة على رأس وزارة العدل، والقاضي إبراهيم البرتاجي في وزارة الدفاع، سيمنحه قدرة أكثر على فتح الملفات الغامضة، بحسب ما أورده موقع العين. وكان النائب التونسي منجي الرحوي قد طالب رئيس الحكومة الجديد بضرورة فتح ملف الجهاز السرّي لحركة النهضة الإخوانية، معتبراً أنّ فتح ذلك الملف هو "دليل الاستقلالية".

 ملفات عاجلة

شهدت تونس شهوراً صعبة ساهمت، بخلاف شبهة الفساد، في التعجيل بعمر حكومة الفخفاخ، حيث ارتفاع المديونية، وتراجع نسبة النمو الاقتصادي، وركود الإنتاج، وتفاقم كلّ ذلك في ظلّ تفشي جائحة كورونا.

وارتفعت نسبة البطالة في تونس إلى 15% حتى آذار (مارس) الماضي، مع توقعات بارتفاعها إلى 17% بسبب الجائحة، كما ارتفعت الأسعار بشكل غير مسبوق، واتسعت دوائر الفقر، ما زاد العقبات أمام الحكومة السابقة.

 

تعهّد رئيس الحكومة التونسية خلال جلسة البرلمان أمس بالتعاون مع كافة الأحزاب،  كما غازل الشارع التونسي

 

وتسعى الحكومة الجديدة لإيجاد آليات سريعة لتعزيز الاقتصاد وتشجيع الاستثمار لتوفير فرص عمل.

وسيكون على المشيشي التعلم من أخطاء سابقه، الذي حاول مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة بقرارات تصطدم مع الشارع، مثل قرار الحكومة اقتطاع يوم عمل من مرتبات التوانسة من أجل إجراءات مكافحة كورونا، أو الارتباط بأيّ أمور يمكن أن تُستغلّ ضده، سواء لزعزعة ثقة الشارع فيه أو الاعتماد عليها لتكون مبرراً لسحب الثقة منه.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة مجدداً تخلط الأوراق وتشوش على الرئيس وتقدم الولاء للإخوان

كما يُعدّ تمسّك المشيشي بتشكيل حكومة تكنوقراط نقطة قوة في حكومته، حيث تجعلها في منأى عن تقاسم النفوذ، لكنها في الوقت ذاته توضع تحت اختبار صعب لقياس الكفاءة، خصوصاً في ظلّ تشكيك حركة النهضة التي قبلت الحكومة على مضض، كي لا تخسر البرلمان، في قدرتها على مواجهة أزمات تونس.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية