حركة النهضة التونسية والعودة إلى السيناريوهات المكشوفة

حركة النهضة التونسية والعودة إلى السيناريوهات المكشوفة


02/12/2020

يرتبط واقع التحولات السياسية في تونس، بجملة من الرهانات الأساسّية، التي تعتمد عليها القوى المتنافسة، في ظل وضع إقليمي شديد التعقيد، يرتهن بتطورات المسألة الليبية، من جهة، ومسارات الأزمة الخليجية، من جهة أخرى، ومن ثم، ففي ضوء صعود أسهم قوى إقليمية بعينها، تتخذ الأطراف الداخلية مواقفها، تطلعاً للدعم الخارجي، وسعياً نحو احتواء الأوضاع المتفجرة في الداخل، في ظل متغيرات القضايا ذات الصلة.

الغنوشي فضّل إزاء تصاعد الرفض الداخلي لترشحه التصريح بنيّته العدول عن ذلك

مجموعة من التناقضات، تستشرف حركة النهضة، وفق معطياتها، معالم المستقبل، فمنذ أيام خرج رئيس الحركة، راشد الغنوشي، ليؤكّد عدم نيته الترشح لفترة ثالثة، واحترامه كافة اللوائح والقوانين الداخلية للحركة، وهو الذي ظلّ صامتاً طيلة الأشهر الماضية، بينما يحاول حلفاؤه داخل الحركة تمرير ترشحه، وتعديل القانون الداخلي للحركة، ما دفع عدداً من القيادات إلى الاستقالة، في حين فضل آخرون النضال ضد ترشح الغنوشي، من داخل الحركة، والتي أصبحت على شفا انشقاق حاد لم يحدث في تاريخها من قبل.

حركة النهضة بين المناورة واختيار البديل

تبدو مناورة الغنوشي شديدة التعقيد؛ فالقيادي التاريخي فضّل، إزاء تصاعد الرفض الداخلي لترشحه، التصريح بنيته في عدم الترشح، بينما تواصل مجموعة الصقور، المحسوبة على معسكره، وعلى رأسها صهره، رفيق عبد السلام، عضو تنفيذي الحركة، وعبد الكريم الهاروني، رئيس شورى النهضة، وعماد الخميري، رئيس كتلة الحركة في مجلس نواب الشعب، التحرك على مستوى القاعدة، لمواجهة مجموعة المئة المعارضة، باستخدام أساليب دعائية، يغلب عليها الطابع العاطفي، لإجبار الغنوشي (شكلاً) على التراجع عن قراره، لكن فشل هذه المجموعة في الدفع تجاه هذا السيناريو، قد يقطع الطريق بشكل نهائي على الغنوشي، الذي ربما يدفع بأحد أعوانه لشغل هذا المنصب، ومن ثم إدارة الحركة من خلاله، وتشير التكهنات إلى نور الدين البحيري، رئيس كتلة النهضة السابق، والحليف القوي للغنوشي.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة التونسية تُصعد من مناوراتها لإرباك العمل الحكومي

في المقابل يظل انعقاد المؤتمر العام الحادي عشر للحركة في مهب الريح، حيث لم تعلن الحركة عن الموعد الجديد للمؤتمر، المنوط به اختيار القيادة الجديدة، عقب قرار شورى النهضة بتأجيله إلى أجل غير مسمى، بداعي الأزمة الصحية التي تشهدها البلاد، جراء فيروس كوفيد-19، حيث أكّد بيان مقتضب، صادر عن الحركة أنّه "تقرّر تأخير موعد عقد المؤتمر الحادي عشر في العام الحالي (2020)، على أن تتعهد لجنتا الإعداد المضموني والمادي للمؤتمر واللجنة الصحية، باقتراح موعد لاحق، يأخذ بعين الاعتبار ما تقرره الهيئات الصحية للبلاد"، في تسويف ربما يعكس نية مبطنة لكسب الوقت، حتى تتضح الرؤية بشأن تغيير اللائحة، ومن ثم تمرير ترشح الغنوشي، أو الاستقرار على خليفته.

دفع الرئيس تجاه المحور القطري التركي

من جهة أخرى، بدأت حركة النهضة في اتباع سياسة جديدة تجاه مؤسسة الرئاسة، ففي أعقاب فترة اتسمت بالفتور في العلاقات بين الطرفين، على إثر تباين المواقف إزاء الأزمة الليبية، وتوجيه الرئيس، قيس سعيد، انتقادات حادة لحركة النهضة، بالتزامن مع استجواب البرلمان للغنوشي حول علاقاته الخارجية، وهو الأمر الذي ردّت عليه النهضة بالدفاع عن رئيس الوزراء، هشام المشيشي، إثر اتهامات علنيّة وجهها الرئيس إليه، وهو الأمر الذي ربما وضع الرئاسة أمام مخاوف الوقوع في حالة من العزلة السياسية، باعتبار حركة النهضة هي حزب الأغلبية في البرلمان.

ربما يدفع الغنوشي بأحد أعوانه لشغل منصب في النهضة ومن ثم إدارته الحركة من خلاله

 يلعب ما يحدث في كواليس السياسة، دوراً كبيراً في اتخاذ المواقف والقرارات، كما تلعب متغيرات الأوضاع الإقليمية، الدور نفسه في توجيه الرهانات، فبالتزامن مع انتهاء جلسات منتدى الحوار الليبي، الذي انعقد في تونس، جاءت زيارة الرئيس، قيس سعيّد، الأولى إلى الدوحة، وهو ما يتسق ومحاولات المنتدى إعادة موضعة الإخوان المسلمين في المشهد الليبي، وبتنسيق من حركة النهضة، التي هلّل رئيسها الغنوشي لرحلة، سعيّد، إلى قطر.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة تواجه مصيراً مهجولاً.. ما سيناريوهات المستقبل لإخوان تونس؟

هذا التحوّل في تحركات الرئاسة التونسية، يعكس نوعاً من قصر النظر السياسي، ربما يعود إلى قلة خبرة الرئيس نفسها، فالدوحة التي تعاني من أزمات اقتصادية متصاعدة، لن تقدم دعماً مباشراً للاقتصاد التونسي المتهاوي، وإن قدمت، فسيكون المقابل هو القيام بدور فعال لخدمة الأجندة الإقليمية للدوحة، خاصّة في ليبيا، وهو ما يصعب على الرئيس تمريره، في ظل وجود حركة معارضة حزبية وشعبية قوية، من شأنّها منع مثل ذلك الأمر، كما أنّ الاقتصاد التونسي مازال يئن تحت وطأة فوائد القروض القطرية، والتي أدّت إلى رفع عجز الموازنة إلى حدود غير مسبوقة، تجاوزت الثمانية مليار دينار تونسي.

تصطدم رهانات حركة النهضة بطبيعة الرئيس التي تتسم بسرعة تغير المواقف وكذلك بالوجود الفرنسي القوي في مجال الاستثمارات

تصطدم رهانات حركة النهضة، بطبيعة الرئيس التونسي، التي تتسم بسرعة تغير المواقف، وكذلك بالوجود الفرنسي القوي في مجال الاستثمارات، حيث تهيمن فرنسا على نحو ثلث الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وهو الأمر الذي أجبر الغنوشي نفسه على عدم الانخراط في حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية، التي دشنتها تركيا مؤخراً، كما أنّ الحضور القوي لباريس في مجال السياسة التونسي، من شأنّه وضع عقبات أمام محاولات التسلل التركي، عبر تمرير دور أكبر لقطر على ساحة الصراع الداخلي في تونس، وهو الأمر الذي تقف له القوى المدنية بالمرصاد.

اقرأ أيضاً: تونس: دكتاتورية الغنوشي تهدّد بتمزيق "النهضة"

 

وعليه يبدو تضاؤل قدرة حركة النهضة على المناورة واضحاً، في ظل اللجوء إلى سياسات مكشوفة، بعد أن نضب معينها الاستراتيجي، وانكمشت حدود المغامرة الإقليمية، كما أصبح الجميع في الداخل يحملها المسؤولية في تدهور الوضع الاقتصادي، وكذا ارتباك المشهد السياسي، وبالتالي تقع الحركة الآن تحت وطأة جملة من الضغوطات الداخلية والخارجية، وهي ضغوطات يمكن من خلالها قراءة خيار تأجيل المؤتمر العام الحادي عشر، كخطوة لامتصاص غضب الكوادر الداخلية، وتأجيل الصدام، حتى تحسم المجموعة المهيمنة أمرها، بينما يأتي الرهان على مؤسسة الرئاسة مرة أخرى، في محاولة لتوريط الرئيس في المحور القطري التركي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية