حماقات أردوغان جعلت اليونان تكسب الرهان في شرق المتوسط

حماقات أردوغان جعلت اليونان تكسب الرهان في شرق المتوسط


14/09/2020

 يقف أردوغان على شاطئ بحر إيجة، يكاد يرى بعينيه نهاية حدوده بلاده، مع جزر اليونان، يتذكّر ما قرأه عن أمجاد أسلافه العثمانيين، ويقول لنفسه: "أبعد أن كانت اليونان نفسها ملكاً لنا، وكانت أساطيلنا تمخر عباب المتوسط من الشرق للغرب، تحاصرنا اليونان بالجزر من الغرب، وجزيرة قبرص من الجنوب"، يتحسّر أردوغان على حاضر تركيا، ناسياً أنّ الأتراك أنفسهم لم يكن لهم وجود في الأناضول حتى عام 1100، ولم ينتقلوا لأوروبا حتى عام 1330، وقبل ذلك كانت كلّ تركيا الحديثة ملكاً لبيزنطة اليونانية.

اقرأ أيضاً: الحقول الهيدروكربونية وإرادة الهيمنة التركية: أسباب التصعيد بين اليونان وتركيا

خلق الانتقال المتتابع لملكية جزر بحر إيجة من الدولة العثمانية إلى اليونان، منذ استقلال اليونان، عام 1828، وحتى معاهدة لوزان، عام 1923، كربلائية تركية؛ شعبية ونخبوية، يجتمع حولها الإسلاميون والعلمانيون، الذين تجمعهم القومية قبل الموقف من دور الدين.

سفينة التنقيب التركية: الفاتح

وتكوّن في المخيال التركي شعور بالمظلومية تجاه الحدود البحرية، وأصبح كسر حصار الجزر اليونانية هدفاً قومياً لتركيا الحديثة، ومع أردوغان أخذ بعداً أوسع، تعدّاه إلى حلم إقامة إمبراطورية، لكن؛ هل من الممكن إقامة إمبراطورية بينما تحاصرها جزر صغيرة؟

علاوةً على ذلك؛ جاءت اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط لتنكأ الجرح التركي بشدة، فعلى بعد خطوات توجد مصادر طاقة كفيلة بحلّ أزمة الطاقة، لكنّ القانون الدولي والوضع الإستراتيجي الغربي، يقفان بالمرصاد لأحلام الأتراك.

الجزر في المخيال التركي

يقول الباحث في الدراسات التاريخية، خالد أبو هريرة: "جزر بحر إيجة تعدّ، قولاً واحداً، الغصّة الأكبر في حلق الوعي الجمعي للساسة في تركيا الحديثة؛ حيث رأى هؤلاء أنّ الرفض المستميت من القوى الكولونيالية لتقسيم تلك الجزر بين اليونان وتركيا، والإصرار على منحها كاملة إلى الأولى، باستثناء ثلاث جزر أعطيت إلى الأتراك، بمثابة طعنة في الشرف القومي التركي، لا بدّ من الردّ عليها بالقوة".

اليونان تمتّع بثقل جغرافي واسع، فقد كسبت المعركة بالقليل، وهو الأمر الذي يعلمه أردوغان؛ لذلك أصابته حالة من السعار، لكنّه لن يقدر على الصدام مع اليونان

ومنذ ميلاد الجمهورية التركية، عام 1924، أصبح هدف تركيا كسر الحصار اليوناني، عبر التحرش باليونان، وتسليح الشاطئ بإنشاء الجيش الرابع في بحر إيجة، ووفق معاهدة باريس، عام 1947ضغطت الولايات المتّحدة لجعل جنوب بحر إيجة منطقة منزوعة السلاح، إرضاء لتركيا، ومكافأة لها على موقفها المتقارب من المعسكر الغربي، وتمهيداً لدخولها ضمن المحور الغربي.

ويتابع أبو هريرة، لـ "حفريات": "وضع الجزر ظلّ هادئاً حتى عام 1968، حتى بدأت اليونان تسليحها رداً على تحركات عسكرية تركية، وتحققت المخاوف اليونانية، عام 1974، بعد الغزو التركي لشمال قبرص، ومنذ عام 1975، والطائرات التركية لا تتوقف عن اختراق مسافة الـ 6 ميل بحري المسموحة لها، وفق معاهدة باريس".

اقرأ أيضاً: تركيا تنقل 40 دبابة إلى حدودها مع اليونان... لماذا؟

ورغم المعاملة المتميزة من الولايات المتحدة لتركيا، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومنها عدم معارضتها لغزو قبرص، إلا أنّ هناك رؤية إستراتيجية أمريكية تجاه جزر بحر إيجة، ترفض بشكل قاطع التمدد التركي نحوها.

أردوغان والجزر

وساهمت طموحات تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في استقرار العلاقة مع اليونان، وفي عام 1999 اعترفت قمة المجلس الأوروبي بها كعضو مرشح للعضوية الكاملة، وسبق ذلك توقيعها على اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد عام 1995.

اجتماع منتدى غاز شرق المتوسط

وظلّت هذه العلاقة قائمة حتى الإعلان عن اكتشافات الغاز في شرق المتوسط مطلع الألفية الثالثة، الذي فتح شهية أردوغان للانقلاب على سياسة الودّ، والتحوّل إلى الصدام لتغيير الحدود البحرية، خصوصاً أنّ حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي بدا بعيد المنال.

وبداية من عام 2008 بدأت تركيا التنقيب عن الغاز والنفط في خليج ساروس، وفي 2012 نشرت تركيا خرائط رسمية، بحدود بحرية جديدة، بعد أن ضمّت مناطق غرب قبرص، وجزر إيجة الشرقية، رودس وجزيرة كاستيلوريزو، باعتبارها ضمن حدود تركيا، وفق ما قاله أبو هريرة لـ"حفريات".

الباحث خالد أبو هريرة لـ"حفريات": يجري توظيف التاريخ العثماني؛ بإطلاق أسماء مثل أوروتش رئيس على سفن التنقيب، وسفينة "الفاتح"، ويمكن أن نسمّي ذلك الاستخدام الأيقوني للتاريخ

وتبع ذلك شروع تركيا في التنقيب في المنطقة الاقتصادية البحرية لقبرص واليونان، منذ 2018 وحتى الآن، ونشوب الصراع في شرق المتوسط، وسيرت تركيا قواتها البحرية بصحبة سفينة التنقيب الفاتح، وكاد الأمر يصل، في شهر تموز (يوليو) الماضي، إلى حدّ الحرب البحرية، لولا تدخّل ألمانيا بين الطرفين.

ويحلل الصحفي والباحث في الدراسات التاريخية، حسن حافظ، سياسة أردوغان تجاه الجزر، فيرى أنه: "حدثت عملية إخصاء من الدول الكبرى لتركيا الحديثة في البحر المتوسط، فرغم واجهتها البحرية الكبيرة إلا أنّ قيمتها الإستراتيجية تتضاءل أمام الجزر اليونانية، التي تملك السطوة على مداخل ومخارج شمال-شرق المتوسط، وتخنق الأحلام الكبرى لأردوغان بإقامة إمبراطورية عثمانية، ولم تنجح تركيا في فكّ هذا الحصار، رغم احتلالها لشمال قبرص، إلا أنّها أخفقت إستراتيجياً؛ فلم تعترف دولة واحدة بشمال قبرص كجمهورية مستقلة".

اقرأ أيضاً: هذه هي قوة اليونان البحرية في مواجهة تركيا

يؤكد حافظ، في تصريحه لـ "حفريات"، أنّ أردوغان  يسعى "لتوسيع حصته من المياه الاقتصادية عبر الاحتكاك باليونان، والبحث عن شريك متوسطي يتقاسم معه ذلك، ولم يجد سوى حكومة الوفاق في طرابلس، فوقّع معها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي طالما حلم بها، لكنّ مصيرها كان الإخفاق، فلم يعترف بها أحد".

توظيف الماضي العثماني

ويوظف أردوغان الماضي العثماني في حشد الدعم الشعبي التركي خلف مغامراته في المتوسط، وكسب الرأي العام العربي والإسلامي إلى صفّه، سواء في قضية المتوسط أو أطماعه التوسعية بشكل عام.

وعن ذلك يقول خالد أبو هريرة: "من توظيف التاريخ العثماني؛ إطلاق أسماء مثل أوروتش رئيس (الريس عروج) على سفن التنقيب، وسفينة "الفاتح"، والتي تدخل في سياق أوسع من خطاب أردوغان خلال الأعوام الأخيرة، يمكن أن نطلق عليه (الاستخدام الأيقوني للتاريخ)، يستخدم خلاله رموزاً وأحداثاً رئيسة في التاريخ العثماني، لشرعنة تحركاته العسكرية في دول الجوار".

اقرأ أيضاً: اليونان وصفقة الرافال.. شوكة جديدة في ظهر تركيا

ويضيف أبو هريرة: "يمكننا أن نرصد هذا في استخدام أردوغان لضريح سليمان شاه في الشمال السوري، أو معركة كوت العمارة في العراق، أو مشاركة كمال أتاتورك بنفسه في الحرب التركية الإيطالية بليبيا. واليوم، يستعين باسم عروج، القرصان المتوسطي الشهير إبان القرن الـ 16، في عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي. وهذا له دلالته الخاصة، لأنّ عروج مثل الفاتحة في سلسلة من رياس البحر الذين قادوا السطوة العثمانية على البحر المتوسط حتى كارثة ليبانت 1570".

هل خسر أردوغان معركة الجزر؟

تسبّبت سياسات تركيا في شرق المتوسط، وموقفها من مصر، في إقصائها من التعاون حول اكتشافات الغاز الهائلة، وفي 2019 تمّ الإعلان عن تأسيس "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي يضمّ دول: مصر، اليونان، إسرائيل، قبرص، الأردن، فلسطين، وإيطاليا، وطلبت فرنسا الانضمام إلى المنتدى، كما طلبت الولايات المتحدة الانضمام بصفة عضو مراقب دائم، وكانت واشنطن والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي من الحاضرين في الاجتماعات التأسيسية.

وفي تصريح لوزير البيئة والطاقة اليوناني، كوستيس هاتزيداكيس، مطلع العام الجاري، قال: إنّ تركيا يمكن أن تنضمّ إلى المنتدى في نهاية المطاف "إذا احترمت أنقرة القانون الدولي"، وأضاف؛ أنّ أعضاء منتدى غاز شرق المتوسط سيلتزمون بحلّ أيّة خلافات قد تنشأ نتيجة خرق القانون الدولي، مشيراً إلى أنّ تلك هي الرسالة التي يبعثها المنتدى إلى الأتراك، الذين يواصلون تصعيد التوترات في المنطقة من خلال محاولات التنقيب عن الغاز من طرف واحد، وبشكل غير مشروع، في المياه القبرصية الاقتصادية الخالصة، وباتفاق ترسيم الحدود البحرية التركية الليبية.

اقرأ أيضاً: أردوغان يهاجم مسؤولي اليونان وفرنسا... هذا ما قاله

ويحلل حسن حافظ الموقف التركي من مسألة الجزر والغاز: "كلّ محاولات أردوغان لفكّ الحصار البحري الجغرافي تؤدي إلى العكس، وفعلياً كلّ محاولاته تنتهي بتكريس الوضع لصالح اليونان، فالضغط على الجزر والمناطق الاقتصادية أدّى إلى مكاسب يونانية كبرى؛ تمثّلت في ترسيم الحدود الاقتصادية مع إيطاليا ثم مصر، والتي محت أيّ حديث عن اتفاقية أردوغان-طرابلس".

اقرأ أيضاً: أردوغان يحاول ترميم شعبيته عبرالتحرش العسكري باليونان

ويرى حافظ؛ أنّ اليونان تمتّع بثقل جغرافي واسع، فقد كسبت المعركة بالقليل، وهو الأمر الذي يعلمه أردوغان؛ لذلك أصابته حالة من السعار والتصريحات الجوفاء والتهديدات المتتابعة، لكنّه لن يقدر على الصدام مع اليونان، التي تدعمها أوروبا وأمريكا إستراتيجياً وأخلاقياً، وتدعمها مصر وغيرها من الدول، وبناءً على ذلك، يؤكد حافظ لـ "حفريات"؛ أنّ فشل أردوغان في الصراع حول الجزر بمثابة القشّة التي قسمت ظهر أحلامه الإمبراطورية، ويتبعها إخفاقه المتوقع في ليبيا، وغيرها.

والعام الماضي؛ وقّعت تركيا مع حكومة الوفاق الليبية في طرابلس اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، واتفاقية التعاون العسكري والأمني، ولم يعترف المجتمع الدولي بأيّ منهما.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية