خطة عمل أوروبية لمواجهة التنظيمات المتطرفة.. ما تفاصيلها؟

خطة عمل أوروبية لمواجهة التنظيمات المتطرفة.. ما تفاصيلها؟


16/02/2022

شرعت أوروبا منذ نحو عامين بتطبيق استراتيجية حاسمة مع التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، عززتها على مدار الأشهر الماضية حزمة تشريعات وتعديلات في آليات عمل المؤسسات الأمنية، وكذلك تسليط الضوء على الأفكار من خلال دعم مراكز البحوث المختصة بدراسة ظاهرة الإسلام السياسي، بهدف وضع السلطات والحكومات في تلك الدول مساحات أكبر لمراقبة نشاط تلك التنظيمات عن قرب، وتعقب مصادر تمويلها، وفك تعقيدات توغلها في المجتمعات، ومن ثم صياغة محاور دقيقة بشأن المواحهة.

وبحسب المراقبين، وجدت أوروبا ضرورة قصوى في وضع استراتيجات خاصة للتعامل من نشاط التنظيمات ذات الأيديولوجيا المتطرفة في البلاد، لعدة أسباب، يرى الدكتور جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أنّ أبرزها، هو رصد أعداد صادمة من الشباب الأوروبي الذين انضموا إلى تنظيمات إرهابية مثل "داعش" و"القاعدة"، خلال السنوات الماضية.

ويقول جاسم محمد في تصريح لـ"حفريات" إنّ الأحداث الإرهابية التي استهدفت عدة مدن أوروبية وارتفعت وتيرتها خلال العام 2020، تزامناً مع حادث فيينا الدامي، ثم الهجمات التي استهدفت مدينة نيس الفرنسية، بالإضافة لجريمة قتل المدرس صمويل باتي، كان المشترك بين معظم تلك الجرائم، وفق التحقيقات التي تمت آنذاك، هو ارتباط عناصرها ببعض تنظيمات التطرف الإسلاموي.

كيف تكون المواجهة؟

يرى محمد أنّ الإجراءات الأوروبية جاءت متأخرة إذا ما جرى قراءتها في ضوء الخطر الكبير الذي تمثله تنظيمات التطرف على القارة العجوز، مشيراً إلى أنّ السبب في ذلك يتعلق بمساحات الحرية الممنوحة في تلك المجتمعات لتوفير فرصة لعمل كافة المؤسسات والمنظمات، والسبب الثاني هو "التحايل" من جانب الإخوان باستغلال القانون لتدشين مؤسسات لا تتبع التنظيم بشكل مباشر، لكنها تعمل على تحقيق أهدافه وهو السبب نفسه في جعل مؤسسات التنظيم بأوروبا لا تتأثر بقرارات حظره ووضعه على قوائم الإرهاب في الدول العربية في أعقاب عام 2013.

 

مركز تريندز: مساعي جماعة الإخوان للتغلغل في المجتمعات الأوروبية تنطلق من استراتيجية مدروسة، تعتمد فيها على مجموعة متنوعة من الأدوات؛ من بينها الأداة الدينية، والأداة الإعلامية، والمنصات الرقمية، والتطبيقات الإلكترونية

 

وحول آليات المواجهة، يقول محمد إنها تعتمد على محورين رئيسين؛ الأول؛ هو تعزيز التشريعات والقوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب ووضع ضوابط على النشاط ومراقبة مصادر التمويل، أما الثاني؛ فهو دعم الجهود الأمنية والاستخباراتية في رصد ومراقبة نشاط تلك المؤسسات وتتبع تدفقات الأموال الخاصة بها، ومن ثم إثبات الامتدادات بينها وبين التنظيمات الإرهابية وإيجاد سند قانوني في التعامل معها من جانب الحكومة.

ويتوقع محمد أن يشهد عام 2022 مواجهة أكثر حسماً مع تنظيمات الإسلام السياسي المنتشرة في أوروبا وفي القلب منها جماعة الإخوان، في عدة دول، منها بريطانيا وفرنسا وهولندا وسويسرا وبلجيكا والنمسا.

2021.. عام العمليات والاستفاقة

وعانت بريطانيا خلال عام 2021  من عدة هجمات إرهابية ابتداء بعملية طعن النائب البرلماني ديفيد أميس وانتهاء بتفجير ليفربول، واعتمدت السويد وبريطانيا عدة استراتيجيات لمكافحة الإرهاب اليميني المتطرف والإسلاموي ولمنع التهديدات المختلطة. كما زادت البلدان من مرونة البنية التحتية الحيوية والتدابير الأمنية لتعزيز الأمن السيبراني، وبذلت كذلك ألمانيا والنمسا جهوداً واسعة في محاربة التطرف والإرهاب خلال العام 2021، ونجحتا بشكل جيد في الحد من أنشطة الجماعات المتطرفة، من خلال وضع بعض المنظمات والجمعيات تحت المراقبة والبعض الآخر تم حظرها، وفق دراسة حديثة أصدرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.

وفي آخر تقرير عن وضع التنظيمات المتطرفة في أوروبا، أورد مركز توثيق الإسلام السياسي في النمسا، أنّ "وجود جماعة الإخوان المسلمين في القارة كان مدفوعاً بطلاب الشرق الأوسط في الجامعات الأوروبية وبعض الأعضاء رفيعي المستوى في المنظمة".

ويقول الخبراء، وفق المصدر السابق، إنّ "ما بدأ كوجود غير متوقع ومؤقت في أوروبا أصبح مع مرور الوقت راسخاً وتوسع بشكل كبير"، مشيرين إلى إنشاء العديد من المنظمات العامة في أوروبا تحت مظلة الإسلامويين، بهدف الحصول الدعم والتمثيل.

ويشير التقرير إلى أنّ المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين "تتلقى أموالًا عامة لتطوير أنشطة تهدف إلى الاندماج أو محاربة الإسلاموفوبيا". ويوضح التقرير أنه "في بعض الحالات، تعمل الجمعيات الخيرية المرتبطة بالإخوان أيضاً كمقاولين لوكالات المعونة الحكومية الأوروبية التي تنفذ مشاريع في مناطق من أفريقيا أو الشرق الأوسط".

لماذا تنشط الجماعة في أوروبا؟

وفي كتابه المنشور تحت عنوان: "خطر جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا: استراتيجية التغلغل، وأدوات التمويل، وإجراءات المواجهة، يرى مركز تريندز للبحوث والاستشارات، أنّ "مساعي جماعة الإخوان المسلمين للتغلغل في المجتمعات الأوروبية تنطلق من استراتيجية مدروسة، تعتمد فيها على مجموعة متنوعة من الأدوات؛ من بينها الأداة الدينية، والأداة الإعلامية، والمنصات الرقمية، والتطبيقات الإلكترونية. كما تعتمد الجماعة في تمويل أنشطتها هناك على عدد من المصادر بعضها قانوني وبعضها الآخر غير قانوني؛ كغسل الأموال والاتجار في العملات، التي من الصعب تتبعها ومعرفة مصادرها".

 

جاسم محمد: الإجراءات الأوروبية جاءت متأخرة إذا ما جرى قراءتها في ضوء الخطر الكبير الذي تمثله تنظيمات التطرف على القارة العجوز

 

وبحسب المركز "تلعب تركيا دوراً مهماً في دعم جماعة الإخوان المسلمين في مختلف الدول الأوروبية بهدف استخدام الجماعة في تحقيق مصالحها الخاصة. وكان صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002 فارقاً في هذا الدعم، حيث تحولت البلاد إلى قاعدة تنطلق منها الجماعة إلى أنحاء أوروبا كلها".

وورد في الكتاب أنه "مع تنامي نزعات التطرف والإرهاب داخل القارة الأوروبية، وتزايد التدقيق في أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، بدأنا نشهد ما يمكن أن نصفه بـ "انتفاضة أوروبية" في مواجهة الجماعة، حيث اتخذت بعض الدول الأوروبية عدداً من الإجراءات التي تستهدف تشديد الرقابة على أنشطتها وعلى الجهات والمؤسسات التابعة لها، لكن أياً من هذه الدول لم يصل إلى حظر الجماعة نهائياً، كما أنّ هذه الإجراءات جاءت فردية وليست ضمن نطاق تحرك أوروبي مشترك، وهو ما يقلل من فاعليتها".

وينوّه الكتاب إلى أنّ "هناك مجموعة من الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمواجهة جماعة الإخوان في دول أوروبا؛ مثل توضيح مدى خطورة الخطاب الإخواني على هذه الدول، ومحاصرة مصادر تمويل الجماعة وتجفيفها، وتأسيس لوبيات تضغط على الحكومات الأوروبية لتبني المزيد من الإجراءات التي تستهدف تقييد أنشطتهم".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية