سياقات الانتخابات الفلسطينية ومآلاتها

سياقات الانتخابات الفلسطينية ومآلاتها


19/01/2021

تطرح الانتخابات الفلسطينية التي أعلن الرئيس محمود عباس عن إجرائها في منتصف العام الجاري، والتي تشمل المؤسسات الفلسطينية "الرئاسة، والمجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني" وبالتتابع، تطرح جملة من التساؤلات وعلى مستويين: الأوّل؛ سياقات هذه الانتخابات، وتحديداً التحوّلات الدولية والإقليمية، بما فيها نتائج الانتخابات الأمريكية، وما يفترض أن تذهب إليه سياسات الديمقراطيين باتجاهات مغايرة لما تمّ تأسيسه خلال الأعوام الـ4 الماضية في عهد ترامب، وعنوانها الدعم المطلق لإسرائيل مقابل ضغوط ومحاصرة للقيادة الفلسطينية، والثاني؛ القضايا الإجرائية المرتبطة بالانتخابات.

 

من المبكر إصدار أحكام قطعية لنتائج هذه الانتخابات، والمؤكد أنها ستجري بصرف النظر عن كلّ المعيقات، فهي مطلب دولي وإقليمي أكثر من كونها ضرورة وطنية

 

فعلى صعيد سياقات الانتخابات، يأتي القرار بخصوصها في إطار "التكيف" الذي تشهده المنطقة كلها مع الإدارة الأمريكية الجديدة، بما فيها المصالحة الخليجية، وعودة الحديث حول حدود ومضامين الصفقة القادمة بين إيران وأمريكا، والتهدئة التي تمارسها القيادة التركية بكلّ الاتجاهات، وهو ما يطرح تساؤلات فيما إذا كان القرار يشكّل ترجمة وانعكاساً للتهدئة الناشئة بين المحاور الإقليمية الداعمة لكلٍّ من فتح وحماس.

اقرأ أيضاً: انتخابات فلسطينية كي لا يغدو محمود عباس رئيساً إلى الأبد

بيد أنّ قرار إجراء الانتخابات الفلسطينية غير معزول عن قرار السلطة استئناف التنسيق الأمني مع إسرائيل، بعد الإعلان عن فوز بايدن، في رسالة تمّ تفسيرها بوصفها بادرة حسن نية باستعداد السلطة للعودة إلى مسار المفاوضات، والدخول في المرحلة الجديدة يتطلب فلسطينياً إنهاء الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس، وهو ما تراهن عليه السلطة في هذه الانتخابات، ووفقاً للتصريحات الأوّلية الصادرة عن قيادات حماس فإنها تؤيد هذه الانتخابات التي شكّلت أحد أبرز مطالبها لإنهاء الانقسام، على مدى الأعوام الـ15 الماضية، وهو ما يطرح تساؤلات حول موقف حماس من مرجعية هذه الانتخابات التي تجري وفق مخرجات أوسلو، رغم أنها سبق أن شاركت في انتخابات سابقة وبالمرجعية ذاتها عام 2006، وهو ما يعني أننا أمام انتخابات سقفها أوسلو، وهو ما يتعارض مع برنامج حماس، رغم التعديلات التي طرأت عليه، بما فيها وثيقة عام 2017 التي تضمّنت اعترافاً بإسرائيل وحدود عام 1967.

اقرأ أيضاً: محلّلون فلسطينيون لـ "حفريات": بقاء نتنياهو سيزيد الفوضى في إسرائيل

 أمّا القضايا الإجرائية الخاصة بالانتخابات، فتتضمّن جملة من التساؤلات التي تقلل من حجم جرعات التفاؤل التي تحيط بها، لعل أوّلها ما طرحته حماس بمطالباتها بأن تكون متزامنة، أي تجري كلّ الانتخابات المقرّرة دفعة واحدة، وهو ما يعني شكوكاً لديها بإمكانية الانقلاب عليها أو تأجيل بعضها إذا لم تتوافق نتائجها مع رغبات حركة فتح، ثمّ ما هو موقف الفصائل الفلسطينية الفاعلة كالشعبية والديمقراطية وغيرهما؟ وهل ستخوض الانتخابات بكتلة مستقلة عن فتح وحماس، أم أنها ستتوزع بينهما؟ وكيف ستجري الانتخابات في قطاع غزة المسيطر عليه من قبل حماس، وفي الضفة التي يفترض أنها تحت سيطرة فتح؟ وما موقف كلّ من فتح وحماس من نتائج الانتخابات في غزة والضفة؟ وهل ستفضي الانتخابات إلى نتائج محسومة تفوز فيها فتح بالضفة وحماس في غزة؟ وماذا بالنسبة إلى المجلس الوطني الفلسطيني الذي يتشكّل من الشتات الفلسطيني في الخارج، وهو العنوان التمثيلي المنبثق عن منظمة التحرير، مقابل المجلس التشريعي المنبثق عن السطة الفلسطينية، وفي أيّ الساحات ستجري الانتخابات، وكيف؟ ثمّ ما موقف إسرائيل من هذه الانتخابات، وخاصة انتخابات القدس؟ وهل ستدعم إجراءها أم سوف تعرقلها؟ وماذا لو فازت حماس بالرئاسة الفلسطينية؟

 

من غير المتخيل أن تفوز فتح في قطاع غزة أو أن تحقق حماس فوزاً ساحقاً على فتح في الضفة الغربية

 

لا شكّ أنّ هذه التساؤلات غيض من فيض، ومن المؤكد أنّ حماس، قبل فتح، يجب أن تمتلك الإجابات عنها لتقنع الشارع الفلسطيني، بافتراض أنّ برنامج فتح أكثر وضوحاً، يعلن الالتزام بأوسلو والمفاوضات، فما هو برنامج حماس في انتخابات تجري على أساس أوسلو؟ وما مصير المقاومة في حال فوزها بالانتخابات؟

اقرأ أيضاً: هل تكفي الانتخابات لإنهاء الانقسام الفلسطيني؟

من المبكر إصدار أحكام قطعية لنتائج هذه الانتخابات، والمؤكد أنها ستجري بصرف النظر عن كلّ المعيقات، فهي مطلب دولي وإقليمي أكثر من كونها ضرورة وطنية، على أهمية البُعد الوطني الفلسطيني فيها، إلّا أنّ المرجح أنّ الانتخابات لن تسفر عن تغيرات ذات دلالة على الصعيد الفلسطيني، وستحافظ على تقاسم السلطة بين حماس وفتح؛ إذ من غير المتخيل أن تفوز فتح في قطاع غزة، أو أن تحقق حماس فوزاً ساحقاً على فتح في الضفة الغربية، وسيكون سقفها، بمعزل عن الفائز فيها، تأمين وجود طرف فلسطيني يجلس إلى طاولة المفاوضات القادمة، يحظى باعتراف ورضا الأطراف الدولية والإقليمية، وإذا كان موقف الأطراف الدولية واضحاً، فإنّ الرهانات هي على مواقف إقليمية جديدة، خاصّة من قبل القوى الداعمة لحماس، التي أثبتت تطوّرات ما بعد فوز بايدن أنها تختلف فيما بينها في العديد من الملفات، إلّا أنها تتفق على "العلاقة مع إسرائيل" بوصفها بوّابة الدخول للغرب.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية