في الذكرى الـ"94" لتأسيس "الإخوان"... هل وصلت الجماعة إلى محطتها الأخيرة؟

في الذكرى الـ"94" لتأسيس "الإخوان"... هل وصلت الجماعة إلى محطتها الأخيرة؟


17/03/2022

على وقع مشهد شديد القتامة وتطوّرات متسارعة في أزمة الصراع الداخلي المحتدم بين رؤس التنظيم، تحلّ الذكرى الـ94 لتأسيس جماعة الإخوان، التي تعيش فصلاً غير مسبوق من الانهيار والتشتت وتداعي الأزمات، سواء من داخلها أو خارجها، لتطرح سؤلاً مهمّاً حول مستقبل المشروع الذي بدأ طموحاً ومتوغلاً في المجتمع على يد حسن البنا في العام 1928، لكنّه لم يشهد أزمة انهيار كتلك التي يمرّ بها خلال الوقت الراهن.

 وفي محاولة منها لتصدير صورة أكثر اتساقاً وتنظيماً لقواعد التنظيم المشلول تماماً، دعت مجموعة إسطنبول التي يتزعمها محمود حسين إلى عقد مؤتمر حاشد بالتزامن مع ذكرى التأسيس التي توافق 22 آذار (مارس) الجاري، فيما وصفه مراقبون بأنّه أداة جديدة لحسم الصراع المحتدم بين جبهتي لندن وإسطنبول.

جماعة مُنهارة وقيادة مشتتة

يرى الكاتب المصري المختص بالإسلام السياسي منير أديب أنّ جماعة الإخوان قد بلغت حالة من الانهيار والتشظي التنظيمي غير مسبوقة، بالتزامن مع تفاقم الصراع الداخلي والمحاولات المستميتة من جانب كلّ طرف لاستغلال كافة الأدوات المتاحة لحسم الصراع لصالحه، موضحاً أنّ ذكرى التأسيس الـ"94" تحلّ على التنظيم بينما تكتب قياداته الفصل الأخير من تاريخه.

وفي تصريح لـ"حفريات" يوضح منير أديب أنّ الجماعة قد انقسمت بالفعل، في ضوء الصراع المحتدم، إلى جماعتين: يقود إحداهما محمود حسين ومجموعته من تركيا، بينما يقود الثانية إبراهيم منير ومجموعته من لندن، وهذا التقسيم ينطبق أيضاً على كافة الروابط التابعة للجماعة، سواء داخل مصر أو خارجها، وخصوصاً المنصات الإعلامية والشبكات المالية التي باتت مقسّمة بين الطرفين.

 

منير أديب لـ"حفريات": ذكرى تأسيس جماعة الإخوان الـ"94" تحلّ على التنظيم بينما تكتب قياداته الفصل الأخير من تاريخه

 

ويقول أديب: "إنّ حالة الانهيار والتشظي وصلت إلى قواعد التنظيم أيضاً، وشهدت الجماعة موجات متتابعة وكثيفة من جانب القيادات الذين تقدّموا باستقالاتهم اعتراضاً على أزمة الصراع، وما نتج عنها من كشف حقائق عن وقائع فساد مالي وإداري تورّطت فيها قيادات على رأس الهرم التنظيمي، وهو أمر أوجد فجوة كبيرة داخل التنظيم، ودفع عدداً كبيراً للتخلّي عن فكرة الولاء المطلق للجماعة، وأعلنوا عن موقف واضح ضدّ ما يجري، مشيراً إلى أنّه بالإضافة إلى المجموعات التي تقدّمت باستقالتها، وفضّلت الانسحاب تماماً من المشهد، هناك أيضاً مجموعات جمّدت عضويتها، وثالثة أعلنت الدعم لحسين، ورابعة أيّدت منير، وهو أمر يعكس مدى حالة الانهيار التي وصلت إليها الجماعة، والفقدان الكامل لأيّ سيطرة مركزية من داخل قيادات التنظيم عليها.

الفصل الأخير

ويجمع الخبراء والمراقبون على أنّ كافة السيناريوهات التي تحكم مستقبل الإخوان "قاتمة"، وأنّ الأزمة الراهنة ستعيد تشكيل التنظيم، وتعصف بالهيكل التاريخي إلى غير رجعة، ولا تتوقع أيّ تقديرات نهاية قريبة للصراع المحتدم أو لاحتوائه، خاصّة بعد فشل كافة المحاولات من جانب قيادات بارزة داخل الجماعة لإقرار مبادرة الصلح.

وربما التعبير الأدقّ عن وضع التنظيم الراهن جاء في شهادة على لسان أحد عناصره، القيادي أحمد عبد العزيز، الذي كتب سلسلة مقالات صحفية مطوّلة، قدّم خلالها قراءة للمشهد داخل الجماعة ومآلاته تحت عنوان: "لماذا كانت جماعة الإخوان؟ وما أهمية بقائها؟ وإلى أين؟"، وضمن إحدى الشهادات الواردة فيه: "جماعة الإخوان التي نعرفها (ولا أقول الدعوة ولا الفكرة) قد ماتت، ودُفنت بلا جنازة، مع هذا الانقسام الأخير".

 

أحمد سلطان: يُتوقع أن يسهم الصراع الراهن في زيادة وتيرة الانشقاقات وتجميد العضوية بالجماعة، سواء داخل مصر أو خارجها

 

وتابع: "هذا الانقسام الذي قاده بعناد وإصرار محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة، ولا أعفي إبراهيم منير نائب المرشد العام من المسؤولية؛ قد أغرى افتقاره لمقوّمات القيادة، وضعف شخصية حسين، بالاستحواذ على مفاصل الجماعة وقرارها ومقدراتها، على مدى (8) أعوام كاملة".

تحدٍّ حقيقي لقدرة الحركة... هل فشلوا؟

وبحسب الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان، "تقف جماعة الإخوان المسلمين أمام واحدة من أكبر الأزمات والصراعات القيادية على مدار تاريخها، في وقت يُعاني فيه أتباعها بصورة واضحة، وتنخفض روحهم المعنوية إلى درجة تكاد تقترب من فقدانهم الإيمان بالجماعة، بينما ينشغل القادة، في منافيهم شبه الاختيارية، بالتنافس والسعي إلى النفوذ والسيطرة على ما تبقّى من "جسدها التنظيمي".

وقدّم سلطان قراءة لأزمة الصراع الراهن وتداعياتها على الجماعة، في دراسة مطوّلة نشرها مركز تريندز للاستشارات والبحوث تحت عنوان: "الصراعات القيادية داخل الإخوان المسلمين وتداعياتها على الجماعة"، رأى سلطان أنّ الأزمة الراهنة تُمثل تحدياً حقيقياً لقدرة الحركة على الخروج من حالة انعدام الفاعلية التي تعيشها منذ أعوام، وتؤكّد حجم المشكلات الممتدة، التي نخرت بنية التنظيم الإخواني وقوّضته، إلى حدّ أنّه غدا بالياً ومهترئاً بفعل عوامل الزمن، وطول أعوام المحنة بالمفهوم الإخواني، وهو ما ظهر بشكل واضح في تمسّك قيادات جبهتي إبراهيم منير ومحمود حسين بالشرعية المتخيلة لمجلس الشورى العام (أعلى هيئة تشريعية ورقابية)، ولجوء كلٍّ منهم إلى استصدار قرارات من بعض أعضائه لتأييد مواقفهم، دون التقيد بصحة انعقاد مجلس الشورى أو نصابه اللائحي في الظروف الاستثنائية، علاوة على  المجلس عن إنهاء الخلاف وتفكير أعضائه المتبقين في الأداء التشغيلي الروتيني للجماعة بعقلية المسؤولين التنفيذيين، لا المسؤولين الرقابيين أو التشريعيين الذين يُناط بهم صكّ اللوائح والتشريعات لإنهاء حالة الازدواج القيادي الحاصلة.

 

اقرأ أيضاً: قيادي سابق بحركة النهضة يفتح النار على الغنوشي... ماذا قال؟

وعلى الرغم من أنّ الجماعة أثبتت سابقاً قدرتها على التكيّف والبقاء في الظروف الصعبة؛ فإنّ التشظي الحاصل في بنيتها التنظيمية الراهنة يُضعف من حظوظها في الاستمرار كجماعة موحَّدة بالصورة المعروفة، ويجعل من الحديث عن إجراء اتفاقات أو صفقات بينها وبين بعض الحكومات أمراً مستبعداً، باعتبار تعدّد مواقف الفواعل والجبهات داخل الحركة وتباينها.

وبحسب سلطان، يُتوقع أن يسهم الصراع الراهن في زيادة وتيرة الانشقاقات وتجميد العضوية بالجماعة، سواء داخل مصر أو خارجها، وقد يدفع أيضاً -ولو جزئياً- في اتجاه تحوّل الجماعة إلى حركة معارضة في المنفى، لكنّ التنظيم داخل مصر سيبقى ذا ثقل معتبر بالنظر إلى عوامل عدة؛ منها مركزية الدولة في العقل الاستراتيجي للإخوان باعتبارها مهد ووطن دعوتهم، وهو الأمر الذي تنصّ عليه لائحة التنظيم العالمي، فضلاً عن سيطرة المجموعات والقيادات المصرية على أفرع خارجية نشطة، سواء في أوروبا أو في دول آسيوية، وكذلك انشغال أفرع الإخوان الخارجية بمهامها ومشكلاتها الخاصة، وفكّ بعض الأفرع المحورية (كتونس والمغرب) ارتباطها بالتنظيم العالمي، وذلك دون قطع الصلة نهائياً مع الجماعة الأم. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية