في ذكرى اغتيال سليماني: متى تكف طهران عن تهديداتها الجوفاء؟

في ذكرى اغتيال سليماني: متى تكف طهران عن تهديداتها الجوفاء؟


05/01/2021

تبرز مواقف النظام الإيراني، في الذكرى الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، والقيادي في الحشد الشعبي، أبي مهدي المهندس، اللذين جرى استهدافهما بغارة جوية أمريكية، مطلع العام الماضي، تناقضات جمّة، كما أنّها تكشف عن مستويات متفاوتة في الخطاب السياسي والأيدولوجي الذي يتوجه إلى فئات وعناصر، محلية وإقليمية.  

تتوخى طهران الحذر تماماً في كل تحركاتها الميدانية؛ فهي منذ أربعة عقود لم تستهدف أمريكا أو إسرائيل، بصورة مباشرة، إذ إنّها تعرف أثمان ذلك

وبينما تراوحت نبرة التصريحات الصادرة عن مسؤولين إيرانيين، بين التهدئة مع الولايات المتحدة، أو اسئناف التهديدات التقليدية، فإنّ العام الماضي شهد توترات عديدة بين الطرفين، بلغت حدودها القصوى، ولم تهدأ لهجة العنف في الخطاب المتبادل بينهما، غير أنّ النظام في طهران، على ما يبدو، عمد إلى الاستعانة بخطاباته الراديكالية ضد واشنطن أو "الشيطان الأكبر"، كما ورد على لسان جنرالات الحرس الثوري، بهدف الاستهلاك الإعلامي المحلي، دون أن تحدث ردود فعل جادة وحقيقية، لاسيما في ظل تداعيات فيروس كورونا الصعبة، منذ آذار (مارس) العام الماضي، وقد تحولت طهران إلى بؤرة لتفشي الوباء العالمي.

ثمّة قواسم مشتركة بين التهديدات التي تنامت وتيرتها، على مدار العام الماضي، ومثيلاتها التي تجددت بالتزامن مع الذكرى الأولى لاغتيال القياديين في الحرس الثوري، تتمثل في محاولة طهران الاعتماد على وكلائها في عدد من الدول، من بينها بيروت وبغداد وعدن، بهدف التصعيد الميداني عبر الاحتجاجات أو المسيرات، وفي الوقت ذاته، تنفي نيتها، أحياناً، الانتقام أو الثأر، بعدما نفذت وعيدها، من خلال استهداف القوات الأمريكية، في قاعدة عين الأسد الجوية بالعراق، مرة، ومهاجمة قاعدة أمريكية أخرى، في أربيل، شمال العراق، مرة أخرى، وقد أعلنت واشنطن في المرتين أنّ "كل شيء على مايرام"، و"عدم وقوع أي إصابات في صفوفهم".

اقرأ أيضاً: الإرياني يعلق على احتفال الحوثيين بذكرى مقتل سليماني.. هذا ما قاله

بيد أنّ قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، صرح، مؤخراً، أنّ "اغتيال قاسم سليماني قائد الفيلق السابق لنّ يمنع إيران من مواصلة المقاومة"، كما هدد الولايات المتحدة خلال مراسم تأبين سليماني، قبل أيام قليلة، بأنّه "قد يأتي فرد من داخل بيتكم يرد على جريمتكم".

إيران في مسار بلا أفق

وبحسب وكالة "فارس" للأنباء الإيرانية، فقد شدد قائد فيلق القدس، على أنّ "مسار قوة فيلق القدس والمقاومة لن يتغير بالأفعال الخبيثة، التي تصدر من الولايات المتحدة، كما أنّ طهران مستعدة للرد على اغتيال سليماني، الذي استهدف في غارة بطائرة مسيرة"، وأضاف: "صمود لبنان، والتحرير في سوريا والعراق، تحقق كله بجهود الشهيد سليماني، وأبناء المقاومة لا زالوا يتقدمون، وهذا هو طريق الشهيد سليماني".

اقرأ أيضاً: حرق لافتة لسليماني في لبنان... ما علاقة حزب الله؟

ويمكن قراءة التحرك الإيراني، في ظل الذكرى الأولى لاغتيال سليماني والمهندس، من خلال عدة أمور؛ بحسب الباحث الإيراني، المتخصص في القضايا السياسية والأمنية، حسين راضي، من بينها التهديدات المتكررة والتقليدية التي تصدر من بعض المسؤولين الإيرانيين باتجاه أمريكا وإسرائيل، وكذا ضد بعض الدول العربية، والتي تأتي "ضمن البروباغندا الإيرانية، ودعايتها التي تستهدف بها ميليشياتها، في المقام الأول، لتقوية معنوياتهم، إضافة إلى عرض عضلات النظام الايراني في المنطقة، لجهة تحقيق عدة أهداف، محلية وإقليمية".

الباحث الإيراني المتخصص في القضايا السياسية والأمنية حسين راضي

ويردف راضي في حديثه لـ"حفريات": "تتجه خطابات النظام الإيراني، طوال الوقت، إلى حواضنه الاجتماعية، لشحنهم وتعبئتهم معنوياً، وحقن الغضب المتراكم داخلهم، كما أنّ تلك التصريحات أو بالأحرى التهديدات، مقصودة بهدف تكريس التصورات التي يصدرها الملالي عن نفسه بأنّه ند لواشنطن".

ومن ناحية أخرى، اختلف موقف وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، عن سابقه، قائد فيلق القدس؛ إذ كان خطاب الأول أخف وطأة في الهجوم على الولايات المتحدة، بل إنّه عمد إلى نبذ التصعيد، ونفى، بصورة غير مباشرة، أيّ نيّة بخصوص تدبير هجمات، حيث قال إنّ "واشنطن تعمد إلى اختلاق حجج لشن هجوم على بلاده".

اقرأ أيضاً: ي ذكرى مقتل سليماني: الحشد الشعبي يهدد وسط تظاهرات لعناصره

وأكد وزير الخارجية الإيراني أنّ إيران "لا تسعى إلى الحرب، لكنها ستدافع فوراً، وبكل الوسائل عن شعبها وأمنها ومصالحها الحيوية".

وكلاء إيران.. محاولة لحفظ ماء الوجه

وإلى ذلك، تتولى الميليشيات المحلية المدعومة من إيران، في العراق ولبنان، إحياء ذكرى مقتل سليماني والمهندس، خلال الأيام الماضية؛ إذ احتشد عناصر من الحشد الشعبي العراقي، بالقرب من مطار بغداد، بينما رفع المتظاهرون شعارات منددة بالولايات المتحدة، وطالبوا بخروج القوات الأمريكية من بغداد، وتكرر الأمر ذاته، في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الله في لبنان، وتحديداً في مناطق الجنوب؛ حيث قام عناصر الحزب برفع صور القائدين بالحرس الثوري.

وفي نهاية العام الماضي، تمّ نصب تمثال للقائد الإيراني، في منطقة مارون الرأس، جنوب لبنان، والتي تسببت في موجة من الجدل والسخرية بين عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ رفضت التبعية اللبنانية على إيران.

وغردت الصحافية اللبنانية، ديانا مقلد، عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": تمثال لقاسم سليماني في جنوب لبنان. وقبله ورقة مسربة من مدارس المهدي عن أسئلة توجه لأطفال عنه. وطبعاً هناك الكلام الهذياني الذي قاله حسن نصر الله عن مناشدته ملك الموت أن يقبض روحه لا روح سليماني. كما دوماً، هناك محاولات عبثية تثير السخرية لتطويب مجرم قاتل بغلاف القداسة المزيف".

 الباحث الإيراني حسين راضي لـ"حفريات": تتجه خطابات النظام الإيراني، طوال الوقت، إلى حواضنه الاجتماعية، لشحنهم وتعبئتهم معنوياً، وحقن الغضب المتراكم داخلهم

بيد أنّ ذروة التصعيد الذي مثله وكلاء طهران في المنطقة، جاء بعد تصريحات قائد سلاح الجو، في الحرس الثوري الإيراني، علي حاجي زادة، قبل أيام قليلة، عندما  قال إنّ "الصواريخ الموجودة في غزة ولدى حزب الله في لبنان، جاءت بدعم إيراني، وأنّهما الخط الأمامي لمواجهة إسرائيل"، ما تسبب في ردود فعل عنيفة من مختلف القوى السياسية الوطنية المعارضة للوصاية الإيرانية التي يمارسها حزب الله، وقد رفضوا توريط لبنان في صراعات بالوكالة لحساب قوى خارجية.

رفض الوصاية الإيرانية في المنطقة

وغرد وزير العدل اللبناني السابق، أشرف ريفي، عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "أنّ قول إيران إن صواريخ حزب الله هي خط الدفاع عنها، أمر غير مفاجىء، فلهذا أنشأوه وسلحوه وسموه زوراً مقاومة، وهو امتداد للحرس الثوري الإيراني. لبنان أكبر من احتلالكم وسينتصر".

كما جاء الرد اللبناني الرسمي، عبر المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة، حسين الوجه، حيث قال: "يصر بعض المسؤولين الإيرانيين على التعامل مع لبنان كمقاطعة إيرانية، ويحاولون زج الشعب اللبناني في حروب النظام الإيراني المفتوحة مع المجتمع الدولي". وتابع: "لبنان لم ولن يكون الخط الأمامي في المواجهة مع إيران.. واللبنانيون لن يدفعوا أثمان أخطاء النظام الإيراني".

وشدد المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة، على أنّ "لبنان بلد عربي ملتزم بمواثيق جامعة الدول العربية، وهو سيد وحر، ومستقل".

وعليه، فإنّه إلى جانب تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي ترفع من سقف تهديداتها، تجري بعض التحركات الميدانية الأخرى، التي تعرف حدودها وسقفها، وذلك من قبل الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري بالمنطقة، بحسب الباحث الإيراني حسين راضي، الذي أبلغ "حفريات" بأنّ "طهران تتوخى الحذر تماماً في كل تحركاتها الميدانية؛ فهي منذ أربعة عقود لم تستهدف أمريكا أو إسرائيل، بصورة مباشرة، إذ إنّها تعرف أثمان ذلك وتعباته على نظام الولي الفقيه، والتي ستكون تدميرية".

اقرأ أيضاً: هكذا أحيا حزب الله اللبناني ذكرى مقتل سليماني والمهندس... أين الموقف الرسمي؟

وبحسب الباحث الإيراني، فإنّ طهران التي تم اعتقال شبكة تابعة لها في الإمارات، الأحد الماضي، وكانت بصدد تنفيذ أحد مخططاتها الإرهابية "تعمل على تنشيط عناصرها الميليشياوية، لجهة تنفيذ مخططاتها الإرهابية ضد الدول العربية، والتي يقع ضحيتها مدنيون ومواطنون عرب، كما يحدث مع إسقاط صواريخ الكاتيوشا، في محيط المنطقة الخضراء بالعراق، دون أن تمس المصالح الأمريكية والغربية، الأمر الذي يخدم أهدافها في التوسع الإقليمي، وتمديد نفوذها الجيوسياسي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية