في ذكرى المولد النبوي: إنهم يتاجرون باسمك يا رسول الله

في ذكرى المولد النبوي: إنهم يتاجرون باسمك يا رسول الله


28/10/2020

ذكرى مولد النبي محمد عليه السلام تحمل هذا العام رمزية خاصة، لكونها تتزامن مع حملة سياسية شرسة تخوضها دول وتنظيمات متشددة لتعميق الهوة بين البشر، وإذكاء الخلافات المنذرة بحروب دينية حذر منها النبي الكريم الذي حمل راية السلام، ودعا إلى التسامح والإحسان وتعميم ثقافة الخير والفلاح.

د. نصر فريد واصل: من دروس المولد النبوي جهاد النفس بالتحلي بما يدعو إليه من الأخلاق والآداب فتحسن بذلك صورة الإسلام والمسلمين ويعلو شأننا في العالمين

المفارقة أنّ الذين يصبّون الزيت على نار الخلافات التي أعقبت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مطلع الشهر الجاري، حول الانعزالية الإسلامية، لا ينشدون الدفاع عن النبي ولا عن القيم الإنسانية، بل هدفهم المتاجرة بالدين، والاستثمار السياسي لحادثة الرسوم المسيئة للنبي التي نشرتها صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة، والتي دان سلوكها الكثيرون حول العالم، كما دانوا في الوقت نفسه الإساءة إلى المقدسات والمعتقدات الدينية أياً كان مصدرها.

سكب الزيت على نار الخلافات

من ينفخ في نار الخلافات الآن؟ هذا سؤال مهم، حتى يتبين الناس الأجندة السياسية والأيديولوجية وراء حملة المقاطعة للمنتجات الفرنسية التي وظفت لها تركيا وقطر وجماعة الإخوان جنوداً مجنّدة وجيوشاً إلكترونية، فقط لأنّ ماكرون يعادي النهج التركي في سوريا وليبيا، ومناطق أخرى في العالم، فضلاً عن أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كشف زيف الإدعاءات الإخوانية، وقام بإغلاق جمعيات ومساجد تمولها تلك الحركة المصنّفة إرهابية. وفعل الأمر ذاته في مؤسسات تدعمها الدوحة وتخدم أجندة التيارات السلفية المتشددة، ولا تقدم لدين الإسلام أية خدمة، بل تعيق تبلور الإسلام بصورته الحقة التي تدعو للوسطية والاعتدال.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

في ذكرى مولد النبي يتعين أن يسود منطق العقل على الدعوات الشريرة التي تعبث بمشاعر الشباب الغاضبين وتحرضهم على الانتقام كما فعلت فتوى لمتدين سلفي متشدد حرضت الشاب الشيشاني على قتل أستاذه؛ بذريعة تقصّد الإساءة إلى النبي، فما كان من الطالب إلا أن قطع رأس المدرس، مقدماً صورة عنيفة عن الإسلام والمسلمين، ومعرّضا حياة ملايين المسلمين في فرنسا وأوروبا لخطر الانتقام والرد بالمثل، في متتالية شيطانية جهنمية لن يستفيد منها إلا الأطراف المذكورة سابقاً ومن يدور في فلكها.

ماذا قالت السعودية؟

لقد استنكرت السعودية أمس، الثلاثاء، الرسوم المسيئة للنبي محمد، وقالت إنها "ترفض أي محاولة للربط بين الإسلام والإرهاب".

ونقلت وكالة الأنباء السعودية، عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية قوله إنّ المملكة "تدين كل عمل إرهابي أياً كان مرتكبه، وتدعو إلى أن تكون الحرية الفكرية والثقافية منارة تشع بالاحترام والتسامح والسلام وتنبذ كل الممارسات والأعمال التي تولد الكراهية والعنف والتطرف وتمس بقيم التعايش المشترك والاحترام المتبادل بين شعوب العالم".

اقرأ أيضاً: حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية.. هل هي استغلال لمشاعر المسلمين؟

هذه هي القيم الحقة التي يتعين الاقتداء بها، لا سيما وأنّ وراء حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية ما وراءها، وهو ما نبّه إليه الأكاديمي الإماراتي د. عبد الخالق عبدالله الذي غرّد في حسابه على "تويتر": "حملة الإخوان ضد حرب فرنسا المحقة على الغلو والتطرف ليست مخلصة لوجه الله، وليست دفاعاً عن الإسلام بل هي متاجرة بالدين".

"لا لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية"

كما غرد د. علي بن تميم: "مع الحملة الشعبية لمقاطعة تركيا التي أساءت إلى إرث الرسالة المحمدية وتراث العرب والمسلمين، ولا بل ألف لا لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية لأنّ فرنسا سعت دون كلل ولا ملل إلى عدم الارتهان للجماعات الإسلاموية المتطرفة التي تريد احتكار الصواب ونشر الاحتراب بالزيف والسراب وفتاوى الإرهاب".

اقرأ أيضاً: استغلال الدين.. غطاء أردوغان لأطماعه بشرق المتوسط

وفي تطور بسبب الرسوم المسيئة للنبي الكريم، أعلن مجلس حكماء المسلمين، ومقره أبوظبي، خلال اجتماع، عقده أول من أمس الاثنين برئاسة شيخ الأزهر أحمد الطيّب، عزمه رفع دعوى قضائية ضد صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة التي نشرت رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد، وكذلك أيضاً ضد "كل من يسيء للإسلام ورموزه المقدسة".

السعودية ترفض أي محاولة للربط بين الإسلام والإرهاب

وتأتي هذه الأزمة، كما أفادت "فرانس برس" بعد تأكيد الرئيس الفرنسي أنّ بلاده "لن تتخلّى عن مبدأ الحرية في نشر الرسوم الكاريكاتورية، وهو وعد قطعه أثناء مراسم تكريم المدرس صامويل باتي الذي قتل في 16 الشهر الجاري بيد روسي شيشاني إسلامي متشدّد ذبح أستاذ التاريخ لأنه عرض هذه الرسوم على تلامذته في المدرسة"، في إطار درس عن حرية التعبير.

د. علي بن تميم: لا بل ألف لا لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية لأنّ فرنسا سعت إلى عدم الارتهان للجماعات الإسلاموية المتطرفة التي تريد احتكار الصواب

وأثارت تصريحات ماكرون موجة انتقادات في عدد من الدول الإسلامية؛ حيث خرجت مظاهرات مندّدة بها، كما أُطلقت حملة لمقاطعة السلع الفرنسية، في حين تضامن مع الرئيس الفرنسي العديد من نظرائه الأوروبيين.

وفي بيانه، شدد مجلس الحكماء على أنّ "حرية التعبير لا بدّ أن تأتي في إطار من المسؤولية الاجتماعية التي تحفظ حقوق الآخرين، ولا تسمح بالمتاجرة بالأديان في أسواق السياسة والدعاية الانتخابية".

السيد يحلل ظاهرة العنف

وفي تحليله لظاهرة العنف التي يحاول بعضهم إلصاقها بالإسلام، يرى المفكر اللبناني رضوان السيد أنه "في حالة المدرِّس الفرنسي المذبوح بداعي عرض الرسوم المؤذية، بعد أيام على خطاب الرئيس الفرنسي ضد الإسلام "الانفصالي المأزوم"، تظهر دلالتان متعارضتان: هناك من جهة البرهان على ما قاله الرئيس عن انفصالية الإسلام الفرنسي. وهناك من جهة ثانية الدلالة على "وحشية" المسلمين وتخلفهم وعدم قدرتهم على الاندماج في مجتمع ديمقراطي علماني معاصر ليس مستعداً لممارسة العنف، وإن أُهينت له رموز دينية!".

اقرأ أيضاً: هل نحن أمام عودة الديني أم استغلال الدين في أغراض السياسة؟

ويؤكد السيد في مقالة له في "الشرق الأوسط" أنّ "مجتمعات الكثرة الإسلامية الأصلية أو مجتمعات الهجرة والاغتراب، في كثرتها الساحقة ترفض العنف وتخشى تداعياته أشدَّ الخشية، وهي وإن تكن مريدة للاندماج والتماسك، أو عاجزة عنهما لأسبابٍ مختلفة، فإنها تنظر إلى التصرفات العنيفة، من جانب أفرادٍ منها أو من خارجها، بصفتها مؤامرات مدبَّرة لإحداث مزيد من الاضطراب والإعياء واليأس".

وذكّر المفكر اللبناني بأنه طوال عدة عقود، "ظلَّ مثقفونا الكبار مصرّين على أنّ الموروث الديني بمختلف طبقاته ورموزه هو علة العجز في الدخول إلى الحداثة، وهذا العجز هو الذي يتسبب في التذمر والاستنزاف والعنف، بينما ظلَّ أهل التقليد المتجدّد يعدون الحداثة والعولمة وظواهرهما هما العلة فيما حدث ويحدث للمجتمعات والدول. ثم شغل العنف الهائل باسم الدين الدول والمؤسسات الدينية، فأقبلوا على الاستعداد والعمل باتجاه ثلاثة أمور: مكافحة التطرف والإرهاب، واستعادة السكينة في الدين، والتواصل والتشارك مع الديانات والثقافات في العالم من أجل رؤية أُخرى للإسلام، ورؤى أُخرى من جانب المسلمين تجاه عالم العصر وعصر العالم".

الدروس المستفادة من ذكرى المولد النبوي

وفي ذكرى مولد النبي محمد، سئل فضيلة الدكتور نصر فريد واصل عن الدروس المستفادة من الحدث، وكيف نستعين بها في حياتنا، فقال، كما ورد على موقع دار الإفتاء المصرية،  إنّ "الدروس المستفادة من ذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من أن تحصى أو تُعدَّ، وحسبنا منها ما يعيننا على تحمل مشاق الحياة وقسوتها؛ ذلك هو الصبر الذي ردده ربنا سبحانه وتعالى على مسامع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في كثير من آيات القرآن الكريم، وجعله من أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم؛ فما أكثر ما قال له ربه عز وجل: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ﴾ [النحل: 127]، ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ [المعارج: 5]، ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: 35].

اقرأ أيضاً: كيف تصبح "لا إكراه في الدين" نبذاً للعنف والاستغلال السياسي؟

والصبر نصف الإيمان، ولذا فإنّ الصابرين يوفون أجرهم بغير حساب كما أخبر بذلك رب العالمين، ثم هناك لهذه الذكرى العطرة دروس العزة والكرامة والإباء والنجدة والشهامة، وهناك دروس جهاد النفس بالتحلي بما يدعو إليه من الأخلاق والآداب فتحسن بذلك صورة الإسلام والمسلمين ويعلو شأننا في العالمين.

ثم هناك دروس الدفاع عن الحق، ونصرة المظلوم، ويا ليت المسلمين يعرفون هذه الدروس ويعملون بها وتتحد كلمتهم حولها".

الصفحة الرئيسية