كيف ربط الرأي العام الغربي بين أسلمة آيا صوفيا وتهويد الأقصى؟

كيف ربط الرأي العام الغربي بين أسلمة آيا صوفيا وتهويد الأقصى؟


12/07/2020

"هل يقبل المسلمون أن تُحوّل إسرائيل المسجد الأقصى إلى كنيس أو معبد يهودي؟"

بهذه الجملة علّق مواطن أمريكي على قرار المحكمة التركية بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد.

بلومبرج: قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يعكس ضعف شعبية أردوغان وحزبه وهدفها ابتزاز مشاعر القومية عند الأتراك، وتبرير التدخل العسكري في ليبيا وسوريا

ففي الوقت الذي يتّحد فيه القادة العرب لمواجهة خطط الضمّ الإسرائيلية لأراض من الضفة الغربية، يخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقرار مشابه لقرارات التهويد والضم الإسرائيلية، ما يسيء إلى القضية الفلسطينية التي ربط أردوغان وأتابعه أسماءهم بها أمام الإعلام الغربي، واستغلوها كثيراً في المحافل الدولية.

الهدف من هذا القرار لا علاقة له، من بعيد أو قريب، بالأقصى، بل إعادة ابتزاز وشحن لعواطف مؤيدي أردوغان، والبسطاء من المسلمين، في وقت تتراجع شعبية أردوغان داخلياً، وتكاد دول أوروبا تجتمع لردع عربدته في ليبيا والبحر المتوسط وعلى حدود أوروبا.

اقرأ أيضاً: كيف يقود تحويل كنيسة آيا صوفيا لمسجد إلى تحرير الأقصى؟

يرى متابعون أنّ أردوغان يهدف إلى تحقيق انتصارات داخلية متمثلة في علاج تدني شعبيته، وحشد الجمهور العربي المسلم خلف مخططاته التوسعية، والهروب من مأزق التصعيد ضدّ مصر في ليبيا بقضية أخرى، وجذب السياح المسلمين للصلاة في آيا صوفيا، التي حوّلها إلى "أيقونة إسلامية".

وخارجياً؛ يبدو أنّه ينتحر أمام الرأي العام الغربي، فلا مكسب له سوى المزيد من الإرهاب لأوروبا، التي تتّحد دولها ضدّ أطماعه ودعمه للإرهاب.

عن أيّ أقصى يتحدّث أردوغان؟

كتب أردوغان على حسابه في تويتر: "إحياء آيا صوفيا من جديد هي بشارة نحو عودة الحرية للمسجد الأقصى"، لا أحد رأى في كلام أردوغان علاقة بالمسجد الأقصى سوى من اعتادوا التهليل لكلامه دون إعمال عقولهم.

الرمز الإخواني، محمد الغزالي شهد أنّ سيطرة العثمانيين على الكنيسة كانت (بالعنف)، واستنكر كيف لم يتأسَّ العثمانيون بالصحابي عمر في القدس؟!

فبينما يكتب أردوغان هذا الكلام، وصل حجم التجارة البينية بين تركيا وإسرائيل إلى نحو 4.5 مليار دولار في 2019، ومن ضمن صادرات تركيا تجهيزات مباشرة للجيش الإسرائيلي تمثّلت في الملابس والأحذية، وغير مباشرة تستخدم في الصناعات العسكرية، مثل الحديد والمواد الكيماوية، وفق موقع "tradingeconomics" التركي.

في غضون ذلك، تهدّد إسرائيل بضمّ 10% من مساحة الضفة الغربية، بينما أردوغان يمارس هوايته المعتادة في إطلاق تصريحات نارية، دون أن ينذر إسرائيل بأنّ الضمّ سيهدّد علاقاتها مع بلاده، مثلما فعلت دول عربية.

بدلاً من ذلك؛ قام بخطوة تشبه ممارسات العنصرية بحقّ المقدسات الإسلامية، لما تمثّله كنيسة آيا صوفيا من رمز لمسيحيي الشرق الأرثوذكس، وما مثّلته من محور كبير للصراع الروسي-العثماني، والصراع العثماني-اليوناني.

اقرأ أيضاً: هكذا علقت الإمارات على تحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد

بهذه الخطوة منح أردوغان مثالاً سيئاً عن العالم الإسلامي، فبدلاً من احترام تحوّل الكنيسة إلى متحف مفتوح للجميع، قام بتحويلها إلى مسجد كرسالة للعالم أنّ المسلمين أعداء للغرب للأبد، مما يزيد من الإسلاموفوبيا.

وفي هذا السياق، كتب راود طايع، المواطن الأمريكي من أصل لبناني، على تويتر: "هل يقبل أردوغان أن تحوّل إسرائيل المسجد الأقصى إلى كنيس أو معبد؟"، سؤال طايع اتسم بالموضوعية، والفهم لما يتاجر به أردوغان أمام الشعوب العربية والإسلامية، لكنّ الحال لم يكن هكذا مع مواطن مسيحي آخر، كتب عبر تويتر: "في الماضي لم يهتم كلّ المسيحيين بسقوط القسطنطينية، والكاتدرائية الأرثوذكسية اليونانية، لكن اليوم كلّ مسيحيي العالم يشكلون يداً واحدة ضدّ هذا القرار، ولن ننسى دماء الآشوريين واليونانيين والأرمن التي سفكها العثمانيون".

ورأت الكاتبة نورا المطيري؛ أنّ أردوغان يسعى إلى تحويل آيا صوفيا إلى مسجد بديل للأقصى، يستقطب السياح المسلمين للصلاة فيه، مما يحقق لتركيا عوائد اقتصادية كبيرة. وكتبت المطيري عبر تويتر: " قال أردوغان سابقاً إنّ سورة الفتح لم تنزل في فتح مكة، بل نزلت في فتح إسطنبول..! غداً سيقرأ الإخوان سورة الإسراء، وكأنّها نزلت في آيا صوفيا".

أردوغان.. صناعة النصر من السراب

نجح أردوغان في خلق حالة كبرى من الجدل بين الجمهور العربي حول قرار آيا صوفيا، ظناً منه أنّه بذلك سينال شعبية أكبر، باللعب على وتر الدين الذي طالما استغله في خداع البسطاء، لكن، على عكس ما رغب أردوغان، لم ينخدع أحد بذلك، بل انقسم الجمهور حول القرار وفق مواقفهم السابقة من أردوغان؛ فمن كان يؤيده مدح القرار بلا تفكير، بينما قدم المعارضون حججاً قوية لرفض القرار، أهمها أنّه لا مكسب للإسلام أو القدس، أو أيّ أحد، من هذا القرار سوى أردوغان نفسه.

اقرأ أيضاً: العثمانية الجديدة.. أجندة أردوغان أم دعاية سوداء

وقبل، وبعد، صدور القرار نشطت الماكينة الإعلامية لأردوغان وحلفائه في الترويج للقرار كنصر إسلامي، وبشرة خير لاستعادة الأقصى. ولإضفاء القبول على دعايتهم عمدوا إلى اختلاق كذبة أنّ السلطان محمد الثاني (الفاتح) اشترى الكاتدرائية من الرهبان ليحوّلها إلى مسجد، وجعلها وقفاً، ثم جاء أتاتورك فنهب هذا الوقف، واليوم أعاد أردوغان الحق لأصحابه، وأعاد الكنيسة إلى الوقف الإسلامي.

اقرأ أيضاً: لماذا الآن؟.. توقيت تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يكشف نوايا أردوغان

لا تحتاج حجة ساذجة مثل هذه إلى التفنيد، ورغم ذلك؛ لم يثبت تاريخياً أنّ محمد الثاني اشترى الكنيسة، ولم تظهر هذه المعلومة إلّا اليوم لتبرير قرار السطو على الكاتدرائية، وكيف يشتري السلطان كنيسة بعد أن دخل المدينة بحدّ السيف، ونهب جنوده ما فيها، وأخذوا ما يقرب من 75 ألف مسيحي أسرى.

ما حدث أنّ محمد الثاني حوّل أكبر رمز مسيحي إلى رمز إسلامي، ليغيّر هوية المدينة، ونُقلت الكاتدرائية إلى مكان آخر في إسطنبول، ولو كان الخيار بيد البطريرك اليوناني لما فرّط في أهم رمز أرثوذكسي في العالم.

أمّا عن دوافع القرار الحقيقة، فقد كتب الباحث في التاريخ والصحفي، حسن حافظ، عبر الفيسبوك: إنّ "خطوة أردوغان حول آيا صوفيا شعبوية تأتي في إطار مخاطبة داخل مأزوم، وسعي لترميم شعبية متراجعة، وتأكيد على الخلطة القومية الإسلامية الشعبوية في تركيا الحالية، وتعويض على مستوى نفسي لإهانة إغلاق باب الاتحاد الأوروبي في وجهه".

اقرأ أيضاً: تقرير: الأتراك يستهدفون حاضر ومستقبل تاريخ شمال سوريا

وعلّق الباحث في الدراسات الإسلامية، سامح عسكر، على القضية عبر فيسبوك قائلاً: إنّ "الرمز الإخواني، محمد الغزالي شهد أنّ سيطرة العثمانيين على الكنيسة كانت (بالعنف)، واستنكر كيف لم يتأسَّ العثمانيون بالصحابي عمر في القدس..! فكيف يردّد الإخوان اليوم أنّ محمد الثاني اشترى الكاتدرائية".

إضافة إلى ذلك؛ غرّد محمد وازن عبر تويتر: "أردوغان يحاول تعويض شعبيته الضائعة بقرار تحويل متحف آيا صوفيا لمسجد، فهناك خمس استقالات لأعضاء بارزين من حزبه، خسائر اقتصادية بالمليارات، ديون فاقت قدرات الاقتصاد التركي، وورطة ليبيا".

ردود فعل دولية غاضبة

دانت الرئيسة اليونانية، إيكاتيريني ساكيلاروبولو، عبر تويتر قرار أردوغان حول آيا صوفيا، ووصفته بأنّه "شديد الاستفزاز للمجتمع الدولي"، وقالت: "إهانة وحشية للمعالم التاريخية، تقوّض قيم التسامح، وتسمّم علاقات تركيا مع المجتمع المتحضر"، وندد حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض بقرار أردوغان، ووصفه بأنّه متاجرة سياسية، ودعاية شخصية.

ودعا مجلس الكنائس العالمي، ويضمّ 350 كنيسة، أردوغان إلى التراجع عن قرار تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد مرة أخرى، معرباً عن أنّ القرار يقوض جهود التقارب بين الأديان.

كما دانت اليونسكو، بطريركية موسكو، ورئيس أساقفة اليونان في أمريكا القرار، ودعت منظمات دينية أمريكية الرئيس ترامب للضغط على أردوغان للتراجع عن قراره.

أردوغان ضعيفاً

ويرى تقرير لـ "بلومبرج"؛ أنّ قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يعكس ضعف شعبية أردوغان وحزبه داخل تركيا، ما دفعهم إلى هذه الخطوة، لابتزاز مشاعر القومية عند الأتراك، وتبرير تدخل أردوغان عسكرياً في ليبيا وسوريا.

اقرا أيضاً: تقرير فرنسي يحذّر من الحركات السلفية والإخوان ويقترح هذه الإجراءات

ولم يرَ مدير برنامج الأبحاث التركية، في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، سونر كاجاباتي، في الخطوة مكسباً كبيراً لأردوغان، وقال إنّها قد ترفع شعبيته نقاطاً قليلة، لكنّ الاقتصاد سيظلّ هو العامل الحاسم في رضا أو سخط الناخب التركي"، وفق تصريحاته لـ "بلومبرج".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية