لماذا الآن؟.. توقيت تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يكشف نوايا أردوغان

لماذا الآن؟.. توقيت تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يكشف نوايا أردوغان


11/07/2020

لم يكن قرار تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، أمس، بالمفاجئ؛ إذ يمثل أحد أهداف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي صعد بالشعبوية الإسلاموية، من رئاسة بلدية إسطنبول إلى رئاسة تركيا، ومنذ منصبه الأول وعد أردوغان ناخبيه بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد.

غرّد أردوغان قائلاً: إنّ "إحياء آيا صوفيا من جديد بشارة نحو عودة المسجد الأقصى"، وكأنّه فتح آيا صوفيا من المحتلين

نحو 26 عاماً، منذ تولى أردوغان رئاسة بلدية إسطنبول في العام 1994، وخطوة تحويل المتحف إلى مسجد، أو مجرّد المضي قدماً فيها، مجمّدة، حتى تقديم الدعاوى الأخيرة من منظمات قريبة من أردوغان إلى القضاء لإلغاء قرار تحويل المسجد إلى متحف في العام 1934 على يد مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.

وقد استقبل أردوغان حكم المحكمة، الذي سُرّب قبل النطق به في مؤشر يشكّك في النزاهة، على أنّه "فتح ونصر عظيم"، وساق خطبة حماسية طويلة، دغدغ بها المشاعر، وعزف على أوتار إسلاموية عدة، والهدف استعادة شعبيته المهدورة بفعل الأزمة الاقتصادية في تركيا، وعنايته بأحلامه التوسعية في ليبيا وسوريا، على حساب الشعب التركي.

...

غرّد أردوغان قائلاً: إنّ "إحياء آيا صوفيا من جديد بشارة نحو عودة المسجد الأقصى"، وكأنّه فتح آيا صوفيا من المحتلين، وكأنه لا يقيم علاقات وطيدة مع إسرائيل، وهو ما استفزّ كثيرين من المغرّدين.

ردّ أحد الناشطين، وهو مشعل النامي، ساخراً: كيف أنّ أردوغان، هو ودراويشه، ساوى في المكانة بين المسجد الأقصى، الذي هو أولى القبلتين، والذي له مكانة خاصّة في الإسلام، وبين آيا صوفيا، التي كانت في الأصل كنيسة.

اقرأ أيضاً: آيا صوفيا.. أردوغان يحشد لإعادة شعبيته التي بدّدتها مُقامرات السياسة والاقتصاد‎‎

فيما غرّد حساب آخر تحت اسم "معالي موجز الأخبار" عن زيارة مرتقبة لنجل أردوغان، بلال، إلى إسرائيل، ما يعكس عمق العلاقات بين الكيان الصهيوني وتركيا، على خلاف الصورة التي يحاول أردوغان تقديم نفسه فيها كزعيم للمسلمين، والمحرّر المرتقب للأقصى!

وقال حساب باسم "مصري بجد مش مغيب": أردوغان أداة لتخريب بلاد المسلمين، يخدع المغيبين والخوارج وإخوان الشيطان، إنه أداة الصهيونية لتفتيت الأمّة، هل لو طلبت حماس أو السلطة الفلسطينية تدخل أردوغان؟ هل يجرؤ؟

اقرأ أيضاً: هروب أردوغان إلى آيا صوفيا!

وتصدّرت هاشتاغات باسم "#أردوغان" و"#آيا_صوفيا"، "#مسجد_آيا_صوفيا"، موقع تويتر في بلدان عربية عدّة، في مؤشر على الصدى الواسع للقرار.

وقد جاءت تدوينات كثيرة، سواء لمسلمين أو لمسيحيين، منتقدة القرار؛ حيث غرّد رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس رداً على تدوينة لأردوغان: "هنيئاً لكم مسجد آيا صوفيا"، فقال ساويرس: وهنيئاً لك عداوة مسيحيي العالم كله.

...

وساهم قرار أردوغان في إثراء النظرة والتعليقات الطائفية وهو ما حذّرت منه جهات عدة قبل قرار التحويل.

فيما دوّن البعض متأثراً بخطوة أردوغان، فقال حساب باسم هيثم حمدي: "من لم يفرح اليوم بتحويل مسجد آيا صوفيا إلى مسجد من جديد، فليراجع دينه".

وكان أردوغان قد وصف القرار السابق بتحويل آيا صوفيا إلى متحف بـ"الخيانة للتاريخ والعداء للقانون"، وذلك خلال خطبته عقب القرار، معلناً عن موعد 24 الشهر الجاري، لاستقبال المصلين في مسجد آيا صوفيا.

اقرأ أيضاً: مسجد أم متحف؟ آخر تسريب عن مصير "آيا صوفيا"

وأضاف: "...نأمل أن يجلب قرار إعادته (آيا صوفيا) إلى أصله الخير للأمّة الإسلامية والبشرية جمعاء"، في مغالاة من أردوغان ضاعفها حين شبّه متحف آيا صوفيا بالكعبة، حيث قال ردّاً على منتقدي القرار: "لا نستغرب إذا ما نادى هؤلاء لاحقاً بتحويل الكعبة التي هي أقدم دار عبادة أو المسجد الأقصى إلى متحف، ونسأل الله تعالى أن يحفظ وطننا والإنسانية من هذه العقلية إلى الأبد، وألا يختبر هذه الأمّة ثانية بمن يكنّون العداوة لقيمها"، بحسب ما أوردته وكالة أنباء الأناضول.

ولفت أردوغان إلى أنّ آيا صوفيا شأن تركي داخلي، قائلاً: حقّ التصرف بـ"آيا صوفيا" أمر متعلق بسيادة تركيا، ونتقبل جميع وجهات النظر الدولية حول هذه المسألة.

ولا ينفك أردوغان عن إثارة الجدل بقراراته وتناقضاته وخطاباته الإعلامية، ومنذ وصوله ن إلى السلطة يسعى جاهداً لتسييس الدين.

وكثيرا ما يصرح أردوغان بمعلومات دينية وتاريخية مغلوطة، ففي وقت سابق قال إنّ الأتراك شاركوا في غزوات بدر وأحد وحنين والخندق، وذلك رداً على زعيم المعارضة التركية، كمال كليتشدار أوغلو، بعد انتقاده مقتل جنود أتراك في سوريا.

وفي أيار (مايو) الماضي رفض الكثير من الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات أردوغان حول سورة الفتح؛ حيث زعم أنّها نزلت في فتح إسطنبول لا مكة المكرمة، وسط صمت الإخوان على ما قاله.

اقرأ أيضاً: أردوغان يسيّس آيا صوفيا لإرضاء الإسلاميين والقوميين

واعتبر ناشطون تصريحات أردوغان "تحريف للقرآن الكريم لأغراض سياسية".

وأعرب آنذاك نائب رئيس حزب "الديمقراطية والتقدم" (ديفا) المستقيل من حزب العدالة والتنمية مصطفى ينير أوغلو، عن استيائه من قول أردوغان، ووصفه بـ"الهراء"، كاشفاً أنّ أردوغان يحاول عن طريق هذه الأجندات العبثية إلهاء الشعب التركي عن الحقائق اليومية والمشاكل الكبيرة التي يعاني منها الشعب.

وأضاف أوغلو، خلال لقاء تليفزيوني على قناة "خلق"، أنّ أردوغان بمثل هذه الأمور يحاول تنويم الشعب بأفكار مثل فتح آيا صوفيا، في حين أنّه يوجد من لا يستطيع شراء الخبز ومن لا يستطيع دفع إيجار مسكنه في تركيا.

ردود دولية

وكانت موجة من الغضب والتعليقات الرافضة قد توالت عقب قرار تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، وأعربت منظمة اليونسكو عن أسفها العميق للقرار، وقالت المدير العام لليونسكو، أودري أزولاي، في بيان: إنّ "آيا صوفيا تحفة معمارية وشهادة فريدة على التفاعلات بين أوروبا وآسيا على مرّ القرون". وأضافت: إنّ وضعها كمتحف يعكس الطبيعة العالمية لتراثها، ويجعلها رمزاً قوياً للحوار، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

ووصف الاتحاد الأوروبي قرار تركيا بـ"المؤسف"، وقال كبير مسؤولي السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، بحسب ما أوردته وكالة أنباء "رويترز"، إنّ "حكم مجلس الدولة التركي بإبطال أحد القرارات التاريخية لتركيا الحديثة وقرار الرئيس أردوغان بوضع هذا الأثر تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية مؤسفان".

وانتقد المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، فلاديمير ليجويدا، في تصريح نقلته وكالة أنباء "أنترفاكس" الروسية القرار، قائلاً: "لم يتمّ الاستماع إلى النداءات التي تعبّر عن مشاعر القلق من جانب ملايين المسيحيين".

اقرأ أيضاً: #آيا_صوفيا يتصدر تويتر.. هل يتوقف أردوغان عن تسييس الدين؟

وفي غضون ذلك، أبدت واشنطن خيبة أملها "من قرار أنقرة تحويل كاتدرائية آيا صوفيا السابقة في إسطنبول إلى مسجد، مطالبة السلطات التركية بأن تكون زيارة هذا المعلم البيزنطي متاحة أمام الجميع على قدم المساواة"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

ومن جانبه قال وزير الخارجية الفرنسي، جان-إيف لودريان، إنّ بلاده "تأسف" لقرار السلطات التركية تحويل كاتدرائية آيا صوفيا السابقة في إسطنبول من متحف إلى مسجد.

وقال لودريان في بيان، نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، إنّ فرنسا تأسف لقرار مجلس الدولة التركي تعديل وضع متحف آيا صوفيا، ولمرسوم الرئيس أردوغان بوضعه تحت سلطة مديرية الشؤون الدينية. هذان القراران يشكّكان في أحد أكثر الإجراءات رمزية لتركيا العصرية والعلمانية".

...

وشدّد الوزير الفرنسي على "وجوب الحفاظ على سلامة هذه الجوهرة الدينية والمعمارية والتاريخية، رمز الحرية الدينية والتسامح والتنوّع، والمدرجة على قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي".

وأنشئ هذا الصرح المهيب في القرن السادس تحت حكم الإمبراطور البيزنطي جستنيان. وتُعتبر آيا صوفيا اليوم واحدة من أهم الآثار الموروثة من العهد البيزنطي، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية. وأضاف التقرير أنّه بعد استيلاء العثمانيين على القسطنطينية في 1453، تمّ تحويل الكنيسة إلى مسجد، لكن بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، قرّر رئيس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، تحويله إلى متحف.

ويُعدّ "آيا صوفيا" أحد أبرز المعالم السياحية في تركيا، وفي العام الماضي، كان الموقع السياحي الذي جذب أكبر عدد من السياح في تركيا، بلغ 3,8 ملايين شخص.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية