كيف ستواجه أمريكا الصين في قضية الإيغور؟

كيف ستواجه أمريكا الصين في قضية الإيغور؟


07/02/2021

لعلّ أهمية خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن تكمن في تحديده لملامح الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، ليس في الشرق الأوسط فحسب؛ بل تجاه الخصمين اللدودين "روسيا والصين"، تلك الاستراتيجية التي لم تبعد كثيراً عمّا أعلنه في حملته الانتخابية قبل عدة أشهر، حينما قال: إنّ الصين منافس عالمي لأمريكا، بينما روسيا عدو، وسوف تكون مقاربات "حقوق الإنسان" هي المعيار الأساس الذي ستحتكم إليه أمريكا في علاقاتها مع الجميع، "الحلفاء والخصوم"، وذلك بمعزل عن التوظيف البراغماتي لتلك المقاربات، التي أسقطها سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب بوصفها معيار أمريكا في علاقاتها مع الشعوب والحكومات.

وفقاً للاستراتيجية الأمريكية، ستكون دول الشرق الأوسط، بما فيها القوى الرئيسية،  محكومة أمريكياً لمعيار علاقاتها مع الصين وروسيا ضمن معايير أخرى

ربما لم يخرج خطاب بايدن الأسبوع الماضي عن مقاربة التوظيف لـ "حقوق الإنسان"، فقد أكّد على الدفاع عن الحرّية، ودعم الحقوق العالمية، واحترام حكم القانون، ومعاملة كلّ شخص بكرامة، وكان المعارض الروسي "نافالني" عنواناً للعلاقة مع روسيا، وحقوق "الإيغور" عنواناً للعلاقة مع الصين، ولم يخرج الحديث عن ضرورة وقف حرب اليمن عن المقاربات ذاتها، وتحت عناوين حقوق الإنسان.

إقرأ أيضاً: الصين تعزل أطفال الإيغور..

وإذا كانت مقاربات حقوق الإنسان أحد أهمّ المعايير في سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة، وبمعزل عن رهانات المصداقية والتوظيف، وازدواجية المعايير فيها، إذ لا يتوقع أن تكون إسرائيل مشمولة بها، في الوقت الذي ستشمل فيه غالبية دول الشرق الأوسط، فهل ستنفذها أمريكا وحيدة ضدّ روسيا والصين؟ واضح بالنسبة إلى روسيا أنّ أوروبا ستكون الجناح الثاني مع أمريكا في العمل ضدّ روسيا بملفات حقوق الإنسان، ومؤكد أنّ قضايا أخرى ستثيرها ألمانيا وبريطانيا ومعهما فرنسا ضدّ روسيا في أوكرانيا، وربما يتمّ فتح ملفات يُفترض أنها أغلِقت، مثل ملف الرئاسة في روسيا البيضاء وغيرها.

لكنّ الأمر بالنسبة إلى الصين ربما يكون مختلفاً بعض الشيء عن روسيا، فالحديث عن أقلية مسلمي "الإيغور" لطالما تمّ اعتبار التعامل الصيني "الشيوعي" معها مثار جدل، وتُشكّل أحد أبرز الملفات المحرجة للصين في علاقاتها مع العالمين؛ العربي والإسلامي، والمؤكد أنّ أمريكا ستمضي قُدماً بهذا الملف، وربما ليس بمواجهة عسكرية، كما حصل عام 1999، حينما وقف الديمقراطيون  ومعهم الأوروبيون إلى جانب مسلمي "كوسفو" ضدّ الصرب، المدعومين من روسيا.

تركيا، الساعية للتقرّب من أمريكا، سيكون مطلوباً منها تبنّي قضية الإيغور، وبالتالي خوض مواجهة مع الصين، مع كلّ ما سيترتب على ذلك من خسارات

الاستراتيجية الأمريكية ضدّ الصين بملف الإيغور تحتاج لرافعة وحواضن إسلامية، تعمل على إثارة القضية، ولن تتعدّى دولاً مثل "المملكة العربية السعودية، وتركيا، وإيران الإسلامية، ودول جنوب شرق آسيا كإندونيسيا وماليزيا"، ولأسباب عديدة فإنّ المملكة العربية السعودية، ومعها إيران ودول شرق آسيا، لن تكون رأس الرمح في حمل قضية الإيغور، وهو ما يعني أنّ تركيا، الساعية للتقرّب من أمريكا، سيكون مطلوباً منها تبنّي القضية، وبالتالي خوض مواجهة مع الصين، مع كلّ ما سيترتب على ذلك من خسارات، وربما تزاد معضلة تركيا المطلوب منها أيضاً الإجابة عن تساؤلات حول علاقاتها مع روسيا.

إقرأ أيضاً: اتهامات للصين بارتكاب إبادة جماعية ضد الإيغور... تفاصيل

وفقاً للاستراتيجية الأمريكية، ستكون دول الشرق الأوسط، بما فيها القوى الرئيسية،  "مصر، السعودية، تركيا، إيران"، محكومة "أمريكياً" لمعيار علاقاتها مع الصين وروسيا، ضمن معايير أخرى، وهو ما يفسّر امتناع الرئيس بايدن في خطابه عن الخوض في قضايا الشرق الأوسط، بما فيها القضية الفلسطينية والنووي الإيراني والملف السوري، والتي يبدو أنها ستكون محكومة لتسويات كبرى تنتج عن مفاوضات "سرّية"، وهو ما تدركه قيادات المنطقة والإقليم، التي شرعت بإجراءات باتجاه تحسين صورتها على صعيد ملفات الإصلاح ومكافحة الفساد والحرّيات العامّة، ولم يكن عبثاً هذا التوافق بين قوى كانت بالأمس القريب متصارعة في العديد من الساحات على تسهيل وتشجيع إجراء انتخابات فلسطينية، وبمشاركة فتح وحماس، إلى الدرجة التي أصبح مطروحاً معها أن تخوض الحركتان الانتخابات بقائمة موحّدة، فقد أنتج التغيير الذي شهدته الولايات المتحدة قواسم مشتركة جديدة بين قوى المنطقة؛ عنوانها التكيّف مع خيارات واتجاهات هذا التغيير ومتطلباته



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية