كيف يمكن قراءة الهجوم على أرامكو السعودية وتداعياته على المنطقة؟

السعودية

كيف يمكن قراءة الهجوم على أرامكو السعودية وتداعياته على المنطقة؟


17/09/2019

تتعدّد الروايات والسيناريوهات حول الجهة التي تقف وراء الهجوم الذي تمّ تنفيذه السبت الماضي على منشآت نفطية تتبع لأرامكو، شرق المملكة العربية السعودية، بقيق وخريص، وتتراوح بين إعلان جماعة أنصار الله الحوثية اليمنية التي تشكّل أحد أبرز وكلاء الحرس الثوري في المنطقة، مسؤوليتهم عن العملية، وتنفيذها بعشر طائرات مسيرة، واتّهام الحشد الشعبي العراقي بالمسؤولية، وما تبعه من نفي عراقي رسمي، رغم تزامن العملية مع اكتشاف طائرة مسيَّرة في أجواء الكويت فوق القصور الأميرية.

اقرأ أيضاً: استهداف السعودية بندٌ إيرانيٌّ ثابت
فيما ذهبت اتهامات أمريكية وغربية إلى أنّ للحرس الثوري الإيراني مسؤولية مباشرة عن العملية، بإطلاق صواريخ "كروز"، وأكثر من عشرين طائرة مسيَّرة، من الأراضي الإيرانية مباشرة إلى "بقيق وخريص" السعوديتين؛ حيث أصابت أهدافها في المنشآت النفطية؛ حيث أكّد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أنّ لدى الولايات المتحدة ما يكفي من الأدلّة على هذا الاتهام.
وبمعزل عن الجهة التي نفذت العملية؛ سواء أكانت من قبل الحرس الثوري مباشرة، أو من خلال وكلائه، خاصّة الحوثيين، فالمرجح مسؤولية إيران عن الهجوم، التي ما برحت تصرّح بأنّها لن تسمح بحرّية إمدادات النفط وعبوره من منطقة الخليج مع استمرار منعها من تصدير نفطها.

بمعزل عن الجهة المنفذة للعملية سواء نفذها الحرس الثوري مباشرة أو من خلال وكلائه فالمرجح مسؤولية إيران
ويبدو، وفق كثير من التحليلات المرجَّح صحّتها، استبعاد أن يكون الحوثيون وراء العملية، وفق سيناريو تسيير طائرات مسيرة من شمال اليمن إلى المنطقة الشرقية في السعودية؛ حيث تخضع الحدود السعودية اليمنية لرقابة شديدة، وربما أقصى ما يستطيع الحوثيون الوصول إليه من أهداف سعودية، هي المناطق الحدودية في جنوب السعودية، التي تمّ استهدافها مراراً في مطار أبها ونجران وغيرها من المناطق ذات الطبيعة المدنية، وربما تمّ إدخال أجزاء من تلك الطائرات إلى السعودية، وإعادة تركيبها وإطلاقها، خاصة أنّ إعلان الحوثيين زعم أنّ هناك جهات داخل السعودية، قدّمت "دعماً لوجستياً لإتمام العملية".

ثبوت سيناريو مسؤولية الحرس الثوري المباشرة عن العملية يعني دخول الصراع في المنطقة مرحلة جديدة

أما سيناريو أن يكون الحشد الشعبي العراقي هو المسؤول عن العملية؛ فيبدو ضعيفاً لا تدعمه أدلة كثيرة، وهو ما أكّده الأمريكيون، وفي حال ثبوت سيناريو مسؤولية الحرس الثوري المباشرة عن العملية، كما جاء في الرواية الأمريكية، فإننا أمام أول عملية يقف وراءها الحرس الثوري مباشرة منذ انطلاق الأزمة، وهو ما يعني دخول الصراع في المنطقة مرحلة جديدة، تعكس اتجاهات إيرانية جديدة، مؤكَّد أنّها مرتبطة بسياقات وتطورات جديدة.
السياقات الجديدة تتجلى بتطورَين رئيسَين هما؛ الأول: إقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، وانكشاف حدود سياسات وتكتيكات الرئيس دونالد ترامب في إدارة الصراع مع إيران، وفق مقاربة "حافة الهاوية" التي تستخدمها القيادة الإيرانية تاريخياً في إدارة صراعاتها، إلا أنّ ترامب يستخدمها من موقع الأقوى، وفق سياسة "العصا والجزرة"، وربما عجّلت إقالة "بولتون"، بوصفه من أشدّ أعداء إيران، والداعين لاستخدام الخيار العسكري ضدّها، في اندفاع الحرس الثوري الإيراني، للانتقال من مرحلة استخدام الوكلاء لخوض المعارك بشكل مباشر، مدركاً أنّ ردّ الفعل "الأمريكي"، مهما بلغ من القوة، لن يصل حدّ اندلاع حرب شاملة في المنطقة، وأنّ القيادة الإيرانية لديها القدرة على استيعاب أية ضربة والتكيف معها، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ أوساطاً بالحرس الثوري تتطلع لضربة "أمريكية" محسوبة، لاستثمارها بالداخل الإيراني، وإظهار القدرة على الصمود أمام "الشيطان الأكبر"، على خلفية مخاوف من انتفاضة داخلية مرتبطة بتداعيات العقوبات الاقتصادية.

اقرأ أيضاً: بعد ضرب منشآت النفط.. بهذه الطريقة ستعوض السعودية عملاءها


أما السياق الثاني: فمن غير الممكن أن يتمّ التعامل مع الضربة الإيرانية لمنشآت سعودية نفطية بمعزل عن احتمالات عقد لقاء بين الرئيسَين؛ ترامب وروحاني، ورفض أوساط إيرانية، في التيار المتشدّد والحرس الثوري الإيراني، لهذا اللقاء، وما سبقه من اتهامات في البرلمان الإيراني لجواد ظريف وحسن روحاني بـ "الخيانة"؛ على خلفية الزيارة المفاجئة لظريف إلى فرنسا؛ حيث كانت تعقد قمة السبع الكبار، وتقديرات التيار المتشدّد والحرس الثوري بأنّ مخرجات لقاء "ترامب – روحاني" المفترض لن تخدم إيران بهذه المرحلة، وستصبّ بمصلحة ترامب، في إطار استعداداته للانتخابات الأمريكية القادمة، وهدفه بالحصول على "صورة" تجمعه مع الرئيس روحاني، وهو ما يرجّح احتمالات أن تكون العملية لقطع الطريق على قمة "ترامب- روحاني"، التي أصبحت احتمالات عقدها أقلّ بعد الضربة.

من غير الممكن التعامل مع الضربة الإيرانية لمنشآت سعودية نفطية بمعزل عن احتمالات عقد لقاء بين الرئيسَين ترامب وروحاني

يبدو أنّ لدى الولايات المتحدة "معلومات" ذات طبيعة استخبارية، تتجاوز المعلومات التحليلية، سيخضع استخدامها لمتطلبات الإستراتيجية الأمريكية في إدارة الصراع مع إيران، تمّ التمهيد لها بالإعلان الأمريكي عن رفع مستوى التنسيق الأمني "تبادل المعلومات" مع السعودية، وهو ما يفسّر عدم كشف السعودية عن نتائج تحقيقاتها الأولية في العملية، والاكتفاء بالتصريح حول قدرتها على التعامل مع استهدافها، وهو ما يقلّل احتمالات ردّ عسكري أمريكي على إيران، رغم تزايد الأصوات "داخل أمريكا"، التي تطالب بردّ عسكري على التجاوزات الإيرانية، وهو ما يبدو أنّ الرئيس ترامب لن يذهب إليه، لحسابات أمريكية داخلية، فيما لا يُستبعد أن يشنّ التحالف العربي، بقيادة المملكة السعودية، ضربات "نوعية" ضدّ مراكز القيادة والتحكم الحوثية، في صنعاء ومراكز تخزين وانطلاق الطائرات المسيَّرة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية